فقط 13% من محيطات العالم ما تزال فيها حياة برية

3 دقائق
لم يتبق إلا عدد قليل من المناطق النائية التي لا تزال فيها الحياة البحرية خالية من النشاط البشري.

إن الوصول إلى أعمق أعماق جميع محيطات العالم يبدو أمراً صعباً، لكن هناك بحثاً جديداً يشير إلى أننا نقترب من ذلك، وهذا ليس شيئاً جيداً؛ إذ لم يبق سوى 13% فقط من مياه المحيطات التي يمكن القول بأن فيها حياة برية حقيقية (بمعنى أنها خالية من النشاط البشري)؛ وذلك وفقاً لدراسة صدرت في يوليو 2018 في مجلة "كارانت بيولوجي".

حيث إن عالمة الأحياء الحفظي كيندال جونز قد شعرت بالإحباط بعد سنوات من تحليل مجموعات البيانات الشاملة لمحيطات الأرض، وذلك لاكتشافها أن أكثر من 305 مليون كيلومتر مربع من النظم الحيوية للمحيطات غير قادرة على العمل بشكل طبيعي بسبب التأثيرات البشرية؛ مثل الشحن التجاري، والجريان السطحي للأسمدة، وصيد الأسماك. وقد وجدت الدراسة أيضاً أن أقل من نصف هذه الشريحة الصغيرة (المحتوية على حياة برية بحرية) موجود في المناطق البحرية المحمية.

تقول جونز (وهي طالبة دكتوراه بجامعة كوينزلاند، والمؤلف الرئيسي للدراسة): "إن الأمر مثير للقلق؛ لأن تلك الأماكن غير المتضررة في المحيط هي التي تسمح للكثير من الأنظمة البيئية بالعمل، وإن الحفاظ على هذه المناطق الخالية من الأضرار أمر مهم في سبيل الحفاظ على المحيط بأكمله، وليس فقط على صحة مناطق برية محددة".

والعوالم القطبية مثل القطب الشمالي والقطب الجنوبي هي من بين المياه الوحيدة المحتوية على نظم بيئية بحرية لم يمسها شيء، ولكن حتى هذه الحدود المتجمدة قد لا تكون آمنة لفترة طويلة؛ بسبب الذوبان السريع للجليد البحري بفعل تغير المناخ، وبسبب المقترحات المحتملة التي يمكن أن يكون لها تأثيرات كارثية على البيئة، مثل نية إدارة الرئيس ترامب حديثاً إغراق القطب الشمالي بمعدات تعمل بالديزل للحفر بحثاً عن النفط والغاز.

مع التقدم في التكنولوجيا، يمكننا الصيد أعمق وأبعد من أي وقت مضى.
حقوق الصورة: مارتن دامبولت

تقول جونز إن جميع المناطق الساحلية في العالم تقريباً -باستثناء بعض المناطق المعزولة بالقرب من جزر المحيط الهادي- لا يوجد فيها إلا القليل من الحياة البرية البحرية الحقيقية، وحتى المناطق الساحلية ذات التنوع الحيوي الكبير قد تغيرت نظمها البيئية بشكل كبير؛ بسبب العمليات التخريبية، مثل الصيد بالديناميت.

وترى جونز أن المستويات الأدنى من التأثير البشري من جراء الصيد يمكن أن تغير طريقة عمل هذه الأنظمة البيئية، أي حتى لو لم يكن لديك صيد مدمر أو حجم هائل من الشحن التجاري. وليس الأمر أن هذه المناطق هي أراضي قاحلة وخالية من الحياة تماماً، بقدر ما هو تأثير البشر على النظام البيئي بالشكل الكافي لطرد الحياة البرية منها.

تقول جونز إنه تأثير الدومينو؛ إذ إن الصيد الجائر يقتل الحيوانات المفترسة العليا، وعندما تختفي هذه المفترسات ستزداد أعداد الأسماك الأصغر، وهذه الأسماك تتغذى عادة على الشعاب المرجانية، والتي بدورها تبقيها نظيفة وفطرية، وبالتالي فإن التغذية الزائدة عليها يمكن أن تؤدي إلى تلف أو تدمير الشعاب المرجانية، وهي لا تستوطن الحياة البحرية فحسب، بل إنها تحمي الشواطئ من العواصف والفيضانات كأنما هي منطقة عازلة، كما أنها تعود على السياحة بمليارات الدولارات من الأرباح.

وهناك المزيد من الإضرار بالحياة البحرية الذي لم تتضمنه الدراسة، كتلوث البلاستيك مثلاً؛ حيث تقول جونز إن نسبة 13% المقدرة قد تكون متواضعة بالنظر إلى ثمانية الملايين من أطنان البلاستيك التي تصب في المحيط كل عام.

وإن الباحثين -مثل جافن فوستر (أستاذ جيوكيمياء النظائر في المركز الوطني لعلوم المحيطات في ساوثامبتون)- قلقون بشأن ما نضعه بشكل غير مباشر في الماء أيضاً؛ حيث يمتص المحيط ما يقرب من 25% من جميع ثاني أكسيد الكربون المنطلق في الهواء من حرق الوقود الأحفوري، ويمكن لثاني أكسيد الكربون الزائد في الماء هذا أن يمنع الكائنات المحَّارية من تشكيل طبقاتها الخارجية الصلبة الواقية، كما أنه يمكن أن يؤدي إلى فقدان الأسماك حاسة الشم.

وقد استطاع فوستر -في دراسة حديثة نُشرت في مجلة "رسائل علوم الأرض والكواكب"- إعادة تحديد الرقم الهيدروجيني لسطح المحيطات كما كان منذ ملايين السنين، من خلال دراسة المحارات الصغيرة المتحجرة لمخلوقات بحرية قديمة. و يتوقع فوستر أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية إذا استمرت في الارتفاع بهذا المعدل، فسيصير المحيط بحلول عام 2100 أكثر حمضية مما كان عليه خلال 14 مليون سنة، وهذا يعني أن هذه التأثيرات العالمية لن تُبقي أي حياة برية في أي مكان من محيطات العالم.

يقول فوستر: "ما هو استثنائي حقاً في ما نفعله الآن هو معدل تغير المناخ، هذا أمر غير مسبوق، حيث كانت المرة الأخيرة التي رأينا فيها حدثاً ساخناً كهذا كانت عندما قتل نيزك 76% من الأنواع على الأرض!".