أصوات ضحك الجمهور تجعلنا نعتقد أن النكات غير المضحكة طريفة

2 دقائق
ضحك

قد يبدو الضحك مسألة بسيطة، لكنه ليس كذلك، إذ أننا نستخدمه لتمرير جملة من المشاعر إلى الآخرين. قد نضحك لنظهر التعاطف مع صديق أو لجذب الطرف الآخر، أو إخفاء الإحراج أو للتستر على كذبة. يمكن لضحكة أن تؤجج الوضع بين طرفين متخاصمين، أو  تخفف من حدة موقف عصيب إن جاءت في الوقت المناسب.

تقول «صوفي سكوت»، المتخصصة في علم الأعصاب الإدراكي بجامعة لندن كوليدج: «كيفية استخدام الناس للضحك أشبه بقاعة مليئة بالمرايا. نعتقد أن الضحك مرتبط بإلقاء النكات والكوميديا، لكن استخداماته معقدة ومتعددة».

الضحك مهم في التفاعل بين البشر، لكن استجابتنا للمواقف التي قد تستدعي الضحك لا تتم بالطريقة نفسها. بهذا الصدد، وجدت دراسة أجريت عام 2002، استندت إلى تقارير قدمها الآباء، أن الأطفال المصابين بالتوحد نادراً ما يستجيبون لضحكات الآخرين. وفي دراسة أجريت عام 2016، توصل الباحثون إلى أنه على الرغم من أن معظم الأطفال يستمتعون في المجمل بالرسوم المتحركة التي تحتوي على صوت ضحك الجمهور، فإن الأطفال المصابين بالتوحد لا يستجيبون بالطريقة ذاتها.

دفع هذا سكوت وزملائها للتفكير في كيفية استجابة أشخاص مختلفين لمقاطع الضحك المستخدمة في مسلسلات كوميدية مثل «أنا أحب لوسي» و«الأصدقاء». حاولوا أيضاً تحديد الكيفية التي يتعامل بها الدماغ مع مقاطع الضحك المصطنعة تلك. تشير نتائج دراستهم التي نشرت في دورية «كرنت بيولوجي» إلى أن تسجيلات الضحك العفوي، يمكن أن تجعل النكات المبتذلة أكثر طرافة لسامعيها، حتى عند المصابين بالتوحد.

لاستكشاف تأثير تسجيلات الضحك على الأشخاص الأصحاء وأولئك المصابين بالتوحد، اختبرت سكوت وزملائها تأثير مجموعة من النكات المبتذلة عند عرضها بمفردها وعند عرضها مع أصوات ضحكات الجمهور. خذ على سبيل المثال هذه النكتة: «لماذا لم يستطع ورق الحمّام أن يعبر الطريق؟ لأنه علق في بالوعة». ليست هذه النكتة بتلك الطرافة، لكن تساءل الباحثون عن الكيفية التي سيستجيب بها المستعمون لهذه الطرفة بعد إرفاق صوت ضحك الجمهور؟ 

قبل أن يشرعوا في سؤال المشاركين عن تأثير تلك النكتة، كان على الباحثين أولاً أن يجمعوا تسجيلات الضحك، المصطنعة والعفوية. لرصد لحظات الضحك العفوي، أعد العلماء سيناريوهات مختلفة كانوا يعرفون أنها ستستدعي ضحكات المشاركين، وتصرح سكوت: «كانت من أكثر الأيام الممتعة التي مرت علي في المختبر». طلب أحد المشاركين مشاهدة «مسابقة الأغنية الأوروبية»، بينما طلب آخر مشاهدة حلقة كاملة من مسلسل «لاري ديفيد» التلفزيوني «Curb Your Enthusiasm» مع أحد أصدقائه القدامى. أما سكوت فما جعلها تضحك هو مشاهدة إحدى زميلاتها وهي تحاول ألا تضحك.

كان عدد المشاركين في التجربة 24 شخصاً مصاباً بالتوحد، و48 شخصاً صحيحاً. وبعدما جمع الفريق البحثي الضحات العفوية والمصطنعة؛ قدم الباحثون 40 نكتة مبتذلة سجلها ممثل كوميدي محترف. أضافوا لنصف تلك النكات مقاطع ضحك تلقائي، وللنصف الآخر تسجيلات ضحك مصطنع، ثم قارنوا مدى طرافة هذه النكات -المصنفة من «نكات غير مضحكة» إلى «نكات مضحكة جداً»- بمدى طرافتها قبل إضافة صوت ضحك الجمهور.

توصل الباحثون إلى أن المشاركين صنفوا النكات جميعها على أنها مضحكة بعد إضافة أصوات الضحك، على اختلافها، لكن إضافة تسجيلات الضحكات العفوية كان كفيلاً بجعل المشاركين يصنفون النكات على أنها أكثر طرافة. تقول سكوت: «إضافة أصوات الضحك تجعل النكتة تبدو مضحكة، لكن التعبير الحقيقي والتلقائي عن الضحك يجذب الناس ويجعلهم يتفاعلون مع النكات أكثر».

وجد الباحثون أن المشاركين المصابين بالتوحد صنفوا جميع النكات التي أرفقت إليها أصوات الضحك بأنها أكثر طرافة، حتى النكات السخيفة. ويرى الباحثون أن هذا قد يكون لأن المصابين بالتوحد كانوا أكثر استعداداً لتقبل تلك النكات، على عكس الأشخاص الأصحاء الذين يدركون مدى سخافتها. وتقدم دراسات حديثة أدلة على هذه الفكرة. في الدراسات القادمة، ترغب سكوت وزملائها في استكشاف ما إذا كان نشاط الدماغ نفسه هو المسؤول عن التأثير الناتج عن سماع أصوات الضحك عند الأشخاص المصابين بالتوحد، وعند الأصحاء أم لا.

على كل حال، تشير هذه الدراسة إلى أنه بالرغم من أن المصابين بالتوحد قد يفضلون الكوميديا المصطنعة على الدعابة التي تتطلب استجابة اجتماعية معقدة؛ فالضحك ما زال استجابة معدية للجميع.