جميعنا نستسلم في النهاية للرائحة الشهية للحلويات اللذيذة المحشوة بحشوة طرية مع القليل من المكوِّنات المقرمشة، وحتى لو لم تكن تحب مثل هذه الأطعمة، فلا بدَّ من أن تتناول بعضاً منها في أيام الأعياد؛ إذ تنطوي مواسم الأعياد على الكثير من الطعام، ودائماً ما تتسع بطوننا للقليل منها.
وعندما يزداد وزننا، فإننا نشعر بأن فقدانه سيكون سهلاً أيضاً، فلا شك في أنك سوف تكون قادراً على التعامل معه في المستقبل. إلا أن الحقيقة هي أنك لن تخسر هذا الوزن قبل 6 أشهر على الأقل، بل إنك لن تعود غالباً إلى وزنك الأدنى قبل مرور 9 أشهر على ذلك، وعندها سيأتي العيد وستعود إلى اكتسابه مرة أخرى.
وهذه ليست دعوة ضد الأكل؛ فقد يكون تناول الديك الرومي ومرق اللحم -وخاصة حول مائدة العشاء العائلية- يجلب لنا السعادة الأعظم على هذه الأرض، ولكنها مجرد دعوة لتناول الطعام بشكل عقلاني وذكي، لأنك ستتمكَّن بهذه الطريقة من كسر الدورة السنوية.
دورة حياة الحِمية الغذائية
تبدأ زيادة الوزن بالنسبة لمعظم الناس في الولايات المتحدة مثلاً في منتصف نوفمبر، وهذا الأمر منطقي، ولكنه أيضاً مدعوم بالبيانات؛ إذ قامت دراسة أجريت عام 2016 ونُشرت في مجلة نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين (New England Journal of Medicine) بتتبُّع 1781 أميركياً باستخدام أجهزة ميزان متصلة بالإنترنت، وذلك لمدة عام كامل لمعرفة كمية الوزن التي كسبوها أو خسروها، ووفقاً لنتائج الدراسة فإن زيادة الوزن عند الأشخاص العاديين تبدأ في منتصف نوفمبر، مع ارتفاع صغير عند زيادة كمية السعرات الحرارية التي يستهلكونها في عيد الشكر. وفي المتوسط يزداد الوزن بنسبة 0.1% تقريباً، ويميل الأشخاص للحفاظ على نفس الوزن تقريباً في بداية ديسمبر، وبعد ذلك يزداد بسرعة كبيرة في الأسابيع القليلة الأخيرة من السنة. وكما هو متوقع، يبلغ الأميركيون ذروة وزنهم عند رأس السنة الجديدة.
ومنذ ذلك الحين، يحدث انخفاض مستمر بسيط بشكل بطيء خلال الأشهر الخمسة التالية، ويمكن للشخص العادي أن يخسر حوالي نصف الوزن الذي اكتسبه خلال الشهر الأول أو نحو ذلك، لكن العودة إلى الوزن الأساسي تستمر حتى شهر مايو، ولا يحدث الانخفاض تحت الوزن الأساسي حتى يونيو، وأخيراً يصل الوزن إلى أدنى مستوياته في نهاية شهر أكتوبر، ثم تتكرر الدورة.
إنها ليست حمية غذائية متقلبة تماماً، ولكن إلى حدٍّ ما، حيث إن جميع الحميات الغذائية متقلِّبة، وبالتالي تكون غير ناجحة بكل بساطة، فبعد مرور خمس سنوات على اتباع الحمية الغذائية، يستعيد ما يقرب من 40% من الناس وزناً أكثر مما خسروه. وتثبت الدراسة تلو الأخرى أن لجسمك نقطة وزن محدَّدة، ومهما حاولت خفض وزنك إلى أقل منها، فإن فيزيولوجيا جسمك ستعمل بشكل معاكس، والخبر الأسوأ هو أن هذا الوزن المحدَّد يزداد بسهولة أكبر بكثير من الانخفاض (إذا كان يمكن أن ينخفض أصلاً).
أما الأخبار السارَّة فهي أن من الممكن التوقف عن اتِّباع الحمية الغذائية! فكل ما يتعلَّق بها تقريباً يعدُّ سيئاً بالنسبة لك؛ إذ تتوقف عن ربط مؤشرات جسمك مع الأكل وتصبح أكثر عرضة للإعلانات التسويقية التي تدفعك إلى تناول المزيد، كما أنك تضيف ضغوطاً على حياتك، التي من المفاجئ أنها تجعلك تكتسب الوزن بدل أن تخسره. ويؤدي حرمانك لنفسك من الطعام اللذيذ إلى بدء حلقة مفرغة شاقة، التي سرعان ما يصبح الفرار منها مستحيلاً.
بدلاً من ذلك، عليك أن تتناول الطعام بشكل عقلاني
ينطوي هذا الأمر بشكل أساسي على الانتباه للأوقات التي تكون فيها جائعاً أو غير جائع، مع تناول أكبر عدد ممكن من السعرات الحرارية من الأطعمة غير المصنَّعة، وتجنب السكر بشكل عام، ومحاولة تناول الكربوهيدرات بأشكالها المعقَّدة بدلاً من البسيطة. فقد يحتوي الخبز كامل الحبوب على الكربوهيدرات، لكن تركيبته المعقدة لا تؤدي إلى ارتفاع الأنسولين بنفس المستوى الذي تؤدي إليه النشويات البسيطة الموجودة في البطاطا.
إن تناول الطعام بشكل عقلاني يعني أنه ما يزال بإمكانك أن تحصل على الحلوى والكعك والبسكويت في بعض المناسبات، وما عليك إلا أن تأكلها باعتدال، فمن المرجَّح أن يقوم الشخص بخرق القواعد الصارمة، ولكن من ناحية أخرى، فإن الإرشادات العامة تعدُّ شديدة الاستدامة. ففي عشاء عيد الشكر في أميركا على سبيل المثال، يتواجد في البيت الأميركي العادي الكثير من الأطعمة على الطاولة، ويمكن القول بأنها سيئة جداً للجسم.
إن الديك الرومي جيد لأنه غني بالبروتينات الخالية من الدهون، كما أن الدهون الموجودة في المرق ليست سيئة للجسم كما يمكن لجنون النظام الغذائي منخفض الدهون أن يجعلك تعتقد، ولكن البطاطا للأسف هي بمنزلة قنابل أنسولين مسلوقة ومهروسة، والخبر السار هو أنه لا يزال بإمكانك الحصول على بعض منها في نظامك الغذائي الجديد. استمتع بالأطعمة النشوية، ولكن عليك أن تستمتع بها بكمية معقولة، وينطبق نفس الأمر على الفطائر والحلويات.
يمكنك حتى أن تأكل بقايا الطعام لأيام؛ إذ يساعدك التعويض عن تناول الحلويات بالوجبات الخفيفة الصحية جداً على تجنب الوزن الزائد. وإذا كانت عادتك أن تتناول الفطائر على الإفطار، فحاول اختيار الشوفان المطبوخ أو البيض لإفساح المجال للديك الرومي والشطائر المحشية في وقت لاحق من اليوم.
وعندما تريد تناول قطعة من فطيرة اليقطين، فحاول أن تأخذ قطعة أصغر بقليل مما تعتقد بأنك تشتهي؛ حيث إن الارتفاع الكبير في مستوى الأنسولين -الذي يلي تناول جرعة بسيطة من الكربوهيدرات مثل السكر- يحفِّز الجسم على البدء في تخزين الدهون، ويعتقد دماغك أنك عثرت على مصدر كبير من السعرات الحرارية، ويريد أن يساعدك على اجتياز هذا الوقت العصيب من خلال زيادة الوزن. ولكن في الواقع لا توجد أوقات عصيبة مع وجود سلسلة مطاعم للوجبات السريعة في الجوار.
ولسوء الحظ، فإن الطريقة الوحيدة لنقل هذه الحقيقة إلى جسمك هي تقليل عدد مرات ارتفاع الأنسولين بهذا الشكل، ولكن في الجانب المشرق يرغب الشخص عموماً في أن يتناول كمية أكبر من الكمية التي يستطيع أكلها؛ فإذا أكلت ببطء فستكون على الأرجح راضياً عن قطعة صغيرة من الفطيرة، تماماً كما تظن حالك عند تناول قطعة كبيرة منها. وقد يترافق ذلك حتى مع آلام أقل في البطن. ولكن مهلاً! إذا كنت تريد المزيد حقاً، فيمكنك دائماً الحصول على المزيد!
إن أفضل التمارين هي التي تقوم بها بانتظام
يمكنك تجنب الوزن الزائد عن طريق ممارسة الكثير من النشاط البدني، ومواسم الأعياد ليست هي الوقت المناسب تماماً في السنة للالتزام بعادة مكثفة جديدة لممارسة تمارين؛ لذا ابدأ بخطوات صغيرة، ولا تقلق بشأن ما تقوله المجلات حول "أفضل" شكل من أشكال التمارين؛ لأنه غير موجود. صحيح أن معظم الناس لا يستطيعون إنقاص الوزن من خلال القيام فقط بالتمارين التي تُجهد القلب، وصحيح أن تمارين القوة يمكنها أن تزيد من معدل الاستقلاب الأساسي، وبالتالي فقد تميل إلى ممارسة رفع الأثقال، ولكن من الصحيح أيضاً أن الأشخاص الذين يكرهون تمارين رفع الأثقال لن يلتزموا بها أبداً لمدة طويلة بما يكفي لرؤية النتائج، وينطبق الأمر نفسه على أولئك الذين يكرهون تمارين الأجهزة الإهليلجية والذين من شأنهم أن يتخلوا عنها حتماً.
ابحث عن تمرين تحبه بما يكفي للالتزام به، ثم التزم به. فإذا كان هذا التمرين من التمارين قوية الشدة، فهذا أمر رائع؛ إذ تظهر الدراسات بأن هذه التمارين توفر الكثير من الفوائد للقلب مع التزام أقل بالوقت. وإذا كانت التمارين التي تحبها هي ركوب الدراجات أو الجري أو السباحة أو رفع الأثقال أو التجديف، فكلها رائعة، وما عليك سوى ممارستها بانتظام. وهذه هي الطريقة التي تقوم فيها باكتساب العادة، وذلك بأن تجد طريقة للاستمرار بفعل الشيء إلى أن يصبح متأصلاً جداً، بحيث يصبح لا يتطلب أي مجهود. اذهب إلى الصالة الرياضية لمدة 10 دقائق إذا كان عليك ذلك، فحتى لو لم تبذل جهداً كبيراً هناك، فيكفي أن الذهاب إلى الصالة سهل، وستكتشف قريباً أن وجودك هناك لمدة 30 دقيقة لم يعد مشكلة، وتنتقل من قطعك لنصف كيلومتر بصعوبة في السابق إلى قطع مسافة 5 كيلومترات.
تعتبر العادات قوية، فاستخدمها لصالحك، وتناول الفطيرة أيضاً.