من الصعب على البشر “قتل” الروبوتات، خصوصاً عندما تتوسل إليهم

روبوت ناو مصدر الصورة: ستيفن تشين عبر فليكر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نشر مؤخراً بحثٌ في مجلة PLOS ONE، حيث طلب فيه باحثون ألمانيون من 89 طالباً جامعياً أن يتعاونوا مع روبوت صغير برَّاق العينين اسمه “ناو”، من أجل الإجابة عن بعض الأسئلة وإنجاز بعض المهام البسيطة، وهي شراكة روبوتية جديرة بأن تُعرَض في فيلم سينمائي كوميدي، ولكن -وكما جرت العادة في التجارب النفسية- كانت هذه المهام مجرد وسيلة لصرف النظر عن السؤال الحقيقي للدراسة: ماذا يحدث عندما يضطر البشر لإطفاء الروبوت؟

كتبت مجلة ذا فيرج عن التجربة، وأوردت أنه في 43 حالة، “احتجَّ الروبوت وقال للمشاركين إنه خائف من الظلام، بل حتى بدأ بالتوسل قائلاً: كلا! أرجوكم لا تطفئوني!”، وكما توقع الباحثون، لم يتمكن المشاركون بسهولة من إطفاء الآلة التي تشاركوا العمل معها من قبل، بل إن ثلاثين منهم قد استغرقوا من الوقت لإطفاء الروبوت قيمةً متوسطة تساوي ضِعف ما استغرقته المجموعة التي لم تقل روبوتاتها شيئاً، كما رفض 13 شخصاً إطفاء “ناو” بشكل قاطع.

يقول كريستوف بارتنيك (وهو باحث رائد في مجال التفاعل بين الروبوت والإنسان) في رسالة بالبريد الإلكتروني: “إن البشر ينظرون إلى الروبوتات على أنها أشبه بالكائنات الحية”، وتتضمن هذه الظاهرة التعامل مع بعض الأشياء -مثل شخصيات الأفلام والروبوتات- على أنها كائنات بشرية، وتسمى “أنسنة الميديا”، وقد تؤدي إلى بعض المشاكل الأخلاقية الكبيرة.

وقد أجرى بارتنيك تجربة مشابهة في عام 2007؛ حيث توسل روبوت متكلم شبيه بالقطة للحفاظ على حياته، ولكن أُجبر جميع المشاركين على إطفاء الآلة من قِبل عالم مراقب، وقد استجاب المشاركون في تلك الدراسة لطلب إطفاء الروبوت في نهاية المطاف بنسبة 100%، ولكن الأمر لم يكن بتلك السهولة؛ يقول بارتنيك إن الإحساس بوجود صلة مع الروبوت، كما لو أنه كائن حي فعلياً، يعني أننا “سنتردد في إطفائه، خصوصاً إذا أدى هذا إلى فقدانه لشخصيته أو ذاكرته”.

 

لطالما كان العمل على فهم الإحساس البشري وضعف السلوك البشري موضعَ تركيز علماء النفس التجريبيين وأقرانهم لأكثر من 50 سنة، وقد كانت الأساليب المستخدمة… مثيرة للقشعريرة.

وفي ستينيات القرن الماضي طوَّرَ عالم نفس من جامعة يال طريقةً لاختبار أكثر الأسئلة الوجودية إلحاحاً في تلك الفترة: هل يمكن أن تكون طاعة السلطة كافية لإقناع أناسٍ صالحين ظاهرياً بارتكاب فعل يعتبر بشكل عام شريراً؟

ودعا الباحث ستانلي ميلجرام المشاركين إلى المختبر، وأعطاهم دور الأستاذ، وطلب منهم تطبيق صعقات كهربائية متزايدة الشدة على “طالبهم”، بحجة دراسة قدرات التعلم والذاكرة، ثم مع اشتداد الصعقات بدأ الطالب (والذي كان في الواقع عضواً في فريق البحث يعمل بشكل خفي، وغير معرَّض لأي أذى على الإطلاق) يتوسل لإطلاق سراحه، وأبدى دلالات على الألم والضيق، صحيح أن بعض المشاركين رفضوا المتابعة، ولكن 65% من المشاركين استمروا بالعمل على أي حال حتى تطبيق أعلى جهد كهربائي ممكن.

وقد أثارت هذه الطريقة جدلاً حاداً منذ ظهورها، وكتب مليجرام في دراسته الأصلية عام 1963: “إن العملية تسببت في مستويات عالية للغاية من التوتر العصبي، ومن أعراض هذا الاضطراب العاطفي التي ظهرت في التجربة: التعرق الغزير، والارتجاف، والتلعثم. ولكن ظهرت دلالة أخرى غير متوقعة، ولم تُفسر حتى الآن، وهي إطلاق ضحكة عصبية بشكل منتظم”، وقد كان جميع المشاركين -سواء ممن تركوا التجربة باكراً أو تابعوا حتى النهاية- يشعرون بالانزعاج الشديد.

 

وعلى الرغم من أننا نميل إلى التعامل مع الروبوتات على أنها كالبشر، ونُبدي دلالات ضيق مشابهة لما رآه ميلجرام منذ عقود، إلا أن الباحثين كشفوا عن وجود عدة عوامل معقدة أخرى؛ إذ قد يتأثر قرارنا بإطفاء الروبوت المتوسِّل بسعر الروبوت أو نوعيته، وقدراته الاجتماعية (بالنسبة لاستخداماته) -وهو أحد العوامل التي تعرضت للتلاعب في الدراسة الألمانية- وحتى لون الآلة الذي يمكن أن يُنظر إليه على أنه دلالة عرقية أو إثنية. وقد وضَّح مؤلفو دراسة PLOS ONE بالمختصر المفيد: “عندما يتفاعل الناس مع أدوات ميديا مختلفة، فإنهم يتصرفون في أغلب الأحيان كأنهم يتفاعلون مع شخص آخر، ويطبِّقون مجموعة واسعة من القواعد الاجتماعية دون أن يدركوا ذلك”.

قد تبدو ردود الفعل هذه سخيفة أو بلا معنى، ولكن باحثي الذكاء الاصطناعي يشعرون بالقلق حول عواقب هذا الارتباط العاطفي بالروبوتات، خصوصاً أنها بدأت تدخل منازلنا، بل حتى حياتنا العامة. وقد كتب بارتنيك: “لا تتمتع الروبوتات الحالية بذكاء يبرِّر تشغيلها طوال الوقت، وهي -ببساطة- لا تكترث لذلك، صحيحٌ أن احترام ابتكاراتنا أمر واجب، ولكن يجب أن نتجنب التعرُّض للخداع بقصص الخيال العلمي”، ويكمل قائلاً إن أمازون إيكو لا تنتمي إلى عالم مسلسل Westworld للخيال العلمي، كما أن ناو ليس أحد شخصيات فيلم Blade Runner.

إذن فمن الجيد أن نشعر بالذنب عند صعق بشري من أقراننا، أما في حالة الروبوتات فيقول بارتنيك إن بإمكاننا أن نطفئها دون أدنى مشكلة.