هل يشكل انخفاض معدل الخصوبة العالمية لنسبة 50% تهديداً للبشرية؟

4 دقيقة
لماذا انخفض معدل الخصوبة في العالم لـ 50%؟
حقوق الصورة: Shutterstock.com/Ilya Lukichev

يواجه عالم اليوم تحديات مختلفة من حيث البيئة والأمن والغذاء والصحة نتيجة زيادة عدد السكان، لكن تحذرنا عدة أبحاث تم نشرها مؤخراً من أزمة عالمية قد تهدد مصير البشرية على المدى البعيد في حال تم إهمالها وعدم الالتفات لإيجاد حلول إسعافية لعلاجها، وتلك المشكلة هي انخفاض معدل الخصوبة على المستوى العالمي بنسبة 50%، وهي نسبة تدعو للحذر نظراً لاستمرارها في الانخفاض، لذا وجب التطرق لأسباب هذه النسبة ومناقشة أهم الاستراتيجيات التي يمكن اتخاذها للتصدي لهذه الظاهرة العالمية.

اقرأ أيضاً: ما مدى دقة اختبار الحمل المنزلي؟

ما هو معدل الخصوبة العالمية؟

يجب التفريق بين نسبة أو معدل الخصوبة العالمي ومعدل المواليد العالمي، ويمكن تمييزها كما يلي:

  • معدل الخصوبة: هو نسبة تعبّر عن إجمالي عدد الولادات الحية في السنة مقابل كل 1000 امرأة في سن الإنجاب.
  • معدل المواليد: وهو إجمالي عدد الولادات الحية لكل 1000 فرد من السكان.

يعد معدل الخصوبة معياراً أدق لمعرفة النمو السكاني العالمي، وتختلف هذه النسب بشكل كبير بين البلدان ويمكن اعتمادها كمؤشر فعّال للصحة الإنجابية العالمية، ولكن تحذر منصة أور ورلد إن داتا (Our World in Data) من تداعيات انخفاض هذه النسبة عالمياً.

انخفاض الخصوبة عالمياً

على الرغم من تخطي التعداد البشري العالمي 8 مليارات شخص، فهناك تراجع بطيء للنمو السكاني سيظهر أثره في العقود اللاحقة. وفقاً لدراسة حديثة أجراها معهد القياسات والتقييمات الصحية في جامعة واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية، وجدوا أنه بحلول نهاية القرن الحالي، ستنخفض معدلات الخصوبة العامة في 183 دولة إلى نسبة أقل من 2.1 ولادة لكل امرأة، وبمجرد انخفاض النسبة إلى أقل من 2 سيختل توازن الإنجاب مع تعداد السكان نظراً لعدم إنجاب الأم فردين يعوضان مكان الأب والأم في المجتمع بعد وفاتهما.

وهذا المعدل وصل لنسب أقل من 1.5 في 46 دولة، إذ تتراوح هذه النسبة من 1.3-1.8 في العديد من البلدان ذات الدخل المتوسط ​​مثل البرازيل وإيران والصين وتركيا والهند، ومن المتوقع أن يكون معدل الخصوبة العالمية هو 1.55 ولادة لكل امرأة في عام 2100.

اقرأ أيضاً: أمل جديد في علاج ضعف الخصوبة عند البشر

تتفق عدة دراسات على هذا الانكماش السكاني العام، وسيكون الأثر الأكبر له في آسيا وأوروبا، ومن أهم الدول التي من المتوقع انخفاض عدد سكانها إلى النصف بحلول عام 2100  نجد ما يلي:

  • اليابان.
  • تايلاند.
  • إسبانيا. 
  • إيطاليا.
  • البرتغال.
  • كوريا الجنوبية.

وشهدت البلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العقود الأخيرة تباطؤاً في النمو السكاني في القرن الواحد والعشرين، إذ انخفض معدل الإنجاب في هذه المناطق من نحو 7 أطفال في عام 1960 إلى 3 أطفال في عام 2006، وكانت لبنان الأولى في التراجع ثم تلتها مصر وتونس.

أسباب انخفاض الخصوبة الحالية

يُعزى انخفاض الخصوبة في العالم إلى انتشار تقنيات منع الحمل وتفضيل إنشاء العائلات الصغيرة وانتشار تقنيات الإخصاب المساعد التي مكّنت العائلات من اختيار جنس الطفل مع تفضيل الذكور، علماً أن هذا الموضوع مثير للجدل في الأوساط الدينية والاجتماعية بشكل عام.

ولكن هناك مجموعة متنوعة من الأسباب الأخرى التي ساهمت في هذا الانخفاض، ومن أهمها ما يلي:

جائحة كوفيد-19 

نشر الدكتور ليو بومار في دورية هيومن ريبرودكشن (Human reproduction) في عام 2022 بحثاً تضمن مجموعة من البيانات حول المواليد في أوروبا شهرياً، ولاحظ انخفاضاً بنسبة 14.4% في نسبة المواليد الأحياء في شهر يناير/ كانون الثاني عام 2021، أي بعد 9 أشهر من ذروة الجائحة والحجر الصحي الأول عندما قارنه بعدد المواليد الأحياء في الشهر نفسه عام 2018 و2019.

لا يمكن التسرع للاستنتاج بأن سبب انخفاض الخصوبة هو اللقاح أو الفيروس، لكن تأثير الجائحة واضح على المستوى العالمي بهذا الخصوص.

اقرأ أيضاً: كورونا يخفّض من الخصوبة لدى الرجال بعد الإصابة

زيادة معدلات العقم 

ويمكن أن يصيب هذا المرض الجهاز التناسلي لدى الذكور والإناث. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك 48 مليون زوج و186 مليون فرد يعانون من العقم عالمياً.

وقد يحدث العقم لدى الذكور عند توفر أحد الأسباب التالية:

  • انسداد في أقنية الجهاز التناسلي يؤثر على كفاءة إخراج السائل المنوي. 
  • الاضطرابات الهرمونية التي تؤثر على إنتاج الحيوانات المنوية.
  • فشل الخصية في إنتاج الحيوانات المنوية.
  • تعداد ووظيفة وجودة الحيوانات المنوية غير الطبيعي. 
  • قد يؤثر نمط الحياة غير الصحي مثل التدخين والسمنة وشرب الكحول على الخصوبة بشكل سلبي.
  • التعرض للملوثات والسموم البيئية.

بينما قد يصيب العقم الإناث في الحالات التالية:

  • انسداد قناتي فالوب. 
  • تعفن الدم بعد الولادة.
  • تشوّهات الرحم الخلقية أو المكتسبة نتيجة الالتهابات أو الأورام.
  • متلازمة تكيس المبايض والاضطرابات الأخرى التي تصيب المبيض مثل السرطانات التي تؤثر على وظائفه.
  • اضطرابات الغدد الصماء التي تحدث اختلالاً في الهرمونات التناسلية، وقد يكون سببها التعرض لمواد كيميائية

اقرأ أيضاً: ما أسباب العقم عند الذكور والإناث؟ 

أسباب أخرى لانخفاض معدل الخصوبة العالمية

بالإضافة للأسباب السابقة، تشير الباحثة ريتا باكشي المؤسِسة لمركز ريزا (RISAA) للإخصاب المساعد في الهند، إلى أن معدل الخصوبة ينخفض نتيجة زيادة التعليم والعمل وزيادة الوصول إلى وسائل منع الحمل، ومن الممكن أن تضم الأسباب الأخرى ما يلي:

  • زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة عالمياً.
  • زيادة تكاليف تربية الأطفال.
  • الصعوبات الاقتصادية.
  • انخفاض معدل وفيات الأطفال، وتحسن الرعاية الصحية.

ويذكر الدكتور أوداي مان في بحثه المنشور في دورية كارنت أوبينيون يورولوجي (Current Opinion Urology) في عام 2020، أن هناك انخفاضاً عالمياً في نسبة الحيوانات المنوية لدى الذكور حول العالم، وهذا الانخفاض مستمر منذ عام 1972، وازداد الانخفاض بنسبة 2.64% سنوياً منذ عام 2000، وهي ضعف نسبة الانخفاض السابقة. 

قد يكون نمط الحياة المعاصر سبباً لهذا الانخفاض، ولكن من الممكن أن تساعد التعديلات الإيجابية في نمط حياة الذكور ذوي نسب الحيوانات المنوية المنخفضة على زيادة فرص الحمل.

تداعيات انخفاض معدل الخصوبة

من الممكن أن يسبب انخفاض الخصوبة العالمي نشوء بلدان الشيخوخة وهي البلدان التي يشكل كبار السن (فوق 65 عاماً) معظم سكانها، وهذا سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد وأعمار التقاعد وكيفية احتساب الضرائب، وستعاني المجتمعات من نقص حاد في القوى العاملة الشابة ويتقلص المجتمع العالمي تدريجياً.

اقرأ أيضاً: ما أسباب تحجر البطن في الشهر التاسع من الحمل؟

الحلول المقترحة لعلاج انخفاض معدل الخصوبة العالمية

لا تعد مشكلة انخفاض معدل الخصوبة العالمي حديثة، بل تقوم عدة دول بالتخطيط والعمل لإيجاد حلول لهذه الظاهرة، فهي تسنّ القوانين التي تشجّع إنجاب عدد كبير من الأطفال وتزيد من عدد أيام إجازات الأمومة، وهناك حكومات تساعد في دعم المتزوجين حديثاً مادياً لزيادة تعداد السكان.

وتسعى الجهود الدولية لتوفير تقنيات الإخصاب المساعد لعدد أكبر من سكان العالم. وعلى الرغم من تقدم هذه التقنيات حول العالم، لا تزال غير متوفرة بشكل ميسور لمعظم السكان ذوي الدخل المنخفض والمتوسط.

وقد يكون العلاج الأبسط لهذه الحالة العالمية هو محاولة اتباع نمط حياة صحي، والابتعاد عن التدخين والبلاستيك، والقيام بالتمارين الرياضية، وتناول العناصر المغذية التي يحتاجها الجسم.

اقرأ أيضاً: ما مدى تأثير داء السكري على الخصوبة والإنجاب عند الذكور والإناث؟

لا نعلم تماماً ما ينتظرنا في المستقبل بخصوص تعداد السكان العالمي وانخفاض الخصوبة، لكن التصدي لهذه الظاهرة يمكن أن يبدأ على المستوى الشخصي من خلال الوعي لهذه الظاهرة والمحافظة على صحة بدنية سليمة، وترسيخ قيمة العائلة في المجتمع، فهي النواة التي يمكنها أن تعيد التوازن إلى العالم.