هل يمكن الاستفادة من زراعة الأعشاب البحرية لزيادة استدامة الزراعة العالمية؟

صورة تحت مائية مقسّمة لحديقة الأعشاب البحرية في جزيرة نوسا بينيدا في مقطعة بالي الإندونيسية. دوداريف ميكايل

الأعشاب البحرية ليست مجرد نباتات لزجة تشعرك بالقرف عند لمسها في أثناء السباحة؛ إذ إنها تتمتع بميزات عديدة. تعتبر الأعشاب البحرية إحدى أكثر النباتات وفرة على الأرض. كما أنها تمثّل الغذاء الأساسي للملايين حول العالم، وتمتص الكربون من الغلاف الجوي، ويمكن استخدامها كبدائل للمواد البلاستيكية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الأعشاب البحرية كغذاء أكثر رفقاً بالبيئة للأبقار (وفقاً لبعض الأبحاث، تقل كمية الميثان في الغازات التي تطلقها الأبقار كلما ازدادت نسب الأعشاب البحرية في علفها).

يعتبر توسيع نطاق زراعة الأعشاب البحرية أحد أهم الحلول المحتملة لمشكلة انعدام الأمن الغذائي العالمي. ونظر الباحثون في دراسة جديدة نُشرت بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني 2023 في مجلة نيتشر ساستينابيليتي (Nature Sustainability) إلى الطرق التي يمكن تحقيق ذلك وفقها من زاوية جديدة.

الأعشاب البحرية كحل محتمل لمشكلة انعدام الأمن الغذائي العالمي

قال طالب الدكتوراة في جامعة كوينزلاند في أستراليا والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، سكوت سبيلياس (Scott Spillias)، في بيان صحفي: "وجدنا في الدراسة أن توسيع نطاق زراعة الأعشاب البحرية يمكن أن يساعد في التقليل من الطلب على المحاصيل التي تُزرع على البر والتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الزراعة على مستوى العالم بمقدار يصل إلى 2.6 مليار طن من مكافئ ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً"، وأضاف: "يمكن أن تكون لزراعة الأعشاب البحرية فوائد كبيرة على المستويين التجاري والبيئي نظراً لأن هذه النباتات تعتبر من الأطعمة المغذية ولأنها تُستخدم كمكون أساسي في صناعة المنتجات التجارية مثل أعلاف الحيوانات والمواد البلاستيكية والألياف ووقود الديزل والإيثانول".

استخدم الفريق نموذج إدارة المحيط الحيوي العالمي الذي طوّره المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية (IIASA)، والذي يقيّم المنافسة على نسب استخدام الأراضي بين قطاعات الزراعة والطاقة الحيوية والتشجير، وذلك للتنبؤ بآثار زراعة ما يزيد على 34 نوعاً من أهم الأعشاب البحرية التجارية. استخدم الباحثون هذا النموذج أيضاً للتنبؤ بالفوائد البيئية المحتملة في مجموعة واسعة من السيناريوهات اعتماداً على نسب استخدام المياه والأسمدة، وانبعاثات الغازات الدفيئة والتغيرات في استخدام الأراضي، والتغيرات المتوقعة في الأنواع المتوفرة من الأعشاب البحرية بحلول عام 2050.

المناطق الاقتصادية الحصرية

قال سبيلياس: "وجدنا في أحد السيناريوهات أنه يمكن تجنّب استخدام 1.1 مليون كيلومتر مربع من الأراضي للزراعة نتيجة استبدال نسبة 10% من الأطعمة في الأنظمة الغذائية للبشر حول العالم بالمنتجات التي تحتوي على الأعشاب البحرية"، وأضاف: "حددنا أيضاً ملايين الكيلومترات من الأراضي المتوفرة التي تقع ضمن المناطق الاقتصادية الحصرية، والتي يمكن استخدامها لزراعة الأعشاب البحرية".

اقرأ أيضاً: حزام قاتل من الأعشاب البحرية يمتد عبر المحيط الأطلسي

المناطق الاقتصادية الحصرية هي مناطق بحرية تتمتع فيها الدول ذات السيادة بحقوق خاصة فيما يتعلق باستكشاف الموارد البحرية واستخدامها. وفقاً للدراسة الجديدة، بلغت مساحة أكبر منطقة محيطية مناسبة لزراعة الأعشاب البحرية 1.14 مليون كيلومتر مربع، وهي المنطقة الاقتصادية الحصرية الإندونيسية. يمكن أيضاً استخدام المنطقة الاقتصادية الحصرية الأسترالية، والتي تأوي ما لا يقل عن 22 نوعاً من الأعشاب البحرية الصالحة للاستخدام التجاري، وتضم مساحة تبلغ نحو 750 ألف كيلومتر مربع من المحيط، والتي تعتبر مناسبة لزراعة هذه النباتات.

وفقاً لسبيلياس، لم تتم دراسة العديد من الأنواع الأصلية من الأعشاب البحرية التي تعيش في المياه الأسترالية من منظور متعلق بالإنتاج التجاري.

تطوير بعيد المدى للأعشاب البحرية

قال سبيلياس: "أنظر للموضوع من خلال التفكير بالأنواع التي تعتبر أسلاف المحاصيل التي تستخدم اليوم، مثل الذرة والقمح، والتي كانت أعشاباً غير مثيرة للاهتمام"، وأضاف: "من خلال تربية هذه الأنواع لآلاف السنين، تمكن البشر من تطوير المحاصيل الرئيسية التي تدعم المجتمعات الحديثة. ويمكن أن نفعل الأمر نفسه بالأعشاب البحرية".

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يكون بول البشر سماداً فعالاً لتعزيز نمو الأعشاب البحرية؟

تتضمن بعض المخاوف الرئيسية المتعلقة بتوسيع استزراع الأعشاب البحرية استخدام الحبال والمعدات الأخرى المستخدمة في تربية الأحياء المائية التي من المحتمل أن تعلق بها بعض الثدييات البحرية، وخطر تحول بعض الأنواع إلى أنواع غازية، وضمان استمرار وصول ما يكفي من ضوء الشمس إلى ما تحت سطح الماء.

يشير الفريق إلى أن توسيع إنتاج الأعشاب البحرية يجب أن يتم بحذر لتجنب الوقوع في المشكلات نفسها التي تعاني منها الزراعة على البر.

قالت الزميلة الباحثة في كلية علوم الأرض والعلوم البيئية في جامعة قطر والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، إيف ماكدونالد مادن (Eve McDonald-Madden)، في بيان صحفي: "تحدد دراستنا الإجراءات التي يمكننا اتخاذها لمعالجة بعض المشكلات المتزايدة التي نواجهها والمتعلقة بالاستدامة العالمية"، وأضافت: "لكن لا يمكن تنفيذ هذه الخطوات دون توخّي الحذر الشديد".