على الرغم من احتمال أن تكون قد سمعت عن المعادن الثقيلة (والأخطار المرتبطة بتناولها)، إلا أنك قد لا تعرف السبب وراء قلق خبراء الصحة منها.
ويعدُّ طرح هذا الموضوع مناسباً بشكل خاص؛ بسبب عدد المنتجات التي تتواجد فيها المعادن الثقيلة، وتمثِّل أغذية الأطفال آخر هذه المنتجات، وقد اختبرت مؤسسةُ كونسومر ريبورتس مجموعةً متنوعة من أفضل الأصناف التجارية، ووجدت أن كل منتج يحتوي على مستويات قابلة للقياس من أحد المعادن الثقيلة على الأقل، وأن ثلثي هذه المنتجات كانت تحتوي على مستويات مثيرة للقلق.
ينبغي عليك إذنْ قراءة ذلك التقرير بالكامل، ولكن حتى الملخص الرئيسي للنتائج يثير بعض الأسئلة؛ فما مقدار الكمية "المقلقة"؟ ومن أين تأتي هذه المعادن؟ وكم عدد المعادن التي أتعرض لها؟ هذه كلها أسئلة مهمة، وينطوي بعضها على إجابات مفاجئة؛ ولذا قمنا بتبسيط هذا المقال ليشمل الأساسيات حتى تتمكن من فهم المعلومات التي تحتاجها.
ما المعدن الثقيل؟
لا يوجد تعريف دقيق للمعادن الثقيلة، ولكنها تُعتبر عموماً عالية الكثافة -أي معادن ثقيلة بالمعنى الحرفي للكلمة- كتلك العناصر الموجودة في قسم المعادن في الجدول الدوري للعناصر، ويعرِّف بعض الناس المعادن الثقيلة أيضاً على أنها معادن سامة، على الرغم من أن بعضها ضروريٌّ من الناحية البيولوجية إذا تم تناوله بكميات صغيرة، ولكن الكميات الكبيرة منه خطيرة.
وفي كلتا الحالتين، فإن قائمة المعادن الثقيلة تحتوي بشكل عام على الزرنيخ والرصاص والكادميوم والزئبق والكروم والنحاس والزنك والنيكل والسيلينيوم والفضة والإثمد والمنغنيز ومعادن أخرى، ولا توجد لدى إدارة الأغذية والأدوية الأميركية إلا مستويات الأمان الخاصة بعدد قليل من هذه المعادن (الكادميوم والرصاص والزرنيخ والزئبق)؛ وذلك لأن العناصر ضمن هذه الفئة هي التي توجد عادة في المنتجات الغذائية، وتقوم وكالة حماية البيئة أيضاً بمراقبة المعادن الثقيلة؛ وذلك لأنها من الملوثات البيئية.
ولا يوجد -رغم كل ذلك- تعريف واحد "للمعدن الثقيل"، كما أنها لا تنطوي جميعها على نفس القدر من الخطورة، لكن خبراء الصحة يتفقون بشكل عام على أن أكثر عناصر هذه الفئة إثارة للقلق هي الزرنيخ والكادميوم والكروم والرصاص والزئبق.
لماذا تعتبر المعادن الثقيلة خطرة؟
الإجابة المختصرة هي أن المعادن الثقيلة تتفاعل مع الآليات الخلوية بطرق غالباً ما تكون إشكالية؛ إذ يمكن لبعض الكميات الصغيرة أن تخرج مع البول، ولكن معظم المعادن الثقيلة تبقى عالقة في مختلف الأنسجة، وفي العظام والدم أيضاً؛ لذا فإن تناول الكثير منها قد يتسبب في تراكم المعادن، وحينها تبدأ في مواجهة المشاكل.
كذلك فإن الوصول إلى مستوى خطير لبعض هذه المعادن يعد أمراً صعباً؛ إذ لا تعدُّ بعض المعادن الثقيلة مثل الحديد والزنك مفيدة فحسب، ولكنها ضرورية أيضاً لقيام جسمك بوظائفه؛ حيث يسمح الحديد لخلايا الدم الحمراء بالارتباط بجزيئات الأكسجين، كما تتطلب الإنزيمات المختلفة في الجسم الزنكَ كي تعمل بشكل صحيح، ومع ذلك يؤدي وجود الكثير من أي منهما إلى أعراض مشابهة للتسمم بالمعادن الثقيلة الأخرى، ولكننا لا نتعرض عادةً لمستويات خطيرة منهما؛ ولذلك لا تسمع عنهما عندما نتحدث عن التسمم بالمعادن الثقيلة.
وتعدُّ بعض المعادن الأخرى -مثل النحاس- ضرورية ومقلقة؛ إذ تحتاج إلى كميات ضئيلة لمساعدة التفاعلات الإنزيمية داخل الخلايا، ولكن من الممكن التعرض للتسمم بالنحاس إذا كانت مياه الشرب ملوثة (تعد وكالةُ حماية البيئة الكميةَ التي تزيد عن 1.3 ملليغرام في اللتر بأنها أكثر من اللازم)؛ حيث إن التفاعل الذي يسمح لها بتغذية التفاعلات هو نفسه الذي يؤدي إلى إنتاج جذور حرة، والتي يمكنها أن تتلف الحمض النووي والمكونات الخلوية الأخرى.
ومع ذلك فإن العديد من المعادن الثقيلة التي تسمع عنها تندرج تحت فئة ثالثة، وهي التي تكون آمنة بكميات صغيرة، ولكنها في الغالب خطيرة؛ فالزرنيخ على سبيل المثال موجود في كل مكان تقريباً، لذا سيكون من المستحيل تجنبه تماماً، ولكنه يمثل مشكلة كبيرة عند وجوده بكميات أكبر من الضئيلة، إذ إنه يثبط مجموعة كبيرة من الإنزيمات، ويظهر هذا التسمم على شكل مجموعة من الأعراض المزعجة؛ بما فيها النوبات ونزيف الدماغ والتقيؤ والإسهال الدموي وفقر الدم وآلام العضلات وتصلب الجلد.
ولا تؤدي كل المعادن الثقيلة إلى هذه المجموعة من الأعراض الطبية الوخيمة، ولكن معظمها يؤدي إلى مشاكل شديدة في الجهازين الهضمي والعصبي، ولسنا متأكدين حتى من كيفية إتلاف معظم المعادن الثقيلة لجسم الإنسان، لكن الأمر المشترك هو أنها تتداخل مع الإنزيمات وتتفاعل مع الحمض النووي، بنفس الطريقة التي تتوقف بها العمليات الخلوية الأساسية.
ويعدُّ الرصاص هو الاستثناء الرئيسي للقاعدة؛ فهو يُحدث تأثيره على الجسم البشري في المقام الأول بفضل محاكاته الجزيئية للكالسيوم (على الرغم من أنه يتداخل أيضاً مع الإنزيمات)؛ حيث تعتمد الأعصاب على الكالسيوم لإرسال الإشارات إلى بعضها البعض، وتتعرض جميع قنوات البروتين والإنزيمات (التي تستخدم الكالسيوم في الفتح أو الإغلاق) إلى الاضطراب بسبب الرصاص؛ مما يؤدي إلى تعطلها مع تراكم هذا المعدن، ولم يتأكد الباحثون بعد من جميع الآليات التي يتسبب من خلالها هذا التدخل في حدوث المشاكل، ولكن النتيجة النهائية هي مجموعة متنوعة من المشاكل العصبية. وقد يستغرق ظهور الأعراض بعض الوقت، ولكن التناول المزمن يسبب الارتباك والصداع والنوبات، ويمنع التطور العصبي على المدى الطويل؛ مما يجعلها مقلقة بشكل خاص عند الأطفال الصغار الذين لا تزال أدمغتهم وأجسامهم قيد النمو.
ما المقدار الأكثر من اللازم؟
من الصعب جداً تتبع الأرقام الخاصة حول المقدار الدقيق الذي يصبح عنده أي معدن ثقيل إشكالياً؛ ويعود ذلك جزئياً إلى أن الخبراء يواجهون صعوبة في الاتفاق على ما يمكن اعتباره كمية آمنة من هذه العناصر، وتشير مؤسسة كونسومر ريبورتس إلى أن هناك توصيات في بعض الحالات لتغيير الكمية "الآمنة" التي لم يتم تأكيدها بعد؛ حيث تعد وكالة حماية البيئة مستويات الزرنيخ مقبولة إذا كانت بمقدار 10 أجزاء في المليار في مياه الشرب، في حين أن إدارة الأغذية والأدوية الأميركية فكرت في تخفيض ذلك المقدار في الغذاء إلى 100 جزء في المليار، وتقول إدارة الأغذية والأدوية إن الزئبق خطير بكمية جزء في المليون.
ولكن حتى إذا كان لديك قائمة كاملة بالمستويات الخطيرة، فلا بد من معرفة الكمية الفعلية الموجودة في الطعام؛ حيث تقوم إدارة الأغذية والأدوية باختبار العديد من المنتجات الغذائية بانتظام، وتنشر هذه النتائج كجزء من دراسة النظام الغذائي الكلي (Total Diet Study)، ويمكنك التحقق من النتائج الكاملة، ولكن جميعها أرقام وسطية. وعلى الرغم من كونها مرجعاً مفيداً إلا أنها لا تحدد ما إذا كان أحد الأصناف التجارية أكثر خطورة من غيره، كما أن الإدارة لا تستطيع اختبار جميع المنتجات الغذائية الموجودة في الأسواق.
وإن الأمر الأكثر أماناً هو -ببساطة- تقليل التعرض إلى الحد الأدنى، وكما يشير مدير أبحاث سلامة الأغذية في مؤسسة كونسومر ريبورتس: "لا يمكن اعتبار أي كمية من المعادن الثقيلة مثل الرصاص آمنة".
ما الذي يمكنني فعله من أجل تقليل التعرض؟
بما أنك لن تتمكن من اختبار جميع المواد الغذائية للكشف عن المعادن الثقيلة قبل كل وجبة، فإن أفضل وأسهل طريقة للحدِّ من التعرض للمعادن الثقيلة هو تجنب تلك المنتجات المعروفة بأنها تحتوي على مستويات عالية من هذه المواد، ويعد الأرز هو المادة الأبرز؛ لأنه يمتص الزرنيخ من التربة والماء بسهولة، وعلى الرغم من أنك -كشخص بالغ- لن تأكل من الأرز النقي ما يكفي ليتسبب في حدوث مشكلة، إلا أنه لا ينبغي أن يأكل الأطفال الكثير من الوجبات الخفيفة التي تعتمد على الأرز. وإذا كنت قلقاً بشأن نظامك الغذائي الخاص، فإن مؤسسة كونسومر ريبورتس تشير إلى اختيار الأرز البسمتي الأبيض من كاليفورنيا أو الهند أو باكستان، أو اختيار الأرز البني؛ وذلك لأن كلاً منهما يحتوي على مستويات من الزرنيخ أقل بكثير منه في سائر الأرز الموجود في أماكن أخرى من العالم.
ويمكنك أيضاً تجنب تناول مسحوق البروتين، والابتعاد عن الأسماك الغنية بالزئبق مثل أسماك التونة كبيرة العين وسمك أبو سيف، ومن المفيد أيضاً تجنب المنتجات المعلبة؛ وذلك لأنها تحتوي على الأرز، لكونه جيداً كمادة مضافة رخيصة. ومن غير المحتمل أن تتسبب إحدى هذه المواد بمفردها في حدوث مشكلة، ولكن لا بأس بتقليل التعرض لها، وحينئذ ستنتقل إلى نظام غذائي شامل يحتوي على أطعمة كاملة فقيرة بالمعادن الثقيلة بشكل طبيعي.
وعلى الرغم من أن العديد من النباتات تستطيع امتصاص كميات ضئيلة من المعادن الخطرة من التربة أو من المياه الملوثة، إلا أن جميع الفواكه والخضروات تقريباً تحتوي على كميات منخفضة جداً -أو خالية تماماً- من المعادن الثقيلة، كما تعد منتجات الألبان آمنة كذلك، وأيضاً معظم أنواع اللحوم والمأكولات البحرية.
ومرة أخرى نقول: ليس هناك ما يستدعي الخوف؛ فرغم أن المعادن الثقيلة خطيرة، إلا أن من السهل تقليل التعرض لها، ومن غير المرجح على أي حال أن تتناول كميات كبيرة منها بالفعل.