لو نظرت إلى الكون بعيني طفل، سترى الكثير من الظواهر الطبيعية التي اعتادها الكبار، ظواهر عجيبة تثير الفضول، مثل ذلك الضوء الباهر الذي يومض في كبد السماء وذلك الصوت المجلجل الذي يتبعه. وفعلاً، لنسأل كما يسأل الأطفال: كيف يحدث البرق والرعد؟ ولماذا يسبق أحدهما الآخر؟ وهل يمكن أن يقتل البرق شخصاً إن أصابه؟ وهل يجذب الهاتف المحمول البرق؟ ثم لندع العلم يجيب.
كيف يحدث البرق؟
البرق من أقدم الظواهر الطبيعية التي لوحظت على سطح الأرض، ولطالما تساءل الناس عن الكيفية التي يحدث بها، وقد ظنوا في العصور القديمة أن الآلهة الغاضبة هي مَن تلقي بالصواعق من السماء. لكنّ البرق في الحقيقة ليس سوى تفريغ مفاجئ للكهرباء الساكنة من عاصفة رعدية.
لا يحدث البرق في جميع أنواع الغيوم، وإنما غالباً ما يتشكل في نوع يُسمَّى المزن الركامية أو غيوم العواصف الرعدية، وهي سحب طويلة شاهقة الارتفاع، ما يسمح بوجود فروقات كبيرة بدرجات الحرارة في الأجزاء المختلفة من السحابة.
في الجزء الأوسط من السحابة، حيث تتراوح درجات الحرارة ما بين -15 درجة مئوية إلى -25 درجة مئوية، تتحرك تيارات الهواء سريعاً نحو الأعلى حاملةً معها قطرات الماء وبلورات جليدية، وفي الوقت نفسه، تميل حبيبات البَرد الناعمة وهي أثقل وزناً إلى السقوط نحو الأسفل أو تبقى معلقة في الهواء. تصطدم هذه الجسيمات في أثناء حركتها هذه مع بعضها بعضاً، ما يؤدي إلى انتقال الإلكترونات فيما بينها، فتتحول إلى جسيمات مشحونة بشحنات مختلفة. تتحرك الجسيمات المشحونة بشحنة موجبة إلى الجزء العلوي من السحابة، وتتحرك الجسيمات المشحونة بشحنة سالبة إلى الجزء الأوسط والسفلي من السحابة.
اقرأ أيضاً: كيف تتجنب الإصابة بالبرق؟
تؤثّر الشحنة المتراكمة في السحب على شحنة الأرض الموجودة تحت السحابة. عادةً ما تكون للأرض شحنة سالبة طفيفة، لكن ونتيجة التراكم الكبير للشحنة السالبة في منتصف وأسفل السحابة، يؤدي ذلك إلى تنافرها مع الشحنات السالبة الموجودة على الأرض وابتعادها. بالتالي، تصبح الأرض وأي جسم موجودة تحت العاصفة مشحونة بشحنة موجبة.
تسعى الطبيعة دائماً إلى موازنة هذا الاختلاف في الشحنات الكهربائية عن طريق تمرير تيار بين الشحنتين. فتبدأ صاعقة البرق النموذجية من السحابة إلى الأرض عندما تصبح الشحنة السالبة قوية بما يكفي للتغلب على القدرة العازلة للهواء.
وعندها، يحدث تسلسل معقد وسريع للأحداث قبل ضربة الصاعقة، حيث تبدأ سلسلة من الإلكترونات في الاندفاع بعيداً عن الشحنة السالبة في السحابة، وفق حركة تشبه قفزات قصيرة متلاحقة، حيث تتوقف وتتحرك، وأحياناً تتفرع، في محاولة للعثور على المسار الأقل مقاومة، وهو ما سيصبح قناة البرق التي سيندفع عبرها التيار. عندما تقترب الشحنات السالبة في خطوتها الأخيرة من جسم مشحون إيجاباً على الأرض، يقفز تيار موجب من الأرض ليقابلها. عندما يتصل الاثنان، يتدفق تيار كهربائي ناتج عن حركة الشحنات السالبة عبر قناة البرق، ويتدفق وميض مرئي من الأرض نحو الأعلى.
اقرأ أيضاً: كيف نعرف المسافة التي تفصلنا عن الموقع الذي رأينا البرق يضرب فيه؟
إذاً وعلى الرغم من أنّ البرق يتحرك من السحابة إلى الأرض، فالوميض المرئي الذي نراه ناتج عن ارتداد الطاقة من الأرض نحو السماء. يحدث هذا بسرعة كبيرة جداً، في بضعة آلاف الأجزاء من الثانية، لذلك لا ترى العين البشرية التكوين الفعلي لصاعقة البرق. لا يحدث البرق بين السحابة والأرض فقط، بل كثيراً ما يحصل التفريغ الكهربائي ضمن السحابة نفسها، أو بين سحابتين، أو بين السحابة والهواء.
بالإضافة إلى ذلك، قد يحدث أحياناً تفريغ كهربائي بين الجزء العلوي للسحابة المشحون بشحنة موجبة مع منطقة من الأرض مشحونة بشحنة سالبة، وهو ما يُعرف بالصاعقة الموجبة. ويُعتبر البرق الموجب هذا أكثر خطورةً من البرق السلبي آنف الذكر، لأن ذروة التيار الكهربائي غالباً ما تكون أقوى، ويستمر لمدة أطول، ما يجعله أيضاً أكثر عرضة لإحداث الحرائق.
كيف يحدث الرعد، ولماذا نرى البرق قبل سماع الرعد؟
البرق هو سبب حدوث الرعد؛ إذ تعمل الطاقة الهائلة الناتجة عن البرق على تسخين الهواء المحيط به في وقت قصير جداً إلى درجة حرارة تتراوح ما بين 16,000 فهرنهايت (9,982 درجة مئوية) إلى 60,000 فهرنهايت (33,315 درجة مئوية)، وهي أعلى بـ 5 مرات تقريباً من درجة حرارة سطح الشمس. هذا الهواء الذي سُخِّن بشدة، يصبح تحت ضغط مرتفع للغاية، ثم ما يلبث أن يتمدد إلى المنطقة المحيطة ويضغط الهواء المحيط به، مسبباً اضطراباً ينتشر في جميع الاتجاهات بعيداً عن صاعقة البرق. هذا الاضطراب هو موجة صدمة لا تلبث أن تتحول إلى موجة صوت عادية، وهو صوت الرعد الذي نسمعه بعد وقت قصير من رؤية وميض البرق.
يذكر أن الضوء يتحرك بسرعة كبيرة جداً في الهواء تبلغ نحو 300 ألف كيلومتر في الثانية، بينما تبلغ سرعة الموجات الصوتية في الهواء نحو 0,3 كيلو متر في الثانية. لهذا نحن نرى البرق قبل أن نسمع الرعد.
اقرأ أيضاً: هذا ما يحدث عندما لا يصطدم البرق بالأرض
هل يمكن أن يحدث البرق دون رعد؟
بعد توضيح كيف يحدث البرق والرعد، لنسأل: هل يحدث البرق دون رعد؟ في الواقع، لا يمكن أن يحدث البرق دون رعد، فالرعد هو نتيجة مباشرة للبرق. أما في حال رأيت البرق دون أن تسمع صوت الرعد، فهذا يعني أن الصوت كان بعيداً جداً لدرجة أنك لم تستطع سماعه. لكي تسمع الرعد، يجب أن تكون على مسافة أقل من 10 ميل (16 كيلومتراً) من صاعقة البرق. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للوقت الذي ينقضي ما بين رؤية البرق وسماع الرعد أن يخبرك بمدى بعد العاصفة عنك، فكل 5 ثوانٍ تحسبها ما بين البرق والرعد، تشير إلى بُعْد 1 ميل (1.6 كيلومتر) من صاعقة البرق. والقاعدة العامة أنه إذا كانت الفترة الزمنية ما بين البرق والرعد أقل من 30 ثانية، فالعاصفة الرعدية تكون قريبة بما يكفي لتشكل خطراً عليك.
هل يقتل البرق فعلاً؟
نعم، الصواعق البرقية تقتل.وفقاً لـ "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (Centers for Disease Control and Prevention)، في أميركا، فإنّ عدد حالات الوفاة التي حصلت بسبب الصواعق في أميركا من عام 2006 إلى عام 2021 كان 444 حالة وفاة.
وعلى الرغم من أن 10% فقط ممن أصابهم البرق في الولايات المتحدة قد قتلوا، فإن 90% ممن بقي على قيد الحياة قد عانوا من درجات مختلفة من الإعاقة. لذا يتوجب الابتعاد عن محيط الصواعق البرقية خلال حدوثها والاحتماء بأماكن آمنة.
هل الهاتف المحمول يجذب البرق؟
يعتقد العديد من الناس أن الهواتف المحمولة تشكل خطراً عند استخدامها في الهواء الطلق لأنها تحتوي على المعادن، والبرق ينجذب إلى المعادن. في الواقع لا ينجذب البرق إلى المعادن، ولا ينجذب إلى أي شيء، إلا أنه يميل إلى ضرب الأجسام الأطول، بالإضافة إلى أنّ المعدن هو وسط ناقل للكهرباء. وعموماً، فإن الهواتف المحمولة تحتوي على كميات قليلة من المعدن. بالتالي، غالباً ما يصاب الناس بصاعقة البرق لأنهم يتجولون في الخارج بالقرب من عاصفة رعدية، وليس لأنهم يحملون هواتفهم.
اقرأ أيضاً: مفاجأة علمية “صاعقة”: البرق على المشتري يشابه البرق على كوكبنا
ختاماً، إن سألك طفلك بعد اليوم كيف يحدث البرق والرعد، فها قد أصبحت تعلم الإجابة، ليست آلهة غاضبة ولا غيوماً تصطدم ببعضها، بل هي شحنات متعاكسة تتسارع للالتقاء.