هل تذهب إلى التسوق عندما تشعر بالملل أو عدم الاستقرار؟ حسناً أنت لست وحدك.
يتعامل البعض -ربما الكثيرين- مع شعورهم بالحزن أو الملل أو عدم استقرار ما في حياتهم من خلال التسوق. ربما يجد بعضنا ضالته في أكلة شهيّة تدفيء معدته، والبعض الآخر يلجأ إلى الفن مستمتعاً بمقطوعات موسيقية أو مشاهداً لفيلم يحبه، وربما يذهب البعض الآخر إلى صديق قريب يحدثه عما يجول بخاطره، لكن يبقى آخرون يجدون الحل بين أروقة المنتجات المختلفة، فلم يشعرهم التسوق بأنهم في حالة جيدة ويمنحهم شعور أفضل؟ دعونا نستكشف الإجابة.
عند سؤال أي محبٍ للتسوق، سيخبرك بأن التسوق لا يعني شراء منتجات مختلفة تجلب الشعور بالسعادة، وتكديسها في أكياس بلاستيكية يصعب حملها. أعظم المتعة في التجربة ذاتها؛ أن تسير بين المحلات المختلفة لتقرر أيها تدخل لتستكشف ما يعرضه من منتجات، أن تختار هذا دون ذاك، أن تقارن بين الأسعار المعروضة، وأن تختار وتدفع مقابله، أن تنتظر وقت الحسم والعروض. كلها أمور تضيف إلى التجربة الكثير من التشويق.
التسوق لأجل صحتك النفسية
تعددت الأسباب التي تدفع الكثيرين للتسوق من أجل منحهم شعوراً أفضل، وأهمها:
- تجارب سابقة مثمرة، لم لا نكررها؟
لاحظ بعض العلماء أن المتسوقين نادراً ما يميلون لشراء منتجات جديدة غير مألوفة لهم، ويتمسكون بشراء المنتجات التي لطالما ارتبط شراؤها لديهم بالشعور بالسعادة، بل والاعتماد على تلك الذكريات الممتعة التي اقترنت بهذا المنتج في اتخاذ قراراتهم الشرائية. لذلك عادةً ما تجد بعض المتسوقين أشبه لمجمعي أغراض ما بعينها، فهي لا تستطيع مقاومة الدفاتر الورقية، وهو يحب أن يشتري الجوارب المختلفة بشدة، وهكذا. ولكن متعة الشراء ليست ثابتة، فهي تتأثر وتتغير وفقا لأذواقنا الخاصة واهتماماتنا التي قد نستبدل بعضها كل فترة وأخرى.
- عنصر التسلية ومخاطبة الحواس
اختلفت التجربة التسويقية في وقتنا الحاضر عما كانت عليه في الماضي؛ حيث لم تكن أكثر من عملية شراء لمنتج تحتاجه من المكان المتوفر به. لكن الآن لا يمكننا إغفال ما تنطوي عليه عملية التسوق في المراكز التجارية الكبرى من عنصر تسلية، وقضاء بعض الوقت الممتع مع الأصدقاء أو الأهل. لذا من منطق تسويقي صريح، فالأماكن التي لا تشبع حواسنا جميعها وتحثنا على التفاعل وإلقاء نظرة ثم اتخاذ قرار الشراء، لا تعتبر أماكن تسويقية ممتعة أو قيّمة.
وبالحديث عن الحواس، فنخص حاسة اللمس بكلامنا هنا. فوفقاً لشبكة بي بي سي الإخبارية، في عام 2003 في الولايات المتحدة ، أصدر مكتب المدعي العام لولاية إلينوي بياناً عاماً حول عطلة عيد الميلاد يدعو الناس إلى توخي الحذر بشأن لمس وحمل المنتجات أثناء تسوقهم، حيث قد يشجعهم حملها على شرائها. وقد يكون ذلك أحد إعلانات الخدمة العامة الأكثر غرابة، لكن الأبحاث تشير إلى أن لمس الأشياء -المنتجات- يعزز من مشاعر ملكيتنا لها، وحينها يصبح من الصعب التخلي عنها بصرف النظر عما إذا كنّا نحتاجها أم لا.
- السيطرة على الأمور
ربما يبدو هذا السبب غريباً بعض الشيء، لكنه يأخذنا إلى مصطلح لا يقل غرابة وهو «العلاج بالتجزئة»، وفيه تقوم بعملية التسوق عن وعي من أجل إسعاد نفسك، ورفع روحك المعنوية خصوصاً في فترات الشعور بالإحباط أو الحزن أو فقدان الشغف تجاه الأشياء. بعض من محبي التسوق تناولوا السيطرة أثناء حديثهم عن تجربتهم التسويقية. البعض يرى أن الأمر يتلخص في شعورك بأنك متخذ القرار، أنت من تقرر ما تشتريه وما لا تشتريه ومن أي مكان وبأي سعر.
تقول «كيت يارو» أستاذة علم النفس والتسويق بجامعة جولدن جيت في سان فرانسيسكو، رغم أن لفظة «علاج» ليست الأدق للتعبير بالنسبة لها، لكن الآثار الإيجابية التي يشعر بها الآخرون إثر قيامهم بالتسوق حقيقية. والأمر لا يقتصر بالنسبة لبعض الأشخاص على شعورهم بالسعادة في حالة قيامهم بالتسوق إذا شعروا بالحزن، لكنه يمنحهم أيضاً شعور باستعادة السيطرة على أمور حياتهم. فاتخاذهم لقرار الشراء أو عدم الشراء يشعرهم بقدر أكبر من التحكم، وكلما استهلكت عملية الاختيار والشراء وقتاً وتفكيراً، كلما حققت لدى الشخص متعة وسعادة أكبر.
على جانب آخر ترى يارو أن التسوق يحقق شعور بالسيطرة على الأمور وتقليل القلق فيما يتعلق بالمراحل الانتقالية الكبيرة نسبياً في حياة البعض، كالزواج أو استقبال طفل جديد أو الانتقال لمنزل مختلف. في هذه المناسبات وغيرها تكثر عمليات الشراء لدى أغلب الناس، للاستعداد والتجهيز للمرحلة الجديدة المقبلين عليها. هذه التهيئة الذهنية التي يوفرها التسوق تساعد على التصور لما ما ستبدو عليه الأشياء؟ أين سنضع هذه الأغراض؟ وكيف سننظم تلك؟ وفيما سنستخدم هذه؟ والتصور والتنظيم من شأنه أن يجعلنا أقل قلقاً وأكثر شعور بالارتياح والسيطرة على مجريات الأمور.
- قليل من التنافسية لا يضر
في الثقافة الشعبية العربية تتميز الأمهات بقدرة عالية على التفاوض في الأسعار، وتحقيق صفقات رابحة. وفقاً لدراسة أجريت في عام 2015، فيمكننا أن نصنف أمهاتنا تحت فئة «المتسوق الرياضي» كما وصفه الباحثون القائمون على الدراسة. وجاءت التسمية من تشبيه عملية التسوق بالرياضات التنافسية، التي يغلب عليها الطابع التنافسي، وتحقيق الفوز أو الخسارة. المتسوق الرياضي هو نوع من المتسوقين الذي يسعى إلى تحقيق «الفوز» من خلال التسوق كوسيط. هو بطل الصفقة الشرائية، يتذكر تفاصيل كل صفقة بدقة، ويحقق أعظم متعة من «القتال» لتحقيق أعلى مكسب ليعيد سرد انتصاراته على الآخرين بعدها. التسوق في هذا الإطار يرضي رغبتنا في الشعور بالتفوق.
كيف يترجم عقلنا الأمر؟
من الناحية العصبية، يندرج التسوق تحت نفس المجموعة التي تضم تجارب ومنتجات أخرى مثل تذوق الشوكولاتة، والتي تنشط نظام المكافأة في الدماغ، بالتالي يجعلنا نختبر المتعة. يشرح عالم الأعصاب «ديفيد ليندن»، في كتابه «بوصلة السعادة» الصادر في عام 2011، أن تجربة التسوق تحفز إفراز الدوبامين في المخ، والذي يلعب دوراً هاماً في شعورنا بالسعادة. كما تكشف دراسات أخرى من جامعة ستانفورد عن مفاضلة مثيرة للاهتمام، من خلالها يبرز كيف يعمل مبدأ المتعة في التسوق.
من الناحية الفنية، يجب أن يكون فعل التسوق مؤلماً؛ فنحن سندفع أموالاً في نهاية الأمر من أجل ما نشتريه، وهو الجزء الحزين في العملية برمتها. وجدت دراسة أُجريت في جامعة ستانفورد أنه أثناء تفكير الآخرين فيما إذا كانوا يريدون هذا المنتج أم لا، فإن تدفق الدماء يزيد لديهم. لكن حين يفكرون في السعر، يظهر دور آخر في الدماغ يتعلق بصنع القرار. لذا، فإن متعة الشراء تحدث في عملية التوسط بين الجزء العقلاني والجزء الساعي للمتعة في عقلنا. وجد الباحثون أيضاً أنه عندما يختار الناس قرار عدم الشراء، يحدث نشاط أكبر في هذا الجزء من الدماغ الذي يتعامل مع مشاعر الخسارة.
ختاماً، لا يتوقف الأمر بالنسبة لكثيرين عند التفاعل مع تجربة التسوق ذاتها، بل يمتد إلى التطلع إلى متعة التجربة قبل حدوثها، وأثنائها والتشوّق لتكرارها بعد أن تنتهي. وفي الوقت ذاته، علينا الانتباه حتى لا نسرف في الأمر، ونحافظ على سلوك شرائي معتدل لا يدفعنا إلى الوقوع في الدين أو الإفلاس، ربما. وأن نعلم تمام العلم أن ما نشتريه هو في الأخير منتج يحقق لنا السعادة، لكنه ليس حلاً سحرياً لمشاكلنا أو كلمة النهاية للسيء من حياتنا اليومية، والذي علينا مواجهته بأنفسنا.