تُعدّ البكتيريا الموجودة داخل أمعائنا (التي تشكل ميكروبيوم الأمعاء مجتمعة) متنوعة بشكل كبيرٍ جداً؛ حيث تنتمي إلى عددٍ لا يُحصى من الأنواع والسُّلالات، ولكنها تختلف من شخصٍ لآخر، وقد وجد العلماء بأنّ هذا الاختلاف يمكن أن يؤثر على صحتنا بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال، من المرجح أن يكون مرضى السكري لديهم مجموعة معينة من الميكروبات أكثر من غير المرضى، لكنّ آليات هذا التأثير البكتيري لا تزال غامضة جداً.
دور البكتيريا في الحفاظ على الصحة
في دراسةٍ بحثية نُشرت عام 2017 في دورية «نيتشر»، تقدَّم العلماء خطوة نحو اكتشاف ذلك، وجد الباحثون في التجارب المخبرية أنّ جزيئاً تُنتجه بكتيريا معينة يمكن أن يتفاعل مع مُستقبِلات البروتين عند الفئران -يمتلك البشر مثل هذه المستقبلات- مما يحسِّن عملية تنظيم سكر الدم «الجلوكوز» لديها. يمكن أن تساعد هذه النتائج الباحثين على فهم دور البكتيريا في الحفاظ على الصحة، ومعرفة التغيرات التي تطرأ على مستوى البكتيريا عند إصابتنا بالأمراض، كما يمكن أن تسمح لنا هذه المعرفة في المستقبل بتسخير البكتيريا التي تعيش بشكلٍ طبيعي في أمعائنا لعلاج الأمراض بالفعل.
يقول مؤلف الدراسة الرئيسي «شون برادي»؛ عالم الأحياء الدقيقة في جامعة روكفلر: «اكتشفنا أنّ البكتيريا تُنتِج جزيئاتٍ تمكّنها من التواصل فيما بينها، وبأنّ هذه الجزيئات تستهدف المستقبلات في الخلايا لدى الفئران، ومن المحتمل أنّ البكتيريا في أجسامنا تقوم بنفس الشيء؛ الأمر الذي قد يكون له بعض التأثير علينا».
قام برادي وفريقه على مدى عامين بجمع عيّنات من براز الفئران لتحليل الحمض النووي للميكروبات التي تعيش داخلها، واكتشفوا أنّ البكتيريا تُنتِج جزيئات تعمل كإشارات تُعرَف باسم الأميدات. أما لدى البشر، تشارك هذه الجزيئات في مجموعة متنوعة من مسارات الإشارات المختلفة. على سبيل المثال، ترتبط بمجموعة من البروتينات الموجودة على السطح الخارجي للخلايا المعروفة باسم «GPCR». وبمجرد ارتباطها بها تحفز الخلية على القيام بوظيفةٍ محددة، مثل تحرير النواقل العصبية أو البروتينات الأخرى؛ أي أنها في جوهرها تساعد الجسم على تنظيم نفسه.
ركَّز الباحثون في الدراسة على تفاعل أميدات «N-acyl» مع مستقبلات «GPR119» البروتينية التي تساعد على تنظيم سكر الدم عند الفئران؛ حيث قاموا بحقن مجموعةٍ من الفئران بسلالة من البكتيريا تُنتِج أميدات N-acyl، بينما تركوا المجموعة الأخرى كشاهد. وقد وجد الباحثون أنّ المجموعة التي تلقّت سلالة البكتيريا المُنتِجة للأميدات كان استقلاب الجلوكوز فيها أفضل بكثير من المجموعة الشاهد. بعبارةٍ أخرى، كانت الفئران التي تلقّت تلك البكتيريا أكثر قدرة على تفكيك جلوكوز الدم واستخلاص الطاقة منه، مما سمح لها بإرساله إلى خلايا وأنسجة الجسم الأخرى لدعم وظائفه.
ماذا يعني كل هذا بالنسبة للبشر؟
في الواقع، نحن نعلم فعلاً أنّ الميكروبات يمكن أن يكون لها تأثير على صحتنا، ولكن ما تزال آلية تأثيرها غير واضحةٍ تماماً. إذا تمكّنّا من إثبات حدوث تفاعلاتٍ مماثلة لدى البشر؛ كتلك التي اكتشفها الباحثون لدى الفئران، يمكننا حينئذٍ افتراض إمكانية استخدام البكتيريا كدواء. يمكن استخدام هذه العلاقة بين البكتيريا وجزيئات الإشارة التي تنتجها، من الناحية النظرية على الأقل، في المساعدة على تنظيم سكّر الدم والتحكّم في الوزن وحتى الوقاية من أمراض المناعة الذاتية.
لكنّ هذا الهدف لا يزال بعيد المنال، فكلّ ما نعرفه في الوقت الراهن أنه كلما ازداد غنى ميكروبيوم الأمعاء كان ذلك أفضل لصحتنا، والطريقة الأفضل لزيادة تنوّع ميكروبيوم الأمعاء هي تناول مجموعةٍ متنوعة من الأطعمة، بما في ذلك الإكثار من الفواكه والخضراوات الغنية بالألياف.
المقالة باللغة الإنجليزية