صحوة البحث العلمي: خطوات واعدة في الدول العربية نحو العلم

5 دقائق
البحث العلمي العربي
Shutterstock.com/Kit8.net

تطورت العلوم منذ قديم الأزل، بفضل جهود العلماء على مر العصور والحضارات المختلفة؛ ومن أبرز هؤلاء العلماء الإيطالي غاليليو غاليلي الذي أرسى القواعد الأساسية للبحث العلمي في العصر الحديث. ومع تطور البحث العلمي، حققت البشرية خطوات واسعةً في الارتقاء بالحياة، ومن إسحاق نيوتن الذي أدى اكتشافه لقوانين الحركة إلى ولادة الفيزياء الحديثة، ومروراً بالطبيب الانجليزي ويليام هارفي؛ مؤسس علم الأحياء الحديث بدراسته للدورة الدموية، ووصولاً إلى عالم الفيزياء الألماني ألبرت آينشتاين في القرن العشرين؛ كان للبحث العلمي الدور الأبرز في تطور الحياة التي نعيشها الآن وما تحمله لنا في المستقبل.

أهمية البحث العلمي للبشرية

العلم والبحث العلمي هما الطريقة المثلى لبناء المعرفة وتأسيس مبادئها حول الكون، فأغلب العلماء يهدفون إلى فهم ومعرفة العالم الذي من حولهم بشكل أفضل؛ وبالتالي توجيه هذه المعرفة لخدمة الناس سواء في المجال الصناعي، أو الزراعي، أو من أجل حماية كوكب الأرض من التغيرات المناخية، وغيرها، كما تتيح هذه المعرفة أيضًا تطوير تقنيات جديدة وحل المشكلات العملية. على سبيل المثال؛ أدى البحث العلمي إلى تطوير لقاح شلل الأطفال والحصبة والجدري؛ وبالتالي ساهم ذلك في حماية أجيال من البشر.

البحث العلمي ينتج عنه حصاد فكري إنساني؛ غالباً ما يكون مهماً ويقدم معلومات جديدة تؤدي إلى قرارات أفضل من قبل الأفراد والمنظمات؛ التي بدورها يمكن أن تؤدي إلى تحسين جودة الحياة بشكل عام. على سبيل المثال؛ يمكن للبحث العلمي الذي يتنبأ بالطقس أن يساعد المجتمعات على الاستعداد بشكل أفضل للمخاطر؛ مثل الأعاصير، والفيضانات، والمساهمة في تقليل الأضرار في الممتلكات والخسائر في الأرواح، كما يمكن أن يساعد المزارعين على تحسين جداول الري الخاصة بهم، وزيادة الوفرة في المحاصيل الزراعية وتقليل استخدام المياه. 

الأهمية الكبيرة للبحث العلمي جعلت الكثير من دول العالم يخصصون له ميزانيات كبيرة، ويشيدون مؤسسات علمية لاحتضان العلماء والباحثين، وإطلاق المبادرات والجوائز للتشجيع عليه؛ وبالتالي الاستفادة القصوى منه؛ لكن ماذا عن البحث العلمي في الدول العربية؟  

وقائع البحث العلمي في الوطن العربي

البحث العلمي العربي
Shutterstock.com/Oleksiy Mark

بلغ حجم الإنتاج العلمي العربي المنشور في الفهرسة العلمية الدولية للفترة من 2008 إلى 2018، ما يقارب من 410 آلاف بين بحث وورقة علمية؛ وذلك وفقاً لمنظمة المجتمع العلمي العربي، وحصلت المملكة العربية السعودية على المرتبة الأولى عربياً في الأوراق العلمية العربية المنشورة بنسبة 25%، تلتها جمهورية مصر العربية بنسبة 24%، ثم تونس في المرتبة الثالثة بنسبة 11%، والجزائر بنسبة 8%، ثم المغرب بنسبة 6%.

أما بالنسبة لبقية الدول العربية فجاءت مرتبةً على التوالي: الإمارات، والأردن، وقطر، ولبنان، والعراق، والكويت، وعمان، والسودان، وفلسطين، وسوريا، وليبيا، واليمن، والبحرين، وموريتانيا، وجيبوتي، والصومال، وأخيراً جزر القمر.

وقد شكّل مجال الهندسة الكهربائية والإلكترونية في الوطن العربي أكثر المجالات نشراً في الأوراق العلمية في 16 دولة عربية؛ وهي: السعودية، ومصر، وتونس، والجزائر، والمغرب، والإمارات، والأردن، وقطر، ولبنان، والعراق، والكويت، وعمان، والسودان، وفلسطين، وليبيا، والبحرين، بينما تصدرت سوريا في المجال الزراعي، واليمن في مجال علم المواد، أما في ما يخص الأمراض المعدية؛ تصدرت كلأ في كل من: موريتانيا، وجيبوتي، وجزر القمر، وفي مجال الصحة المهنية والبيئية العامة فقد جاءت الصومال..

حين صار البحث العلمي أولويةً لدى الحكومات العربية

البحث العلمي العربي
Shutterstock.com/PowerUp

دأبت الحكومات العربية في السنوات الأخيرة على الاهتمام بالبحث العلمي، وزيادة الميزانية الخاصة به، وتطوير المؤسسات العلمية، إضافةً إلى تشجيع ودعم الباحثين في مختلف المجالات العلمية. على سبيل المثال؛ احتلت مصر  في شهر مايو المنصرم 2020 المركزالـ 30  في مؤشر البحث العلمي -مجال النشر العلمي- وتقدمت 4 مراكز بعدما كانت في المرتبة 34 في التصنيف الأخير لعام 2019. 

كشف تقرير العلوم السابع لمنظمة اليونسكو عن أن العالم شهد ارتفاعاً في الإنفاق على البحث العلمي في الفترة الممتدة بين 2014 و2018، وجاء في التقرير الذي صدر في 11 يونيو/حزيران الجاري أن الإمارات ضاعفت تقريباً إنفاقها على البحث العلمي  بنسبة شكلت 0.42% من من نسبة الإنفاق العالمي على البحث العلمي، وأكد التقرير أن الأردن احتلت المرتبة الأولى عربياً في زيادة عدد باحثيها؛ متفوقةً بذلك على الكثير من دول العالم، فقد زاد عدد زاد باحثيها بنسبة 150%، تلتها العراق بنسبة 60%، ثم البحرين بنسبة 58%.

أيضاً أكد تقرير اليونسكو أن هناك زيادةً في عدد المنشورات العلمية العربية عام 2019 بنسبة 21% مقارنةً بعام 2015، وتصدرت المغرب الدول العربية في بحوث الذكاء الاصطناعي، متبوعةً بالعراق، ثم الأردن، وفي مجال الطاقة المتجددة جاءت السعودية في المرتبة الأولى على المستوى العربي، متبوعةً بمصر.

مؤسسات علمية رائدة عربياً

البحث العلمي العربي
Shutterstock.com/Kent Weakley

دأبت المؤسسات العلمية العربية على تطوير نفسها، وأدى الاهتمام الحكومي العربي بالبحث العلمي إلى ارتفاع أسهم تلك المؤسسات، وكشف تصنيف مؤشر دورية نيتشر العلمية - إحدى أبرز الدوريات العلمية في العالم- لعام 2019، عن نمو في النشر العلمي داخل المؤسسات في الدول العربية، وجاء في تقرير نيتشر أن البيانات الصادرة حديثاً تنم عن أداء إقليمي قوي من الجامعات السعودية والمصرية. 

اعتمد مؤشر نيتشر في تصنيف أكثر من 10 آلاف منظمة بحثية عالمية بناءً على مساهمتها في الأبحاث المنشورة في 82 مجلة علمية موثوقة، وفي مختلف مجالات العلوم الطبيعية، ووجد تصنيف نيتشر أن الجامعات السعودية احتلت المراكز الثلاثة الأولى بين أفضل المؤسسات العربية؛ وهم على التوالي: جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) وجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود.

أيضاً جاءت جامعات من قطر، ولبنان، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، في المراكز العشرة الأولى، واحتلت المؤسسات المصرية الصدارة بين دول شمال أفريقيا؛ إذ حلت سبعٌ من مؤسساتها البحثية ضمن أفضل عشر مؤسسات في المنطقة.

منح وجوائز: تشجيع البحث العلمي 

البحث العلمي العربي
Shutterstock.com/Romolo Tavani

بجانب الدعم الحكومي العربي المستمر للبحث العلمي؛ والمتمثل في مبادرات وجوائز لتشجيع البحث العلمي، سعت العديد من المؤسسات العلمية العربية على تقديم مبادرات وجوائز؛ خاصةً لتشجيع الباحثين والمبتكرين العرب على أبحاثهم. على سبيل المثال؛ أطلقت المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا؛ وهي منظمة إقليمية دولية مستقلة غير حكومية وغير هادفة للربح، برنامجاً لتمويل البحوث العلمية، بالإضافة إلى منح تصل إلى  مليون دولار أميركي سنوياً، لتمويل البحث العلمي والابتكار، في مجال البحث العلمي والابتكار التقني بالعالم العربي.

أيضاً تقدم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية السعودية برامجاً لدعم البحث والابتكار؛ مثل تقديم الدعم المالي للباحثين في مؤسسات البحوث الوطنية، وتوفير فرص تدريبية للباحثين في الجامعات المتميزة والشركات الصناعية، أيضاً تهتم المدينة بالجوائز والمسابقات الوطنية والعالمية في مجال البحث والابتكار. لذا؛ ترعى مسابقتان هما جائزة خادم الحرمين الشريفين لتكريم المخترعين والموهوبين، وجائزة المراعي للإبداع -وهي جائزة مالية وطنية- لدعم العمالة والباحثين والمخترعين في المملكة.

كذلك تقدم أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية العديد من المبادرات والمشاريع التي تخدم قطاع الباحثين، بهدف دعم وتطوير آليات ووسائل البحث العلمي؛ مثل برنامج انطلاق؛ وهو أكبر مظلة لإنشاء وإدارة الحاضنات التكنولوجية في منظومة ريادة الأعمال والابتكار في مصر، وخلال المرحلة الأولى لبرنامج انطلاق، تم إنشاء نحو 19 حاضنة تكنولوجية في مختلف أنحاء البلاد واحتضان نحو 93 شركة ناشئة.

مستقبل البحث العلمي في الوطن العربي

البحث العلمي العربي
Shutterstock.com/Elnur

إن تطوُّر البحث العلمي في الوطن العربي في السنوات الأخير يُعطي مؤشراً على أن الوطن العربي يدرك أهمية البحث العلمي، فهو يسعى دائماً لدعمه وتطويره بشكل مستمر. جاء في تقرير العلوم السابع لمنظمة اليونسكو أن الحكومات العربية صارت تتبنى المزيد من الحلول القائمة على العلم؛ مثل: تقنيات الزراعة الحديثة، وتحلية المياه، ومحطات الطاقة الشمسية، كما أشار التقرير إلى أن البلدان العربية أصبحت تستثمر في مراكز حضرية مستدامة عالية التقنية. 

وأكد تقرير اليونسكو كذلك أن الدول العربية تسعى إلى تطوير قطاعها التصنيعي؛ بما في ذلك مجالات تقنيات الطيران، والتقنية الزراعية الحيوية، وصناعة الفضاء، كما بين التقرير أن تسخير الثورة الصناعية الرابعة أصبح أولويةً سياسيةً واضحةً للدول العربية، فعلى سبيل المثال؛ تبنت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي، كما أن كلاً من الجزائر ومصر وتونس باتت تخطط على الأقل لفعل الشيء نفسه، وكلك المغرب العربي الذي أنشأ برنامجاً بحثياً في مجال الذكاء الاصطناعي. 

ختاماً؛ يمكن القول أن تطوير الدول العربية المستمر للبحث العلمي وإقامة شراكات مع المؤسسات العلمية الدولية، والسعي لنشر الأوراق البحثية في المجالات العلمية المرموقة، بالإضافة إلى المنح والمبادرات والجوائز لتشجيع البحث العلمي؛ سيؤدي في النهاية إلى حركة علمية عربية غير مسبوقة.