اضطراب طيف التوحد مصطلح واسع؛ يُستخدم لوصف مجموعة من اضطرابات النمو العصبي؛ التي تتميز بمشاكل في التواصل والتفاعل الاجتماعي. غالباً ما يُظهر الأشخاص المصابون بالتوحد اهتمامات أو أنماط سلوك مقيدةً ومتكررةً ونمطيةً، فما هي أعراض التوحد؟ وما أنواعه؟ وكيف يتم علاجه؟
اضطرابٌ منتشر على نطاقٍ واسع
تم العثور على حالات إصابة بالتوحد لدى الأفراد في جميع أنحاء العالم؛ بغض النظر عن العرق أو الثقافة أو الخلفية الاقتصادية. وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها؛ يحدث التوحد في كثيرٍ من الأحيان عند الأولاد الصبية أكثر من الفتيات، مع نسبة 4 إلى 1 من الذكور إلى الإناث، كما قدّرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في عام 2014، أن ما يقرب من طفل واحد من بين 59 طفل مصابٌ بالتوحد.
وهناك مؤشرات على أن حالات الإصابة بالتوحد آخذة في الارتفاع. يعزو البعض هذه الزيادة إلى العوامل البيئية. ومع ذلك؛ يناقش الخبراء ما إذا كانت هناك زيادة فعلية في الحالات، أو مجرد تشخيصات أكثر تكراراً وانتشاراً.
أنواع التوحد المختلفة
تم نشر الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية من قبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي، ويستخدمه الأطباء لتشخيص مجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية.
تم إصدار الإصدار الخامس والأحدث من ذلك الدليل التشخيصي والإحصائي في عام 2013، ويُتعرّف حالياً على خمسة أنواع فرعية أو محددات مختلفة لطيف التوحد مختلفة؛ هي:
- التوحد مع أو بدون الإعاقة الذهنية المصاحبة.
- التوحد مع أو بدون ضعف اللغة المصاحَب.
- التوحد المرتبط بحالة طبية أو وراثية أو عامل بيئي معروف.
- التوحد المرتبط باضطراب عصبي أو عقلي أو سلوكي آخر.
- التوحد المترافق مع التخشّب -أو الجمود-؛ وهي حالةٌ تصف مجموعة أعراضٍ؛ مثل الخمول وقلة التواصل وبعض الانفعالات.
يمكن تشخيص شخصٍ ما بواحد أو أكثر من تلك المحددات، وقبل دليل عام 2013 التشخيصي والإحصائي، ربما تم تشخيص الأشخاص في طيف التوحد بأحد الاضطرابات التالية: اضطراب التوحد، ومتلازمة «أسبرجر»، واضطراب النمو الشامل، واضطراب الطفولة التفككي.
ومن المهم ملاحظة أن الشخص الذي تلقّى أحد هذه التشخيصات السابقة، لم يفقد تشخيصه مع تحديث الدليل التشخيصي، ولن يحتاج إلى إعادة التقييم، فوفقاً لآخر دليلٍ إحصائي، فإن التشخيص الأوسع لاضطراب طيف التوحد يشمل اضطراباتٍ مثل متلازمة أسبرجر.
ما هي أعراض التوحد؟
عادةً ما تظهر أعراض التوحد بوضوحٍ خلال مرحلة الطفولة المبكرة؛ بين 12 و 24 شهراً من العمر، ومع ذلك؛ قد تظهر الأعراض أيضاً في وقتٍ سابق أو لاحق، وقد تشمل الأعراض المبكرة تأخراً ملحوظاً في الكلام أو التطور الاجتماعي.
يقسم الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية أعراض التوحد إلى فئتين؛ مشاكل التواصل والتفاعل الاجتماعي، وأنماط السلوك أو الأنشطة المقيّدة أو المتكررة؛ إذ تشمل مشاكل التواصل والتفاعل الاجتماعي ما يلي:
- مشاكل في التواصل؛ بما في ذلك صعوبات مشاركة العواطف أو مشاركة الاهتمامات أو الحفاظ على محادثة مستمرة بين طرفين.
- مشاكل في التواصل غير اللفظي؛ مثل صعوبة الحفاظ على التواصل البصري أو قراءة لغة الجسد.
- صعوبات في تطوير العلاقات والحفاظ عليها.
بينما تشمل أنماط السلوك أو الأنشطة المقيدة أو المتكررة ما يلي:
- الحركات أو الإيماءات أو أنماط الكلام المتكررة.
- التقيد الصارم بأنماط أو سلوكيات معينة.
- زيادة أو نقصان في الاستجابة لمعلومات حسية معينة من محيط المصاب؛ مثل رد فعلٍ سلبي على صوتٍ معين.
- الاهتمامات أو الانشغالات الغريبة الثابتة.
يتم تقييم الأفراد في كل فئةٍ على حدة، وتتم ملاحظة شدة أعراض التوحد لديهم للتصرف بموجبها، ومن أجل الحصول على تشخيص اضطراب طيف التوحد؛ يجب على الشخص إظهار جميع أعراض التوحد؛ الثلاثة في الفئة الأولى، وعرضين على الأقل في الفئة الثانية.
ما الذي يسبب التوحد؟
السبب الدقيق لاضطراب طيف التوحد غير معروف حتى الآن؛ إذ توضح أحدث الأبحاث أنه لا يوجد سبب واحد؛ بل عدة عوامل خطر مشتبه بها للإصابة بالتوحد؛ وهي:
- وجود أحد من أفراد الأسرة المباشرين مصاب بالتوحد.
- الطفرات الجينية.
- متلازمة «كروموسوم X الهش» والاضطرابات الوراثية الأخرى.
- الولادة لأبوين من كبار السن.
- انخفاض الوزن عند الولادة.
- الاختلالات الأيضية.
- التعرض للمعادن الثقيلة والسموم البيئية.
- وجود تاريخ من الالتهابات الفيروسية.
- تعرض الجنين لأدوية حمض الفالبرويك؛ مثل الـ«ديباكين»، أو الثاليدومايد؛ مثل الـ«ثالوميد».
وفقاً للمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية الأميركي؛ قد يحدّد كل من الوراثة والبيئة ما إذا كان الشخص مصاباً بالتوحد، كما استنتجت مصادر متعددة؛ قديمة وحديثة، أن الاضطراب لا ينتج عن اللقاحات.
إذ اقترحت دراسةٌ مثيرةٌ للجدل عام 1998، وجود صلةٍ بين التوحد ولقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، ومع ذلك؛ تم فضح زيف هذه الدراسة من خلال أبحاثٍ أخرى، وتم التراجع عنها في النهاية في عام 2010.
اقرأ أيضاً: العلماء يكشفون عن العلاقة بين العدوى أثناء الحمل والتوحد
آلية تشخيص التوحد
يتضمن تشخيص التوحد عدة فحوصات واختبارات جينية وتقييمات مختلفة؛ وهي:
اختبارات تطور الإصابة المحتملة
توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، بأن يخضع جميع الأطفال لفحص التوحد في سن 18 و 24 شهراً؛ إذ يمكن أن يساعد الفحص في التعرف المبكر على الأطفال الذين يمكن أن يكونوا مصابين بالتوحد، وقد يستفيد هؤلاء الأطفال من التشخيص والتدخل المبكر.
تعد قائمة المراجعة المعدّلة للتوحد عند الأطفال؛ «M-CHAT»، أداة فحصٍ شائعةً تستخدمها العديد من مؤسسات طب الأطفال؛ إذ يتم ملء هذا الاستبيان المكون من 23 سؤالاً -باللغة الإنجليزية- من قبل أولياء الأمور، ويمكن لأطباء الأطفال بعد ذلك استخدام الإجابات المُقدّمة لتحديد الأطفال المعرضين لخطر ظهور أعراض التوحد والإصابة به.
من المهم ملاحظة أن الفحص ليس تشخيصاً، فالأطفال الذين يقومون بالفحص الإيجابي لاضطراب طيف التوحد لا يعانون بالضرورة من هذا الاضطراب. بالإضافة إلى ذلك؛ لا تكتشف الفحوصات في بعض الأحيان كل طفلٍ مصاب بالتوحد.
الفحوصات والاختبارات الأخرى
قد يوصي طبيب طفلك بمجموعةٍ من اختبارات التوحد الأخرى غير الأسئلة المتخصصة؛ بما في ذلك:
- اختبار الحمض النووي للأمراض الوراثية.
- التقييم السلوكي.
- الاختبارات المرئية والصوتية لاستبعاد أي مشاكل في الرؤية والسمع لا تتعلق بالتوحد.
- فحص العلاج المهني.
- الاستبيانات التنموية؛ مثل جدول مراقبة تشخيص التوحد.
عادةً ما يتم إجراء التشخيص بواسطة فريقٍ من المتخصصين؛ قد يشمل هذا الفريق علماء نفس الأطفال أو المعالجين المهنيين أو أخصائيي أمراض النطق واللغة.
اقرأ أيضاً: استخدام التعلم الآلي للكشف عن العوامل الجينية لمرض التوحد
كيف يتم علاج التوحد؟
لا توجد "علاجات" لمرض التوحد؛ ولكن العلاجات واعتبارات العلاج الأخرى، يمكن أن تساعد الأشخاص على الشعور بالتحسن أو التخفيف من أعراضهم؛ إذ تتضمن العديد من طرق العلاج علاجاتٍ مثل:
- العلاج السلوكي.
- العلاج باللعب.
- علاج بالممارسة.
- العلاج البدني.
- علاج النطق.
كما قد يؤدي التدليك والبطانيات والملابس الثقيلة وتقنيات التأمل أيضاً، إلى إحداث تأثيرات الاسترخاء، ومع ذلك؛ ستختلف نتائج العلاج باختلاف كل مصابٍ وحالته، فقد يستجيب بعض الأشخاص المصابين بالتوحد بشكل جيد لبعض الأساليب، بينما قد لا يستجيب آخرون.
العلاجات البديلة
قد تشمل العلاجات البديلة لإدارة التوحد ما يلي:
- جرعة عالية من الفيتامينات.
- العلاج بالاستخلاب؛ والذي يتضمن طرد المعادن من الجسم.
- العلاج بالأكسجين عالي الضغط.
- الميلاتونين لمعالجة مشاكل النوم.
البحث عن العلاجات البديلة مختلط، وقد تكون بعض هذه العلاجات خطيرة، لذلك يجب على الآباء ومقدمي الرعاية، موازنة البحث والتكاليف المالية مقابل أية فوائد محتملة قبل الاستثمار في أي منها.
تأثيرات التوحد على مختلف الشرائح
تأثير التوحد على الأطفال
قد لا يصل الأطفال المصابون بالتوحد إلى نفس مراحل التطور مثل أقرانهم، أو قد يُظهرون فقدان المهارات الاجتماعية أو اللغوية التي تم تطويرها مسبقاً.
على سبيل المثال؛ قد يُبدي طفل يبلغ من العمر عامين غير مصاب بالتوحد، اهتماماً بألعاب التخيّل البسيطة، وقد يستمتع الطفل البالغ من العمر 4 سنوات غير المصاب بالتوحد، بالمشاركة في الأنشطة مع الأطفال الآخرين، بينما قد يواجه الطفل المصاب بالتوحد صعوبةً في تلك الأنشطة، وفي التفاعل مع الآخرين، أو قد يكره ذلك تماماً.
كما قد ينخرط الأطفال المصابون بالتوحد أيضاً في سلوكياتٍ متكررة، أو يجدون صعوبةً في النوم، أو يأكلون بشكلٍ قهري عناصر غير غذائية، وقد يجدون صعوبةً في الازدهار بدون بيئة منظمة أو روتين ثابت.
إذا كان طفلك مصاباً بالتوحد، فقد تضطر إلى العمل عن كثب مع معلميه لضمان نجاحه في الفصل الدراسي.
التوحد وممارسة الرياضة
قد يجد الأطفال المصابون بالتوحد، أن بعض التمارين الرياضية يمكن أن تلعب دوراً في تخفيف الإحباط وتعزيز الراحة العامة، ويمكن أن يكون أي نوع من التمارين التي يستمتع بها طفلك مفيداً، يُعتبر المشي والاستمتاع في الملعب أمراً مثالياً.
كما يمكن أن تكون السباحة والوجود في الماء بمثابة تمرينٍ ونشاطٍ حسي ترفيهي؛ إذ يمكن أن تساعد أنشطة اللعب الحسي الأشخاص المصابين بالتوحد؛ الذين قد يجدون صعوبةً في معالجة الإشارات من حواسهم.
في بعض الأحيان؛ قد تكون الرياضات التي تتطلب الاحتكاك الجسدي صعبةً على الأطفال المصابين بالتوحد، يمكنك بدلاً من ذلك تشجيع أشكال أخرى من تمارين التحدي والتقوية.
كيف يؤثر التوحد على الفتيات؟
غالباً ما يتم تصوير التوحد على أنه مرض يصيب الأولاد الصبية، فوفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن اضطرابات طيف التوحد أكثر شيوعاً في الأولاد بنحو 4 مرات من الفتيات.
ومع ذلك؛ هذا لا يعني أن التوحد لا يحدث عند الفتيات. في الواقع؛ يقدر مركز السيطرة على الأمراض أن 0.66 %؛ أي حوالي 1 من كل 152 فتاة، مصابات بالتوحد، وقد يظهر التوحد بشكلٍ مختلف عند النساء.
بالمقارنة مع العقود الأخيرة؛ يتم اختبار مرض التوحد في وقتٍ مبكر، وبمعدلات اختبارٍ أعلى الآن؛ هذا يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابات المُبلغ عنها في كل من الصبية والفتيات.
التوحد عند البالغين
قد تشعر العائلات التي لديها أحباء مصابون بالتوحد، بالقلق بشأن الشكل الذي تبدو عليه الحياة مع التوحد لشخصٍ بالغ، وقد تستمر أقليةٌ من البالغين المصابين بالتوحد في العيش أو العمل بشكل مستقل، ومع ذلك؛ يحتاج العديد من البالغين المصابين بالتوحد إلى مساعدة أو تدخل مستمر طوال حياتهم.
يمكن أن يساعد تقديم العلاجات والاستطبابات الأخرى في وقتٍ مبكرٍ من الحياة، في تحقيق المزيد من الاستقلالية وتحسين نوعية الحياة، وفي بعض الأحيان؛ لا يتم تشخيص الأشخاص الذين يعانون من طيف التوحد إلا بعد فترة طويلة من حياتهم؛ ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص الوعي السابق بين الممارسين الطبيين.
لا يُعطى البالغون عموماً نفس العلاجات مثل الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، وفي بعض الأحيان؛ يمكن علاج البالغين المصابين باضطراب طيف التوحد بالعلاج السلوكي المعرفي واللفظي والتطبيقي، وفي كثيرٍ من الأحيان؛ ستحتاج إلى البحث عن علاجات محددة بناءً على التحديات التي تواجهها؛ مثل القلق أو العزلة الاجتماعية أو مشاكل العلاقات أو صعوبات العمل.
تتضمن بعض احتمالات العلاج ما يلي:
- مراجعة طبيب نفسي من ذوي الخبرة في علاج التوحد للتقييم الطبي.
- استشارة أخصائي اجتماعي أو أخصائي نفسي للعلاج الجماعي والفردي.
- الحصول على المشورة على أساسٍ مستمر.
- الحصول على إعادة تأهيل مهني للصعوبات المتعلقة بالوظيفة.
- تناول الأدوية الموصوفة لأعراضٍ جانبية؛ مثل القلق والاكتئاب والمشكلات السلوكية التي قد تحدث بجانب اضطراب طيف التوحد.
كما وجد العديد من البالغين المصابين بالتوحد الدعم؛ من خلال المجموعات والمنتديات عبر الإنترنت، وكذلك من خلال التواصل شخصياً مع البالغين الآخرين في طيف التوحد.
اقرأ أيضاً: المشكلات السلوكية عند الأطفال: أسبابها وعلاجها