مسبار الأمل: الإمارات إلى المريخ لأن الواقع أفضل من الحلم

15 دقيقة
مسبار الأمل

في خيمة على تلة رملية في شهر فبراير/شباط من عام 1968؛ جمع شيخان اتسما بالحكمة ونفاذ البصيرة؛ حلم تأسيس دولة. اتفقا على الوحدة والاتحاد، وزرعا بذرة الدولة التي طرحت أولى ثمارها بتأسيس الدولة في عام 1971. في تلك الأثناء وفي الخيمة المجاورة لهما، جلس المرافقون يشربون القهوة ثم فكروا في من يقدم القهوة إلى الزعيمين؟ واهتدوا إلى الأصغر سناً، وكان هو الشخص الوحيد الذي دخل عليهما أثناء اللقاء، قدم لهما القهوة، ونظر في أعينهم، وأدرك أنه أمام حدث جللّ، فهو الوحيد الذي شهد على هذا اللقاء من داخل تلك الخيمة، ومثلما حمل الشيخان على عاتقهم بناء دولة، حمل على عاتقه إكمال مسيرتهما، لكن ربما لم يدرك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في تلك اللحظة الفارقة وهم يؤسسون دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتناولون القهوة من الأصغر سناً في مرافقيهم؛ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أنه سيحمل حلمهما ومسيرتهما بعيداً عن الأرض، ويحلق بها في السماء نحو المريخ.

الإمارات إلى المريخ؛ رحلة طويلة لا يمكن اختصارها بالحديث عن إنجازها الأخير، بل يجب أن نبدأ من حيث شُق الطريق، ومُهد له، وحتى تكتمل الصورة. رافقنا في سرد أحداث هذه الرحلة عبر تطبيق زووم؛ المهندسة سارة يوسف أميري، رئيسة وكالة الإمارات للفضاء، والتي شغلت وزيرة دولة لشؤون العلوم المتقدمة، وقادت الفريق العلمي لمشروع مسبار الأمل في مركز محمد بن راشد للفضاء منذ 2016، والمهندس عمران شرف مدير مشروع مسبار الأمل في مركز محمد بن راشد للفضاء منذ عام 2014.

نصف قرن من الخطى الثابتة 

الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم على يمين الصورة والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على يسار الصورة

49 عاماً هو عمر الرحلة الحقيقي للذهاب إلى المريخ، وحين يصل المسبار بنجاح إلى هناك، سيكون عُمر الرحلة 50 عاماً. أي نصف قرن على انتهاء سيادة العهد البريطاني في المنطقة، والإعلان الرسمي عن تأسيس الإمارات العربية المتحدة دولة مستقلة ذات سيادة، خلال هذه المدة الزمنية لُم شمل سبع إمارات تحت لواء واحد، وبدأ البناء، من ميناء راشد أول المرافئ الحديثة في دبي؛ الذي بدأ تشغيله عام 1972، ثم تأسيس المنطقة الحرة بجبل علي، والتي أضافت محفزاً تجارياً وصناعياً رئيسياً للميناء عام 1980، إلى التحليق في السماء أو بالأحرى إنشاء شركة طيران إماراتية عام 1984، والتي بدأت أولى رحلاتها في شهر 25 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1985 تحت اسم «طيران الإمارات»، ثم تدشين شركة الثريا للإتصالات الفضائية عام 1997؛ وهي أول مشغل للأقمار الصناعية في دولة الإمارات، وأطلقت أول أقمارها الصناعية «الثريا 1» عام 2000، وهو خاص بالاتصالات والبث التلفزيوني. وحين طرقت الألفية أبواب الإمارات بدأ العمل الحقيقي على حلم لم يكن في الحسبان بعد.

«لم أكن أتوقع أن هذا الحلم جائز لكن قيادات الدولة كانوا يحلمون لنا بذلك» تقول سارة أميري، وتضيف وهي تجلس ومعلقاً أعلي الحائط خلفها شعار مسبار الأمل: «الأطفال اليوم صار بإمكانهم أن يحلمون أن يذهبوا إلى المريخ ويحلموا بمشاريع أكبر من مسبار الأمل».

لنبدأ الحلم بهدوء

الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

«نحن محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي نصدر القانون التالي: المادة (1) يسمى هذا القانون: قانون إنشاء مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة». هذا هو بداية مرسوم القانون رقم 2 لسنة 2006،  ومن هنا تبدأ حكايات العلوم الكثيرة؛ جلّها تصب في قطاع الفضاء الإماراتي.

نص بنود القانون السالف ذكره أن تعمل الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة على تحقيق التحديث والتطوير وتحقيق الريادة لإمارة دبي ولدولة الإمارات في مجالات العلوم والتقنية المتقدمة، وتعزيز وتكريس ثقافة ومنهجية إجراء الأبحاث العلمية المتقدمة لدى المواطنين لدعم قدراتهم على الابتكار التقني والوصول إلى مستويات علمية رائدة ومتميزة، وتشجيع الابتكار التقني ودعم التطور العلمي في الإمارة والدولة، والمساهمة في التقدم العلمي والتنمية المستدامة للإمارة والدولة، «كان الهدف منها هو تأسيس كوادر وطنية» تقول سارة أميري. 

اهتمت مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة، وتُعرف اختصاراً «إياست»؛ ببرامج نقل المعرفة وتعيين خبراء و مهندسين إماراتيين، وإطلاق مشاريع علمية ذات تقنيات متقدمة، ومن أبرز ما قدمته إطلاق القمر الاصطناعي «دبي سات - 1» عام 2009، وهو أول قمر اصطناعي لأغراض الرصد تطلقه دولة الإمارات العربية المتحدة، صنع في كوريا الجنوبية وكان تجربة تدريب وتعلم مهمة في مسيرة المهندسين الفضاء الإماراتيين، وتلى ذلك إطلاق «دبي سات - 2» المخصص أيضاً لأغراض الرصد في عام 2013، لكن هذه المرة شارك عملية التصنيع فريق من المهندسين الإماراتيين، ولعب تصنيع هذا القمر دوراً محورياً في تطوير المعارف العملية للمهندسين الإماراتيين، وبعد هذا القمر صارت الإمارات تمتلك الكفاءات العلمية التي تؤهلها لاتخاذ خطوات أكبر، وبالضبط كما خطط لها.

سارة أميري والتي بدأت مسيرتها مهندسة في مشروعي القمر الصناعي «دبي سات - 1» و«دبي سات - 2» وكانت ضمن الفريق الذي حدد برنامج تطوير القمر الصناعي «خليفة سات» تقول: «ركز اقتصاد دولة الإمارات بعد النفط، على بناء الكوادر الوطنية» وتؤكد أن حلم مسبار الأمل بدأ في عام 2013؛ قالت  «من 2006 إلى 2013 كنا نعمل علي بناء الأقمار الصناعية وإطلاقها، ثم اتجهت أنظارنا نحو كوكب المريخ.. تحولت الإمارات من مرحلة الأقمار الصناعية والاستشعار عن بُعد إلى مرحلة استكشاف الفضاء». 

هل هو حلم قديم؟ 

الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

في عام 1974 استقبل الشيخ زايد؛ مدير المتحف الأميركي الوطني لرحلات الفضاء آنذاك الدكتور فاروق الباز، وحمل الأخير له لوحة تذكارية لمركبة «أبولو» الأميركية راسية على سطح القمر، من إهداء جيمس إروين، أحد رواد الفضاء الأميركيين الذين خاضوا رحلات القمر، وبعد عامين فقط من هذا اللقاء، استقبل الشيخ زايد 3 رواد فضاء أميركيين هم توماس ستافورد، وفانس براند، ودونالد سايتون، ويرافقهم فاروق الباز للمرة الثانية. هل حلم الشيخ زايد بالوصول إلى الفضاء؟ ربما، لكن ما نعرفه قطعاً أن أبناءه يفعلون ذلك الآن. 

بعد 40 عاماً من لقاء الشيخ زايد وفاروق الباز؛ دشنت وكالة الإمارات للفضاء، كهيئة اتحادية عامة، وبموجب مرسوم بقانون اتحادي رقم 1 لسنة 2014، ونص المرسوم على أن وكالة الإمارات للفضاء تتبع مجلس الوزراء، ويكون لها شخصية اعتبارية مستقلة، وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وحدد القانون مقر الوكالة الرئيسي بأن يكون في إمارة أبوظبي، ويكون لها فرع في إمارة دبي، وتهدف الوكالة إلى تنظيم وتطوير القطاع الفضائي الوطني بما يساهم في دعم الاقتصاد الوطني المستدام، ودعم مشاريع البحث والتطوير في قطاع الفضاء، وتعزيز وإبراز دور الدولة على الخريطة الفضائية إقليمياً وعالمياً.

القانون رقم 17 لسنة 2015 حمل قرار إنشاء مركز محمد بن راشد للفضاء، ونص قرار التأسيس على أن يتم دمج مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة مع مركز محمد بن راشد للفضاء الذي أنشئ حديثاً، وتولى المركز منذ هذا الوقت مسؤولية دعم المشاريع التكنولوجية والبحث العلمي المتقدم في دولة الإمارات، والأهم أنه تولى احتضان برنامج الإمارات الوطني للفضاء، وكان من أبرز إنجاز المركز هو إطلاق قمر «خليفة سات» عام 2018، وهو أول قمر اصطناعي إماراتي 100%، ومن هذا المركز أيضاً دشن برنامج الإمارات لرواد الفضاء؛ الذي أطلق أول رائد فضاء إماراتي؛ هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية عام 2019، وبدأ حلم مسبار الأمل لاستكشاف المريخ وجمع بيانات علمية أساسية حول غلاف المريخ الجوي، وتطوير برنامج المريخ 2117.

«منذ تأسيس مركز محمد بن راشد بدأنا في تدريب كوادر لاستكشاف المريخ ودراسة غلافه الجوي، ومهمتنا العلمية هي الوصول إلى مدار المريخ بحلول أبريل 2021» تقول سارة أميري، ويرى عمران شرف أن قطاع الفضاء رفع كفاءة وجودة المهندسين الإماراتيين، يقول: «قطاع الفضاء منحنا جودة  وكفاءة أعلى، والوصول إلى مستوى جودة أفضل صار أسرع، ويلبي معايير أعلى، وأصبح لدينا كوادر علمية ذات كفاءة عالية».

وعن مسبار الأمل تضيف سارة: «البيانات العلمية ستجمع من المسبار، سيطلع عليها العلماء لأول مرة وتحليلها وأتمنى أن نستكشف أشياء لم تكن معروفة في السابق». ويقول عمران: «هذه المهمة تختلف عن المهمات الأخرى، نسبة التعقيد 5 أضعاف تعقيدات المشاريع الأخرى، لكن  قدرات الفريق العلمي الإماراتي انتقلت إلى مستوى أعلى» يصمت عمران لحظة ثم يضيف «إذا قدرت تطور هذا الشيء فأنت تستطيع».

وقبل المسبار كان هناك أمل

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وخلفه مسبار الأمل. الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

«الوصول للفضاء يتطلب همماً تعانق السماء» كانت هذه الجملة من ضمن كلمة الشيخ محمد بن راشد لفريق عمل مسبار الأمل في عام 2014؛ حين أُعلن عن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ. وفي هذا العام بدأت الإمارات أولى خطواتها العلمية لتنفيذ وبناء وإطلاق أول مسبار عربي لكوكب المريخ تحت إشراف فريق عمل إماراتي. وقعت وكالة الإمارات للفضاء المؤسسة حديثاً آنذاك اتفاقية تفصيلية مع مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة، لتنفيذ مشروع مسبار المريخ وإطلاقه ومتابعة تنفيذ كافة مراحله وذلك تحت إشراف الوكالة وبتمويل مباشر منها وفق اتفاقية تمتد لمدة 7 سنوات.

بعد تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء، تولى المركز عملية التنفيذ والإشراف على كافة مراحل عملية تصميم وتنفيذ وإرسال مسبار الأمل للفضاء، والتي كان من المقرر لها 15 يوليو/تموز الجاري؛ وتأجلت إلى يوم 17 من نفس الشهر الجاري. بينما تمول وكالة الإمارات للفضاء المشروع وتُشرف على الإجراءات والتفاصيل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع. «الوصول إلى المريخ هو تحدّ كبير واخترنا هذا التحدي، لأن التحديات الكبيرة تحركنا.. وتدفعنا.. وتلهمنا.. ومتى ما توقفنا عن أخذ تحديات أكبر.. توقفنا عن الحركة إلى الأمام» يقول الشيخ محمد بن راشد.

يتفق عمران مع رؤية الشيخ محمد بن راشد؛ يقول: «رفع قطاع الفضاء مستوى التحدي وسقف الابتكار والكفاءة وأيضاً الاقتصاد، مثلاً وكالة ناسا كان لديها تحدي حين أرسلت مركبة روفر إلى كوكب المريخ، وهو الألواح الشمسية، في كوكب مليء بالغبار سيؤثر هذا الغبار على الألواح، وربما تفقد اتصالها به، لذا كان التحدي هو الحفاظ على ألواح الطاقة الشمسية نظيفة في كوكب ملئ بالغبار، لذا طورت مادة تساعد على سقوط الغبار والتراب من على الألواح وبالتالي تظل نظيفة». 

هل يمكن؟

6 سنوات مروا على فريق مسبار الأمل في جهد دائم لبناء وتنفيذ المسبار، وقبلها عام كامل من البحث، والآن هم يجنون ثمار هذا العمل وإن كان العمل لا يزال مستمراً وبجهد مماثل وربما أكبر، يقول عمران: «حين سألنا هل من الممكن الوصول إلى المريخ؟ كان السؤال صعب حين وجه إلينا، لكن نظرنا من كل الجوانب ورغم صعوبة المشروع إلا أننا وجدنا أننا نستطيع» وتقول سارة: «هذا المشروع تحدي كبير، وخطوة كبيرة أخذتها دولة الإمارات».

لم يدر بخيال عمران أنه سيكون يوماً جزء من هذا المشروع، يقول «عمري ما توقعت أن أعمل في مثل هذا المشروع، عملي كان مركز في الاتصالات وما توقعت أن الإمارات ستذهب يوماً إلى المريخ وكنت أقول ان هذا قطاع كبير، وان الدول الأخرى أخذت وقتاً طويلاً كي تنجح فيه، لكن رؤية دولة الإمارات وقياداتها في تشجيع الشباب أوجدت هذا الحلم».

ولم يدر ببال سارة أيضاً أن تذهب الإمارات إلى المريخ، وتضيف: «رغم التحديات التي تواجهها أي دولة تذهب إلى المريخ لكن الحلم جائز في دولة الإمارات». ويؤكد عمران: «فكرة الذهاب إلى المريخ ما خطرت على بالي».

سنوات العمل الشاق 

الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

تحديات كثيرة واجهت فريق مسبار الأمل خلال السنوات الست، كان عليهم البحث والتدقيق في كل شيء، وكان صاروخ الإنطلاق الذي سيحمل المسبار واحداً من الاختيارات الصعبة، لكن استقر الفريق في نهاية المطاف على اختيار صاروخ  «إتش 2 إيه – 202» وهو جزء من عائلة صواريخ «إتش 2 إيه» اليابانية عالية الأداء، والتي طورتها شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة، وبدورها تتولى تصنيع صواريخ الإطلاق، وتصميم البرامج التقنية اللازمة لعملية الإطلاق، وخدمات الدعم اللوجيستي لعملية الإطلاق في مركز تانيجاشيما الفضائي في اليابان، وهذا المركز هو نفسه المحطة الأرضية التي سينطلق منها المسبار على متن الصاروخ. 

صاروخ  «إتش 2 إيه – 202» الذي سيحمل مسبار الأمل إلى الفضاء، يتكون من مرحلتين، وزوج من معزز الصواريخ، وستتولى وكالة الفضاء اليابانية «جاكسا» عمليات توجيه الصاروخ بدقة وسلامة وتأمين وصوله إلى المسافة الآمنة، ستبدأ الرحلة بعملية دفع معززات الصواريخ الصلبة إطلاق النيران لمدة 100 ثانية، يلي ذلك مباشرة إنطلاق الصاروخ، وستعمل المرحلة الأولى من الصاروخ بنظام الدفع الملئ بالهيدروجين والأكسجين السائلين، ثم ستنفصل المرحلة الأولى من الصاروخ، وستكمل المرحلة الثانية المهمة، والمزودة بالأجهزة الإلكترونية اللازمة لتوجيه الصاروخ، وتتميز المرحلة الثانية أيضاً بنظام التحكم في تفاعل الغاز النفاث «الهيدرازين»، والذي يستخدم للتحكم في الصاروخ، واستقرار عملية الدفع بالمرحلة الثانية. 

وبينما يتابع الجمهور عملية إطلاق الصاروخ  من خلال البث المباشر على الإنترنت، سيكون فريق مسبار الأمل لا يزالون يعملون، وتتسارع دقات قلوبهم في كل لحظة، فآمالهم معلقة هناك في الأعلى مع المسبار، وتعرب سارة لنا عن مشاعر اللحظات الأخيرة وقبل انطلاق المسبار قائلة: «مشاعرة كثيرة بين خوف وسعادة وترقب؛ مشاعر سنوات جهد وعمل لكل فريق مسبار الأمل الذي عمل كأسرة واحدة على مدار 6 سنوات، وفي يوم 17 يوليو يوم الانطلاق سنرى نتائج هذا الجهد لذا مشاعري متداخلة، وكلما اقترب هذا اليوم زادت دقات قلبي لأنه يحدد لنا أشياء كثيرة».

التحديات كانت كثيرة، يقول عمران: «واجهنا تحديات كثيرة لأننا نطور المنظومة لأول مرة، ونطور ونعدل ونعيد التطوير ونتقدم خطوة ونعود للخلف خطوتين وهكذا». يحمل عمران أيضاً مشاعر متضاربة بداخله، ما بين الإحساس بالفخر والسعادة والخوف والترقب يقول: «عمل 6 سنوات يعتمد على الانطلاق» ويضيف: «أول اتصال سيحدث بين الفريق وبين المسبار سيكون هو الفارق، سنعرف حالة المسبار وأول اتصال هو من أهم الأشياء بعد لحظة الانطلاق».

المسبار وحيداً 

مسبار الأمل
الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

في الفضاء سيودع المسبار الصاروخ الذي حمله، ويسبح وحيداً، وستبدأ عملية التشغيل المبدئي للمسبار بتشغيل السخانات، ونشر الألواح الشمسية، وتكوين نظام الاتصالات للحصول على الإشارة الأولية واستقبالها من خلال شبكة ناسا لمراقبة الفضاء العميق في إسبانيا، ثم تفعيل نظام التحكم التفاعلي، للتحكم في دفع المسبار عن بُعد. 

من خلال المستشعرات المصممة من أجل التحكم في توجيه المسبار سيتمكن المسبار من تحديد موقع الشمس بالنسبة له، وتشغيل الأوامر الأرضية للاستشعار عن بُعد، وتشغيل نظام تعقب النجوم من خلال محدد الموقع الفلكي المثبت على متنه، وتفعيل الأمر الأرضي بالانتقال للوضع الرمزي، والاستعداد للدخول إلى مرحلة التشغيل المبكر، ويعتمد الانتقال من مرحلة الإطلاق إلى هذا الوضع على تقييم فريق المهمة، وذلك بعد تلقي إشارة من المسبار قد تستغرق بين 14 إلى 21 دقيقة لوصول الإشارة إلى الفريق على الأرض، وللتأكد من أن كل الأمور تسير بسلاسة وأن المسبار بحالة جيدة.

«لا يزال لدينا الكثير من العمل.. سيكون تركيزنا بعد الانطلاق أكبر وتحديداً في محطة التحكم، وعملية التحكم في المسبار عن بُعد عملية معقدة للغاية، بداية من نشر الألواح الشمسية، وتلقي الإشارة، والدخول في مدار كوكب المريخ وبدء المهمة العلمية» تقول سارة. ويقول عمران: «التحدي الحقيقي سيكون في مرحلة السبعة شهور وقت الرحلة للدخول إلى مدار المريخ.. الوصول إلى المريخ هو الأصعب».

أوقات حرجة 

الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

حين يقترب المسبار من مرحلة الدخول إلى مدار المريخ، ستتعلق أعين فريق مسبار الأمل بأجهزة التحكم، ربما ستكون هذه من أصعب اللحظات التي ستمر عليهم في هذه المهمة، سيصبون تركيزهم على محاولة الدخول إلى مدار المريخ بأمان، لأن هذه الخطوة تُعد حدثاً حاسماً يجب أن يحدث في توقيت معين حتى تنجح المهمة. وتستهدف هذه المرحلة الانتقال من مرحلة الملاحة بين الكواكب إلى الدخول إلى مدار المريخ وتستمر هذه المرحلة لمدة 30 يوماً. لكن أكثر الأوقات صعوبة هي عملية الاقتراب من المدار والتي تستمر حوالي 28 دقيقة.

ونظراً لكون عملية الاقتراب من المريخ تمثل حدثاً محورياً بالنسبة لفريق مسبار الأمل، فمن المقرر أن تكون هناك محطة أرضية لتغطية عملية الاقتراب الشديد من مدار المريخ. وتنقسم هذه المرحلة إلى مرحلتين فرعيتين هما مرحلة الاقتراب من المريخ، ومرحلة الدخول إلى مدار الكوكب الأحمر والتي تنتهي باستقرار المسبار في مداره حول الكوكب الأحمر.

عمران يجد أن من أصعب لحظات التي ستواجه فريق المسبار هي النصف ساعة قبل الوصول إلى المريخ مباشرة، يقول: «في ال30 دقيقة سيكون علينا ضبط السرعة بدقة شديدة؛ لأنه أي خطأ في السرعة قد يجعل المسبار يتجاوز المدار، أو قد يرتطم المسبار بالمريخ.. لذا لحظة دخول ووصول ورسي المسبار هو مرحلة غاية في الصعوبة وتحدي كبير». 

سبر أغوار الكوكب الأحمر

مسبار الأمل
مقياس طيفي بالأشعة تحت الحمراء (EMIRS)

خلال مسافة تُقدر ب 493.5 مليون كيلومتر سيقطعها المسبار إلى المريخ؛ سيحمل معه 3 أجهزة علمية، الأول؛ مقياس طيفي للأشعة تحت الحمراء، وهو عبارة عن مقياس طيفي حراري يعمل بالأشعة تحت الحمراء، ويضم مرآة دوارة تسمح بإجراء عمليات مسح للمريخ، وصُمم ليستخلص بيانات تمنح فهماً أفضل حول توازن الطاقة في مناخ المريخ الحالي من خلال توصيف حالة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي للمريخ، والعمليات التي تؤثر على الدورة النهارية للكوكب. وسيستخدم هذا المقياس للبحث في الحالة الحرارية للطبقة السفلى من الغلاف الجوي، والتوزيع الجغرافي للغبار، وبخار الماء، والجليد المائي.

الجهاز الثاني؛ كاميرا الاستكشاف، وهو عبارة عن كاميرا إشعاعية متعددة الطول الموجي، قادرة على التقاط صور بدقة 12 ميجا بكسل مع الحفاظ على التدرج الإشعاعي اللازم للتحليل العلمي المفصل. وهذه الكاميرا طورت من خلال تعاون مشترك بين مركز محمد بن راشد للفضاء، ومختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء في جامعة كولورادو – بولدر الأميركية. وصممت لتكون مرنة في اختيار دقة الصورة ومناطق التركيز وعدد الإطارات وعرض النطاق الترددي وذاكرة كبيرة للاحتفاظ بالصور الملتقطة، وستوفر صوراً للطبقة السفلى من الغلاف الجوي لكوكب المريخ، وقياس العمق البصري للماء المتجمد في الغلاف الجوي، وقياس مدى وفرة الأوزون، وأيضاً ستقدم صور مرئية للمريخ ملتقطة عبر الغلاف الجوي.

أخيراً؛ مقياس طيفي للأشعة فوق البنفسجية، وهذا الجهاز عبارة عن مطياف تصوير بالأشعة فوق البنفسجية طويل المدى، ولديه القدرة على إجراء القياسات المطلوبة لغازات الهيدروجين والأكسجين وأول أكسيد الكربون ضمن المهمة. ونظراً لدقة مقياس المطياف سيتمكن من تحديد الأماكن للمسافات التي تقل عن 300 كم عن السطح، وهي مسافة كافية لتمييز الاختلاف المكاني بين الغلاف الحراري للمريخ الذي يقع على ارتفاع «100 – 200 كم»، والغلاف الخارجي الذي يقع على ارتفاع أعلى من 200 كم متر. وستتضمن نتائج المطياف ما لا يقل عن 6 صور للغلاف الحراري للمريخ في كل دورة حول الكوكب، وما لا يقل عن 6 صور داخلية لهالات الأكسجين والهيدروجين، و5 صور خارجية لهالات الهيدروجين في الدورة الواحدة. وصُمم هذا الجهاز بالشراكة بين مركز محمد بن راشد للفضاء، ومختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء في جامعة كولورادو – بولدر، ومختبر علوم الفضاء في جامعة كاليفورنيا – بيركلي الأميركيتين.

كل ما هذه البيانات التي سيخرج بها المسبار من الكوكب الأحمر ستتاح للباحثين في كل مكان، وأيضاً لعموم الناس؛ هكذا أخبرتنا سارة، وتقول: «البيانات ستكون متوفرة لكل الباحثين من سبتمبر 2021 لأن بعد انتهاء المهمة سيكون علينا جمع البيانات والتأكد من سلامتها وأنها تخص كوكب المريخ ومن ثم إتاحتها للباحثين ولعموم الناس». ويضيف عمران: «مسبار الأمل يضيف إلى المعرفة التي جمعت في السابق، وستضيف بياناته إلى المعرفة الحالية». 

المسبار في مهمة علمية 

مسبار الأمل
الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

تتجلى مهمة مسبار الأمل في استكشاف التغيرات المناخية في الغلاف الجوي للمريخ، من خلال جمع بيانات على مدار اليوم، وباختلاف المواسم ومقارنتها ببعضها، وسيجري المسبار بعض القياسات الأساسية التي تساعدنا على فهم كيفية دوران الغلاف الجوي للمريخ، وطبيعة الطقس في كل من طبقتيه السفلى والوسطى. ومن المستهدف أن تساعد هذه القياسات والبيانات بالإضافة إلى مراقبة الطبقات العليا من الغلاف الجوي في فهم أسباب صعود الطاقة وجزيئات الأكسجين والهيدروجين إلى طبقات الغلاف الجوي، ومن ثم فهم كيفية هروبها من جاذبية المريخ. 

تروي لنا سارة أن كوكب المريخ كوكب مشابه لكوكبنا، وتضاريسه مشابهة لتضاريس كوكب الأرض، وكان يوجد به ماء، تقول: «حسب فهمنا للحياة لابد من وجود ماء، لذا ننظر إلى الكواكب وندرسها بشكل أعمق.. المريخ كان يحتوي في الماضي على ماء لكن اختفى الماء عليه، وأيضاً الغلاف الجوي للمريخ كان رطب، والآن تغير هذا الغلاف، لذا نريد من خلال الرصد التعرف على أسباب اختفاء الماء عليه، ورصد التغيرات المناخية على هذا الكوكب، وأيضاً رصد حركة الغبار على مدار سنة كاملة».

يلفت عمران نظرنا إلى نتيجة أخرى للمسبار بجانب النتائج العلمية؛ يقول: «مسبار الأمل وسيلة لتشجيع الشباب في الإمارات على العمل والابتكار والإبداع ومواجهة التحديات». ويضيف: «الكثير من الشباب التحقوا بالمجتمع العلمي في الإمارات، تحولوا من اهتمامهم بالاقتصاد إلى العلوم ودراسته، بسبب المسبار، قطاع الفضاء ولد اهتماماً بالمجالات العلمية وكان من أولويات الحكومة في هذا المشروع هو تسريع عجلة التطور في الدولة.. والمشروع يعتبر خطة لتطوير قطاع العلوم في الدولة».

التوقيت وأشياء أخرى

الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

211 يوماً سيظل فريق مسبار الأمل في عمل دائم، وجهد دؤوب، بعد انطلاق المسبار، وهو الوقت الذي سيستغرقه المسبار للوصول إلى المريخ، للدقة استخدم الفريق مساراً يضمن وصول المسبار إلى المريخ في خلال هذه المدة من بدء نافذة الإطلاق، وهو ما يعني الوصول إلى المريخ في فبراير/شباط 2021 بغض النظر عن موعد الإطلاق الفعلي.

رغم تفشي وباء كورونا في العالم لكن مسبار الأمل أطلق في موعده، وأراد الفريق استغلال فرصة نافذة الإطلاق إلى المريخ، والتي تعني اقترب كوكب المريخ من كوكب الأرض، وهي النافذة التي تتكرر كل عامين.

«رسالة أمل إلى الشباب العربي أننا استطعنا خلال 50 سنة الوصول إلى المريخ بالتكنولوجيا والمعرفة»، يقول عمران موضحاً لماذا سينطلق الحدث في موعده رغم تفشي وباء كورونا في العالم، ويضيف عن الشق العلمي الآخر قائلاً: «إذا فاتنا الموعد هذا العام فلابد ان ننتظر عامين آخرين لأن أقرب نقطة يكون فيها المريخ قريب من كوكب الأرض تأتي كل عامين، وبالتالي فلو فاتنا هذا الموعد سنضطر أن ننتظر حتى 2022»، ويرى عمران أيضاً أن إطلاق المشروع في موعده يقدم نموذج للشباب في كيفية صناعة مشروع عملاق في زمن وتكلفة أقل وتطوير أكبر وجودة أعلى، يقول: «واجه المشروع تحديات كبيرة جداً منذ انطلاقه لكن استطعنا أن نكون على قدر المسئولية».

أبعد من المريخ

الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

لطالما سيطر الكوكب الأحمر على الخيال البشري لقرون عديدة، واختير لاستضافة أول مسبار عربي نظراً لأنه من أكثر الكواكب الصالحة للحياة في المجموعة الشمسية، وكونه شبيهاً بالأرض، وتحتوي تربته على الماء، ويمكن للإنسان تحمل مناخه الحالي، ويستقبل ضوءاً كافياً من الشمس لتشغيل الألواح الشمسية، ويمكن للإنسان التكيف مع جاذبيته بسهولة، أيضاً لديه مواسم مختلفة، ويمتلك دورة نهارية وليلية شبيهة بالأرض، والأهم إن أنه كان صالحاً للحياة في الماضي، لذا فإن فهمنا لتطور طبيعة سطح المريخ وغلافه الجوي ستساعدنا على التنبؤ بمستقبل كوكبنا.

ترى سارة أن دخول الإمارات إلى قطاع الفضاء سيسرع وتيرة استكشاف الفضاء، تقول: «رحب المجتمع العلمي بدخول الإمارات إلى حقل الفضاء لأنها مهمة علمية، وستضيف إلى المهمات الفضائية الأخرى حول العالم». 

ليس فقط مسبار الأمل هو مشروع الإمارات الوحيد في الفضاء الخارجي، أو في المريخ تحديداً، هناك برنامج المريخ 2117؛ وهو برنامج يستهدف إعداد أجيال إماراتية تتحلى بشغف الاستكشاف العلمي والاستفادة من التجارب العلمية الخاصة بالتصدي لتحديات أمن الغذاء والمياه والطاقة على كوكب الأرض. ويشمل البرنامج بناء مدينة المريخ العلمية، وهي مدينة تحاكي كوكب المريخ، وسيتم بناؤها على الأرض ويتضمن المشروع مختبرات للغذاء والطاقة والمياه.

يعلق عمران عن برنامج المريخ 2117 الإماراتي قائلاً: «نريد أن نقول للشباب ونطمأنهم أن قطاع الفضاء لن يتوقف لحظة، وأن  دولة الإمارات تضمن عمل لمدة 100 سنة في المستقبل في هذا القطاع، ولن تكون مهمة واحدة وينتهي الأمر، وأيضا نريد أن تساهم دولة الإمارات في وصول أول انسان إلى كوكب المريخ».

رسالة أخيرة 

مسبار الأمل
الصورة: مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ/مركز محمد بن راشد للفضاء

«نظر أجدادنا للنجوم في رحلاتهم البحرية لبناء أمجادهم.. واليوم ينظر لها أبناؤنا لبناء مستقبلهم». يقول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ويقول أيضاً «الوصول للمريخ لم يكن هدفه علمياً فقط.. بل هدفه أن نرسل رسالة للجيل الجديد في عالمنا العربي بأننا قادرون.. وبأن لا شيء مستحيل.. وبأن قوة الأمل تختصر المسافة بين الأرض والسماء».

«رسالة من دولة الإمارات إلى العالم بأن طموحها لا حدود له، وأنها قادرة بسواعد أبنائها على تحويل التحديات إلى إنجازات» يقول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ويضيف «خطوة أساسية في مسيرة الاستعداد للخمسين سنة المقبلة وأداة مهمة لصناعة المستقبل وتطوير المعرفة البشرية».

«ستُضاف في النهاية إلى المعرفة البشرية» تقول سارة أميري. ويقول عمران شرف: «مسبار الأمل مشروع علمي نتائجه مقدمة إلى الإنسان في المقام الأول».

يحمل المسبار الآن في رحلته إلى المريخ، توقيع أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات إلى جانب توقيع أولياء العهود، ويتزين بعبارة «قوة الأمل تختصر المسافة بين الأرض والسماء».