هل يؤثر الكحول على الذاكرة؟ دعوى قضائية دفعتنا إلى بحث هذا الأمر

3 دقائق
يؤثر الكحول على كيفية قيام الدماغ بتسجيل الذكريات طويلة الأمد.

تمثُل كريستين بلايسي فورد قريباً من أجل وقائع تأكيد المحكمة العليا أمام بريت كافانوه، الذي اتهمته بالاعتداء الجنسي عندما كانا في المدرسة الثانوية، كما تقدَّمت العديد من النساء الأخريات بقصص مماثلة في الأيام الأخيرة. وقد برز سؤال من صلب التحقيق حول كيفية تأثير الكحول على الذاكرة والدماغ، وما إذا كانت هؤلاء النساء يمكنهنَّ أن يتذكرن -بشكل موثوق- ما حدث لهنَّ تحت تأثير الكحول.

والجواب -كما يقول الخبراء لبوبيولار ساينس- هو أنه على الرغم من أن شرب الكحول يمكنه أن يُضعِف ذاكرة الشخص إلى حد كبير، إلا أن المواقف المؤلمة يمكن أن تترك بصمة دائمة بغض النظر عن مستوى الثمالة.

ويؤثر الكحول على كافة أجزاء الدماغ دون استثناء، بما في ذلك الذاكرة، حيث يقول ويليام بار (مدير علم النفس العصبي في مركز لانغون الصحي بجامعة نيويورك): "إنه تأثير شامل، فعندما ترتفع نسبة الكحول في الدم، فإنه يتجه إلى جميع أجزاء الدماغ؛ وبالتالي تنخفض وظائف الدماغ بشكل عام".

وتبدأ هذه الآثار بعد كأس واحد أو اثنين من الكحول، كما تبدأ الوظيفة الحركية تتباطأ، ويبدأ الشخص في الشعور بالمزيد من الاسترخاء والنشاط الاجتماعي، وربما حتى بالقليل من العاطفة أو الاندفاع. وبعد ثلاثة كؤوس أو أربعة تصبح نسبة الكحول في الدم بحدود 0.08% أو أعلى، وهو الحد القانوني المسموح به للقيادة، وحينئذٍ تبدأ الغرائز الأساسية الكامنة في الجهاز الحوفي تسيطر على الأحكام العليا، التي يتم التحكم فيها في القشرة الأمامية. وبمجرد الوصول إلى ستة كؤوس أو ثمانية أو عشرة، فحينئذ يمكن أن يبدأ الكحول يبطِّئ الوظائف الأساسية في الأجزاء المركزية الرئيسية في الدماغ، التي تتحكم في التنفس ومعدل ضربات القلب.

وعندما يتعلق الأمر بالذاكرة، فإن شرب الكحول يعبث بكيفية قيام أدمغتنا "بتشفير" المعلومات، على حد تعبير بار، كما أن هناك ثلاث مراحل للذاكرة، وهي التشفير، واستعادة الذكريات، وحفظها. ويتمثل التشفير في كيفية استقبالنا للذكريات الجديدة وتذكّرها، حيث يقول بار إن من الواجب علينا أن ننتبه إلى شيء ما لتشفيره بحيث يمكننا استعادته لاحقاً من مكان حفظه، ولهذا السبب عندما يكون انتباهك متشتتاً أو عندما تقوم بشيء روتيني مثل القيادة إلى المنزل في يوم عادي، فقد لا تتذكر القيام به دائماً.

كما أن الشخص يفقد الوعي أو يصبح لديه فجوات في الذاكرة نتيجة شرب الكحول، وذلك عندما لا يقوم الدماغ بتشفير ما يشاهده ويفعله، وبالتالي لا يمكنه استعادة تلك الذكريات لاحقاً عندما يزول تأثير الكحول ويصبح واعياً. وقد كتبت كيت كاري (باحثة تابعة للمعهد الوطني الأميركي للإدمان على الكحول والإفراط فيه) في رسالة إلكترونية إلى بوبيولار ساينس: "بشكل أساسي، يمكن للمستويات المرتفعة من الكحول في الدم -لا سيما الارتفاع السريع الناجم عن شرب الكحول بسرعة- أن تتداخل مع عملية دمج الذكريات في الذاكرة طويلة الأمد".

ويقول بيل كير (كبير العلماء ومدير المركز في معهد الصحة العامة التابع لمجموعة أبحاث الكحول) إن الكحول يؤثر على الأشخاص بشكل مختلف قليلاً. ولكن كاري تقول إن القاعدة العامة هي أن فقدان الوعي يمكن أن يحدث عندما يصل مستوى الكحول في الدم إلى 0.20%، وهو ما يحدث في المتوسط عند شرب حوالي أربعة كؤوس للنساء وخمسة للرجال، وخاصة إذا تم الشرب بسرعة وعلى معدة فارغة.

ويقول بار إن هذا لا يعني نسيان كل شيء حدث خلال ليلة من الإفراط في شرب الكحول، ويوضح ذلك بقوله: "عندما يحدث شيء مهم فإنه يستحوذ على الاهتمام، ولا يزال من الممكن تذكُّره بشكل جيد، ويسمَّى ذلك بتأثير الحَسَر الكحولي".

وذكرت كاري (وهي أيضاً باحثة في مركز دراسات الكحول والإدمان في جامعة براون): "قد يكون فقدان الذاكرة كاملاً أو جزئياً"، وتقول أيضاً إن الشخص إذا كان يعاني من فقدان الوعي الكلي، فلن يتم حفظ الذكريات في الذاكرة طويلة الأمد، ولن يكون من الممكن استعادتها في وقت لاحق، وتضيف: "يمكن أن تؤدي الثمالة الأقل شدة إلى فقدان متقطع في الوعي"، وفي هذه الحالة يمكن حدوث نسيان مؤقت للأشياء وتذكُّرها لاحقاً عندما "تتواجد الإشارات الصحيحة لاستعادتها"، كما يمكن أيضاً تشكيل "ذكريات غامضة أو جزئية لبعض أجزاء الحدث بينما يتم فقدان الأجزاء الأخرى".

وعندما يحدث شيء سيئ أو غير عادي، فيمكن للدماغ الثَّمِل أن يشفِّر تلك المعلومات، وسيقوم بذلك حتى لو لم يكن قادراً على إيلاء الكثير من الاهتمام بالتفاصيل المحيطية، وذلك كما يقول بار. وبالعودة إلى مثال قيادة السيارة من العمل إلى البيت، فربما لا تتذكر القيام بذلك كل ليلة، ولكنك ستتذكر تلك الليلة التي يقفز فيها أحد الغزلان أمام السيارة.

ويقول بار: "إذا كنت تحاول تطبيق ذلك على ما تقوله الدكتورة فورد، فسيكون من المحتمل جداً أن تتذكر حدوث شيء سيئ لها، بل حتى مَن قام بذلك، ولكنها قد لا تكون دقيقةً حول الوقت الذي حدث فيه ذلك بالضبط، أو مكانه، أو الموسيقى التي كانت مشغَّلة حينها، أو المنزل الذي حدث فيه، أو أي شيء آخر".

كما يقول إن الفكرة القائلة بأن الشخص الضحية للأحداث المؤلمة يعد شاهداً غير موثوق فيه لكونه ثَمِلاً هي فكرة غير صحيحة، حتى عندما تصبح التفاصيل متقطِّعة، وذلك "لأن مثل هذا الأمر يمكن تذكُّره، حتى لو كان الشخص ثَمِلاً".