إن الادِّعاءات الصحية لأحد مكوِّنات الأطعمة لها تأثير قوي، فهي تقنعنا بأن وجبة الجرانولا الغنية بشراب القيقب صحية، وأن أي طعام خالٍ من الغلوتين لا بد أن يكون أفضل من الأطعمة التي تحتوي عليه. ومن السهل جداً رؤية هذه الادِّعاءات من خلال النظر إلى المعلومات الغذائية الموجودة على ملصق العبوة، ولكن -بصراحة- معظمنا لا يفعل ذلك.
ويبدو اللبن الزبادي صحياً بسبب احتوائه على كافة الميكروبات المفيدة، لذلك نعتبره كله صحياً تماماً، وخاصة إذا كان عضوياً. ولكن هناك دراسة حديثة في المجلة الطبية البريطانية (British Medical Journal) أظهرت أن هذا الحدس ليس دليلاً جيداً بشكل دائم؛ إذ قرَّر باحثون في المملكة المتحدة أن يدرسوا أصناف اللبن الزبادي المتوافرة في محلات السوبر ماركت البريطانية ومقارنة التوصيفات الغذائية لكل منها، ووجدوا أن الكثير منها كانت غنية جداً بالسكر، وحتى المنتجات العضوية -التي تبدو صحية- يمكن أن يحتوي الكوب الصغير منها على نصف الجرعة الموصى بها من السكر في اليوم.
وقالت أندريا جيانكولي (أخصائية معتمدة في علم التغذية وخبيرة في السياسات الغذائية) في حديثها إلى بوبيولار ساينس في وقت سابق من هذا العام: "لا يدرك الناس مقدارَ السكر المضاف إلى وجباتهم الغذائية، فنحن نعرف بعض الأشياء التي تحتوي بوضوح على السكر، ولكننا لا نعرف الأشياء الأقل وضوحاً".
وقد كانت جميع أصناف اللبن الزبادي -المنكَّهة، والتي تحتوي على الفاكهة، والعضوية، والخاصة بالأطفال- تحتوي على نسبة متوسطة من السكر، وتتراوح بين 10.8 و13.1 غرام لكل 100 غرام من اللبن (ولمعلوماتك: يتراوح وزن كوب اللبن الزبادي القياسي في الولايات المتحدة مثلاً بين 140 و150 غراماً)، ولكن هذه النسبة بها نحو نصف الكمية الموصى بها من السكر يومياً للكثير من الأشخاص. وتشير الإرشادات الأميركية إلى أن النساء (أو أي شخص لديه جسم صغير الحجم) عليهنَّ أن يلتزمن بـ 25 غراماً في اليوم، وأن الرجال (أو أي شخص لديه جسم كبير الحجم) عليهم تناول ما دون 38 غراماً في اليوم، كما أن على الأطفال أن يتناولوا أقل من ذلك، وألا يتجاوزا 25 غراماً، وهذا يعني أن كوباً صغيراً من اللبن الزبادي -وهو أحد الأطعمة التي تبدو بالكاد وجبةً خفيفة- يعطيك نصف كمية السكر الموصى بها طوال اليوم.
ويعود جزء من المشكلة هنا إلى أن الزبادي المنكَّه والمحلَّى يسيء إلى الزبادي العادي، إذ كانت الفئة اليونانية والطبيعية (أي العادية) في هذه الدراسة أفضل بكثير، وذلك بمتوسط 5 غرامات من السكر لكل 100 غرام من الزبادي. وتعدُّ هذه المنتجات غير المحلاة مفيدة لك بالفعل، حتى عندما تكون من الأصناف ذات الحليب كامل الدسم، وتشير الدلائل بشكل متزايد إلى أن منتجات الألبان هي مصدر صحي للدهون الغذائية، حيث يبدو أن الدهون الموجودة في منتجات الحليب تحسِّن الدهون الموجودة في مجرى الدم (على عكس الدهون المشتقة من اللحوم)، كما أن الألبان المستنبتة تحتوي أيضاً على بكتيريا حية بداخلها، وهي قد تسهم في الحفاظ على ميكروبات متعايشة قوية ومتنوعة في الأمعاء (على الرغم من أن هذا لا يزال يشكل جزءاً كبيراً من الأبحاث).
لكن السكر الموجود في كافة أنواع الزبادي المنكَّهة يفسد هذه الوجبة الخفيفة الصحية، حتى أن الأمر يكون متناقضاً في بعض الأحيان. فمثلاً وجد الباحثون في هذه الدراسة أن اللبن الزبادي العضوي يحتوي على سكر أكثر بقليل من الأصناف التقليدية، وكان ذلك فقط بنحو 1 غرام لكل 100 غرام من الزبادي، ولكن هذا الميل لا يزال مثيراً للاهتمام.
كما وجدوا أيضاً أن المنتجات قليلة الدهون تميل إلى أن تحتوي على كمية أقل من السكر من الأصناف كاملة الدهون، وهذا الأمر يتعارض مع بعض الدراسات السابقة ومع الثقافة السائدة عنه، فقد أفادت العديد من وسائل الإعلام لسنواتٍ أن الأطعمة قليلة الدهون تميل إلى أن تحتوي على كمية أكبر من السكاكر المضافة، وذلك للتعويض عن النكهة المفقودة، كما أن هناك دراسة نُشرت عام 2016 في مجلة نيوتريشن أند ديابيتيس (Nutrition & Diabetes) قد اختبرت هذه النظرية، وأكدت أنها لا تنطبق على منتجات الألبان فحسب، ولكن أيضاً على المنتجات المخبوزة ومنتجات اللحوم وتوابل السلطة. وقد يكون هذا بسبب الاختلاف في الأسواق (إذ بحثت دراسة عام 2016 المنتجات الأميركية وليس منتجات المملكة المتحدة) أو لاختلاف الأساليب، وفي كلتا الحالتين فإن المنتجات قليلة الدسم في الكثير من أنواع اللبن الزبادي ليست صحية تماماً.
وللحصول على لمحة موجزة عن السوق الأميركي، جمعت بوبيولار ساينس بعض البيانات من عدد قليل من أفضل العلامات التجارية للَّبن الزبادى، وهي: تشوباني (Chobani) وستوني فيلد (Stonyfield) ودانون (Dannon) وأورجانيك فالي (Organic Valley) ويوبليت (Yoplait) وبراون كاو (Brown Cow). وحاولنا اختيار مجموعة من كل من فئة من زبادي الفواكه والعادية والفانيليا وأي منتجات منخفضة أو معدومة الدسم قد تقدمها؛ حيث إن الأمر ليس مثالياً، ولكنه يعطي انتشاراً مثيراً للاهتمام.
في عينتنا الصغيرة -وكما هو الحال في مجموعة البيانات الكبيرة- حقَّق اللبن الزبادي العادي واليوناني أفضل النتائج، فقد كانت معظم الأنواع تحتوي على أقل من 8 غرامات من السكر في الحصة، التي هي -حسب المقاييس البريطانية- أقل من 5 غرامات من السكر لكل 100 غرام من اللبن، أما اللبن الزبادي المنكَّه فقد كان سيئاً.
وكانت أسوأ المنتجات تحتوي على نحو 20 غراماً من السكر، وهو ما يعادل محتوى السكر في بيضة الكريم من شركة كادبوري، تخيل لو أن أحدهم أعطاك بيضة كريم بدلاً من الزبادي لتتناولها مع طعام الغداء، فكيف ستشعر بصحة جيدة بعد تناولها؟ فكِّر في ذلك المرة القادمة حين تريد تناول ذلك اللبن الزبادي الذي يحتوي على الفواكه في أسفله. ومع ذلك فقد كانت محتويات الصنف التجاري العضوي ستوني فيلد أفضل، وحتى أصنافها من الفراولة تحتوي على "14" غراماً فقط من السكر، لكنها لا تزال -للأسف- أكثر من نصف الحدِّ اليومي الموصى به للنساء.
إلا أن هذا يتركنا مع ما يعد معضلة نوعاً ما، فمن الذي ما زال يرغب في تناول الزبادي العادي؟ لا أحد تقريباً! ومع ذلك فالفرق في محتوى السكر بين اللبن العادي واللبن المنكّه -ولحسن الحظ- كبيرٌ جداً، لدرجة أنك يمكنك إضافة السكر إلى اللبن العادي بنفسك وتحظى مع ذلك بوجبة خفيفة أكثر صحة، حتى أن مؤسسة كونسومر ريبورتس (Consumer Reports) قدَّمت عرضاً توضيحياً صغيراً توضح أن 170 غراماً من لبن الفراولة كامل الدسم -من شركة براون كاو- كانت أسوأ من نفس الكمية من الزبادي العادي -من نفس الشركة- مضافاً إليه ربع كوب من شرائح الفراولة وملعقة صغيرة من العسل. ويبدو هذا المزيج لذيذاً، ويحتوي بأكمله على كمية كمية أقل بـ 11 غراماً من السكر.
إن مثل هذه الخيارات الصحية ليست هي الأفضل أو الأقل تكلفة، ولكن من المهم الانتباه إلى السكريات المختبئة في طعامك إذا كان ذلك ممكناً، حيث يأكل الأميركيون ما معدله 82 غراماً من السكر كل يوم، نعم أنت تقرأ هذا بشكل صحيح (82 غراماً)، وهو ما يقرب من ضعفي أو ثلاثة أضعاف الكمية الموصى بها، وكل ما يمكننا القيام به للتقليل من ذلك قد يؤتي ثماره في وقت لاحق، وذلك عندما لا تتحوَّل تلك السعرات الحرارية السكرية إلى وزن إضافي في أجسامنا.
أما نصيحة جيانكولي (أخصائية التغذية) فهي كما أخبرتنا: "أطلب من الناس قراءة الملصقات الموجودة على العبوات ليصبحوا أكثر دراية بالأسماء، وألَّا يثقوا في المنتجات العضوية أو الطبيعية؛ لأن جميعها يسلك نفس السلوك في الجسم". كما تحاول إدارة الأغذية والأدوية الأميركية تسهيل الأمر على المستهلكين عن طريق إجبار الشركات المصنِّعة على ذكر السكريات المضافة على الملصقات الغذائية، ولكن هذا مع افتراض أنك تقرأ الملصق الغذائي في الواقع، فحوِّل هذا الأمر إلى عادة، وحينئذٍ قد تندهش من كمية السكر التي يمكنك التخلص منها من خلال الوعي فقط.