هذه الظاهرة السحرية تبدو أكثر روعة ما أن نفهم أساسها العلمي

يبدو قوس قزح بعيداً في الأفق لركاب هذه السفينة أيضاً
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتبر قوس قزح أقرب ما لدينا إلى السحر الحقيقي، حيث يظهر في السماء كطيف جميل يعلن انتهاء المطر مع تسلل أشعة الشمس من بين الغيوم، كما أنه يجعلنا نشعر بالسعادة، أليس كذلك؟

إن قوس قزح، شأنه شأن جميع الأشياء سحرية المنظر، يصبح أكثر روعة ما أن نفهمه بشكل علمي كظاهرة طبيعية. لنبدأ بالأساسيات:

عفواً، ما هو قوس قزح بالضبط؟

يبدو ضوء الشمس أبيض اللون، على الأقل بالنسبة للعين البشرية. وفي الواقع، فهو مؤلف من الكثير من الأضواء ذات الألوان المختلفة، بما في ذلك جميع درجات قوس قزح: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، والبنفسجي. وهي تشكل بمجموعها الطيف الضوئي المرئي بالنسبة للبشر.

تقوم بعض المواد، مثل الماء، بكسر الضوء وتسمح له بأن ينفصل إلى أطوال موجية مختلفة، وهي التي تحدد الألوان المختلفة. تتذبذب الأمواج القصيرة بسرعة، على حين أن الطويلة تتموج ببطء. وفي الطيف المرئي، تقابل الأمواج الطويلة درجات اللون الأحمر، والقصيرة درجات اللون البنفسجي. وعندما تجتمع جميع هذه الأمواج معاً تعطي اللون الأبيض، غير أنه من الممكن فصلها لرؤية الألوان المنفردة.

يقوم بخار الماء في الهواء بعكس الضوء وكسره وتشتيته بشكل دائم، غير أن هذا يحدث في جميع الاتجاهات لدرجة أنه لا يمكن رؤية قوس قزح واحد محدد. ويحدث هذا فقط عندما يوجد شعاع ضوئي مباشر من اتجاه واحد، بدلاً من ضوء الشمس المنتشر في جميع الاتجاهات خلال ساعات النهار.

بعد انتهاء العاصفة المطرية، تكون نسبة قطيرات الماء المعلقة في الهواء قد ازدادت، كما أن شعاع الشمس الذي يأتي بعدها غالباً ما يكون على شكل أشعة قادمة من اتجاه واحد. تخيل فترة بعد الظهر بوجود بضعة أشعة من الضوء تتسلل من الغيوم، هذه هي الظروف المثالية لظهور قوس قزح. يمكنك أيضاً أن ترى قوس قزح في الضباب الناتج عن رذاذ الشلالات، أو رذاذ المحيط.

يعود الشكل القوسي إلى انعكاس الشعاع الوارد ضمن كل قطرة ماء منفردة في الهواء قبل أن ينكسر خارجاً منها، كما يبدو بوضوح في هذا الشكل:

تشكل قوس قزح
مصدر الصورة: KES47

يخرج الضوء من القطيرة بزاوية 42 درجة، ولهذا يمكن رؤية قوس قزح دائماً عند الوقوف تحت مصدر شعاع الشمس بنفس الزاوية، أي أنه إذا رسمت خطاً من رأسك نحو قوس قزح، ومن ثم رسمت من هناك خطاً آخر نحو الشمس، يجب أن تكون الزاوية بين الخطين دائماً 42 درجة. غير أن الشمس يجب أن تكون دائماً من جهة الخلف، لأن الضوء ينكسر عائداً نحو الاتجاه الذي أتى منه تقريباً، أي أنك لن ترى قوس قزح إذا كنت مواجهاً للشمس.

مهما كان مكان وقوفك، يبدو قوس قزح بالنسبة لك موجوداً بشكل مادي في مكان ما. ربما قد يكون رابضاً على قمة تلة أو ممتداً عبر أفق المحيط. وفي أي حال، فإنه ليس موجوداً حيث يبدو بالنسبة لك. وإذا رأيت شخصاً ما يدير ظهره إليك ويبدو واقفاً تحت قوس قزح، فكن متأكداً أنه لا يرى قوس قزح فوقه، بل يراه تقريباً كما تراه أنت، ولكن أبعد في الأفق. يمكن للجميع أن يروه بنفس الزاوية آنفة الذكر.

يحوي قوس قزح من الألوان أكثر مما نعتقد

إذا شئنا الدقة، يجب أن نسمي الطيف المرئي بالطيف المرئي بالنسبة للبشر. يمكن لأعيننا أن ترى الأطوال الموجية ما بين 390 و 700 نانومتر، لأننا نمتلك خلايا متخصصة بالضوء في القسم الخلفي من العين تسمى بالمخاريط اللونية، وهي قادرة على تفسير هذه الأطوال الموجية كألوان محددة. نذكر بأن الأحمر هو أكبر طول موجي، والبنفسجي هو الأصغر.

غير أن ظاهرة الانكسار لا تقتصر على القسم المرئي من الضوء. حيث ينكسر أيضاً الضوء فوق البنفسجي (الأقصر من البنفسجي) وتحت الأحمر (أطول من الأحمر) بدرجة ما، غير أننا لا نراهما لأن أعيننا غير قادرة على تحسسهما. يمكن لبعض الأفاعي أن ترى الضوء تحت الأحمر، وبالتالي سترى حزمة إضافية بعد الحافة الحمراء لقوس قزح. كما يمكن للفراشات والعناكب، إضافة إلى حشرات أخرى، والكثير من الطيور، أن ترى الضوء فوق البنفسجي، وبالتالي سترى أيضاً حزمة إضافية بعد الحافة البنفسجية لقوس قزح.

جميع أقواس قزح دائرية الشكل، غير أننا لا نرى سوى جزء منها فقط.
مصدر الصورة: ستيف كاوفمان

أما القطط والكلاب، إضافة إلى أغلب الثدييات باستثناء الرئيسيات، فهي ترى جزءاً أقل من قوس قزح. حيث أنها لا تمتلك الرؤية ثلاثية اللون التي يمتلكها البشر، وبالتالي فهي ترى أجزاء من الطيف المرئي فقط. تتمتع كل الرئيسيات تقريباً بثلاثة أنواع من المخاريط اللونية، والتي يتخصص كل منها بقسم محدد من الطيف المرئي، وتسمح لنا مجتمعة برؤية جميع الألوان إلى حد ما. تمتلك معظم الثدييات الأخرى نوعين فقط من المخاريط اللونية، وبالتالي ترى عددا أقل من الألوان. وهي المشكلة التي يعاني منها الكثير من البشر المصابين بعمى الألوان، حيث أن أحد أنواع المخاريط على الأقل لا يعمل بشكل صحيح، ما يفقدهم القدرة على رؤية بعض أجزاء الطيف المرئي بشكل جيد. (يوجد نوع آخر من عمى الألوان، ولكن النوع المتعلق بالمخاريط المفقودة هو الأكثر شيوعاً).

قد ترى قوس قزح بشكل مختلف عن شخص آخر

يولد بعض البشر المحظوظين بنوع رابع من المخاريط اللونية التي تسمح لهم برؤية المزيد من الألوان ضمن الطيف المرئي. من الصعب أن نتحدث عن هذه الألوان، لأننا لم نقم فعلياً بتسميتها، ولكننا نعتقد أن حيوانات أخرى، مثل أحد أنواع القريدس، قادرة على رؤية المزيد من الألوان في قوس قزح؟

توجد أيضاً فكرة مثيرة للجدل، وهي أن بعض الثقافات قادرة على استيعاب وتمييز المزيد من الدرجات اللونية، فالهيمبا في شمال ناميبيا، على سبيل المثال، يخصصون الكثير من الكلمات لدرجات اللون الأخضر، على عكس اللغة الإنكليزية، كما أنهم قادرون على التمييز بين درجات من اللون الأخضر تبدو متطابقة للآخرين. تقول إحدى النظريات أنهم قادرون على التمييز بين هذه الدرجات لأنهم خصصوا أسماء مستقلة لها. غير أن نقاد هذه النظرية يعتقدون العكس، أي أن الهيمبا خصصوا هذه الأسماء لهذه الدرجات لأنهم يتمتعون بقدرة طبيعية على رؤيتها.

بشكل مشابه، يستطيع المتحدثون بالروسية التمييز بين درجات اللون الأورق أكثر من المتحدثين بالإنكليزية، كما يقسمون اللون الأزرق إلى فئتين مستقلتين، داكن وفاتح. صحيح أن المتحدثين بالإنكليزية لديهم الكثير من الأسماء للون الأزرق، لكنهم يصنفونها ضمن نفس المجموعة، أما المتحدثون بالروسية فيفصلونها إلى مجموعتين. هذا يعني أن طريقة رؤيتك لقوس قزح قد تختلف عما يراه شخص آخر، وذلك بسبب تأثير اللغة. صحيح أن الأعين تتلقى نفس الأطوال الموجية، لكن الاختلاف قد ينشأ من طريقة معالجة الدماغ ما يراه. أي أن الألوان تعود بشكل أساسي إلى الدماغ، لا العين.

في 2015، نشرت مجلة Business Insider مقالة مبنية على حلقة من راديولاب أدت إلى انتشار قصة ظهرت لأول مرة في وثائقي من بي بي سي حول الهيمبا، وتقول هذه القصة أن الهيمبا لا يستطيعون تمييز مربع أزرق عن مربع أخضر، وذلك لأن ليس لديهم كلمات للتمييز ما بين اللونين.

وقد أخطأ الوثائقي في تفسير البحث. حيث أن الهيمبا قادرون بالطبع على رؤية اللون الأزرق، ولكنهم أقل سرعة من المتحدثين بالإنكليزية في التعرف عليه. ما زالت وجهة النظر التي تقول بوجود علاقة بين اللغة وتمييز الألوان صحيحة، ولكنها لا تعني انعدام قدرة مجموعة ما على رؤية الأزرق لمجرد عدم وجود كلمة مخصصة له. يمكنك أن تقرأ المزيد عن الموضوع هنا.