تنفق الحكومات عبر العالم مليارات الدولارات سنوياً على علاج أمراض القلب، والأوعية الدموية، والسكري، وغيرها من الأمراض الأخرى ومضاعفاتها الناتجة عن نظام حياتنا الخمول المرتبط بالرخاء الاقتصادي أو بظروفٍ أخرى. لذا ينبغي التركيز على الجهود الرامية لتشجيع الناس على ممارسة الرياضة واتباع نظام يومي أكثر نشاطاً يحد من هذه الأمراض، وتأتي الأبحاث والدراسات في هذا الإطار لدعم هذه الجهود.
عندما تتقدم في السن وتصبح في الأربعينيات أو الخمسينيات من العمر، وأمضيت فترة شبابك خمولاً ، فلا بد وأنك قد بدأت تشعر الآن بالآثار السلبية على صحتك ولياقتك البدنية نتيجةً لذلك. في الحقيقة إن الحفاظ على اللياقة بحد ذاتها أسهل بكثير من اكتسابها في سنٍّ متقدمة، وقد تتسائل إن قررت البدء بالتمارين لأول مرة، هل فات الأوان لاكتساب اللياقة في هذا العمر؟ وهل يستحق الأمر المحاولة أو بذل الجهد، وستفكر حينها كيف سيبدو منظرك وأنت تعاني أثناء قيامك بالتمارين في النادي، سيكون المشهد مؤلماً بالنسبة لك.
يأتي الجواب عبر دراسةٌ جديدة تقول: نعم، لم يفت الأوان بعد للبدء بممارسة التمارين الرياضية. تقول الدراسة أن الذين يبدأون بممارسة الرياضة في سنّ متأخر- حتى في خمسينيات العمر- يخفضون خطر الوفاة لديهم بنفس النسبة لدى الذين يمارسون الرياضة معظم حياتهم مقارنةً بأولئك الذين يقضون حياةً خاملة، والأهم من ذلك أن هذه الدراسة تنطبق على الجميع بغض النظر عن مؤشر كتلة الجسم لديهم "BMI" خلال حياتهم.
وتُظهر الدراسة التي نُشرت في مجلة "JAMA Network Open" الفائدة والأهمية البالغتين للقيام بالتمارين الرياضية في سنّ متأخرةٍ من العمر. حيث قام الباحثون بدراسة حالة 315 ألف شخص ووزعوها إلى ثلاث مجموعات تجريبية، تضم الأولى الذين يزاولون الرياضة طوال حياتهم، والثانية الذين بدأوا بممارسة التمارين في سنٍّ متقدمة فقط، وضمت الثالثة الأشخاص الذين كانوا يمارسون التمارين في شبابهم إلا أن نشاطهم قلّ في سنواتهم الأخيرة.
لم يكن مفاجئاً أن نتائج من زاولوا التمارين الرياضة بانتظام كانت الأفضل عموماً، وبالمقارنة مع المجموعة التجريبية الشاهد (أولئك الذين لم يمارسو التمارين على الإطلاق سابقاً)، فقد انخفض خطر الوفاة لدى من كان يمارس الرياضة بمعدل 2-8 ساعات أسبوعياً بنسبةٍ تتراوح بين 29 و 36%، بينما انخفض خطر الوفاة إلى 16% فقط لدى من كان يمارس التمارين الرياضية لمدة ساعةٍ في الأسبوع.
وقد عبر الباحثون عن تفاجئهم بالعدد الكبير ممن بدأ بممارسة التمارين في سنٍّ متأخر وكانوا قادرين على خفض نسبة خطر الوفاة لديهم. فقد انخفض خطر الوفاة لدى من زاد نشاطهم الرياضي في العقد الثالث والرابع والخامس من أعمارهم بنسبة تراوحت من 32 إلى 35% مقارنةً مع المجموعة الشاهدة، وهذه النسبة مماثلةٌ تماماً للنسبة التي حققها من كان يمارس التمارين منذ أيام مراهقتهم وحتى العقد السادس من العمر. وقد كانت النتائج متطابقة حتى بعد أن أخذ الباحثون بعين الإعتبار عامل التدخين، واستهلاك الكحول، والنظام الغذائي، والمستوى التعليمي، والعِرق وغيرها من العوامل لدى المشاركين في التجربة والتي من شأنها التأثير على معدل الوفيات وقد ترتبط بمستوى النشاط البدني.
كما كشفت الدراسة أن الشباب الذين مارسوا الرياضة في سنوات مبكرة مثل فترة المراهقة والشباب ثم توقفوا عنها وأصبحوا خمولين، فقدوا كل الفوائد الصحية التي اكتسبوها خلال هذه الفترة، ولم يحققوا انخفاضاً في خطر الوفاة سوى بنسبةٍ تراوحت بين 8 و 14% فقط.
بغض النظر عن دقة منهجية مثل هذه الأبحاث عموماً، فإن فترتها الاختبارية تكون قصيرةً بعض الشيء بالنظر إلى طبيعة التجربة وشروطها، وفي مثل هذا البحث، وحتى تكون الشروط مثاليةً والنتائج موضوعيةً أكثر، ولتثبت مثلاً حقيقة أن التمارين تخفّض خطر الوفاة بالفعل، فإننا بحاجة أن نبدأ مع مجموعةٍ كبيرةٍ من الأطفال بعمر 15 عاماً ونخصص لهم قدراً معيناً من التمارين الرياضية أسبوعياً في كل سنٍّ معين، ثم متابعتهم حتى الوفاة، وبذلك يمكننا استيضاح أي المجموعات حققت أفضل النتائج. بيد أنه من غير الممكن القيام بذلك، وبالطبع لن يقوم أحدٌ ما بإجراء دراسة بهذا المدى الزمني الطويل نظراً للظروف الموضوعية الصعبة. بدلاً من ذلك، نقوم بدراساتٍ مهمّةٍ قصيرةٍ نسبياً مثل هذه مراراً وتكراراً، ونقارنها بغيرها من الدراسات المهمة الكبيرة الأخرى التي أُجريت في نفس المضمار لنرى إن كنا سنحصل على نفس النتائج.
وبرغم عدم وجود دراساتٍ كافية تغطي فترةً زمنيةً طويلة تمنحنا نتائج أكثر موضوعية، إلا أن هناك عددٌ قليل منها يتناول موضوع القيام بالتمارين الرياضية في مراحل متأخرة من عمر الإنسان، وقد كانت النتائج متطابقةً إلى حدٍّ كبير. فقد وجدت دراسةٌ أخرى أُجريت في السويد عام 2009 أن نسبة خطر الوفاة لدى الرجال الذين بدأوا بممارسة التمارين الرياضية في العقد الخامس من عمرهم كانت مماثلةً لنتائج من كانوا يمارسون الرياضة باستمرار طوال حياتهم. كذلك كانت النتائج مطابقةً في دراسة أخرى مماثلة ( أجريت في الدنمارك عام 2003) لدى النساء والرجال، كما وجدت دراسةٌ أجريت عام 2017 أنه وعلى الرغم من أن خطر الوفاة لدى الأشخاص الذين حافظوا على مستوىً عالٍ من النشاط البدني كان الأفضل، إلا أن زيادة معدل النشاط البدني في سنٍّ متقدم مازال مفيداً ويقلل من مخاطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 25%.
في الختام، نظام الحياة الخامل يؤدي إلى ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض، ولكن هذا أمرٌ يمكن استدراكه. فقط علينا أن نمشي ونركض ونتمرن في أي عمر، وبالرغم من أنه من الصعب معرفة أثر ممارسة التمارين الرياضية في سنّ متأخر على تحسين صحتك، إلا أنه من الواضح أن النشاط البدني سيساعدك بشكلٍ أو بآخر بغض النظر عن عمرك أو وزنك. أي عائدٍ من الرياضة هو جيد، والقليل أفضل من لاشي. لذا نصيحتنا لك هي: مارِس التمارين الرياضية بأي طريقةٍ ممكنة، فاللياقة البدنية تطيل من العمر.