هل تكفي قراءة عشرات الكتب الورقية لتعويض البصمة الكربونية للقارئ الإلكتروني؟

5 دقائق
هل تكفي قراءة عشرات الكتب الورقية لتعويض البصمة الكربونية للقارئ الإلكتروني؟
الكتب المستعملة أو المستعارة هي الخيار الأفضل دائماً. حقوق الصورة: بيكسلز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ظهرت الكتب الإلكترونية التجارية (أو الكتب الإلكترونية) في أواخر التسعينيات، ومع تزايد شعبيتها بشكل مطرد على مر السنين، كان من السهل افتراض أن الكتب المطبوعة ستصبح شيئاً من الماضي. ولكن على الرغم من صعود الإنترنت وتحول المجتمع إلى أسلوب الحياة الرقمي، لا يوجد حتى الآن بديل عن شكل الكتاب الورقي وخصوصيته ومضمونه.

وفقاً لجمعية الناشرين الأميركيين، زادت مبيعات الكتب الورقية في جميع أنحاء البلاد بنسبة 2.7% بين عامي 2018 و2019، بينما تراجعت مبيعات الكتب الإلكترونية بنحو 4.2%. ومع ذلك، ليس هناك من ينكر أن القدرة على تخزين مئات الكتب على جهاز واحد أمر مفيد للغاية. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تخزين الكتب الإلكترونية على قارئ مخصص شيءٌ مفيد أكثر للبيئة من امتلاك أكوام من الكتب الورقية التقليدية. إذا كنت بصدد اتخاذ قرار يتعلق بالتحول إلى الكتب الإلكترونية أم لا، إليك بعض العوامل التي يجب عليك مراعاتها.

قد يساهم إنتاج الورق في إزالة الغابات

المكون الأساسي للكتب هو الورق، أي أن كتبك الورقية المفضلة ستكون مصنوعةً من لحاء الأشجار.

يقول جريجوري كيوليان، مدير مركز الأنظمة المستدامة في جامعة ميشيغان: «تنطوي عملية إنتاج الورق على قطع الأشجار واستخلاص لبها، ومن ثم عملية التبييض وتشكيل الورق والتجفيف والتقطيع أخيراً. تستهلك عملية صناعة الورق الكثير من الموارد المائية، وتنطوي على استخدام مجموعة متنوعة من المواد الكيميائية لفصل الألياف والتبييض، وينتج عن ذلك انبعاثات تلوث الماء والهواء». 

تخزن الأشجار الكربون وتساعد في التخفيف من أثر التغير المناخي. عندما نقطعها، سنتسبب بإطلاق المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. تضيف الخسارة العالمية للغابات الاستوائية نحو 4.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، حيث تلعب هذه الزيادة دوراً رئيسياً في ظاهرة الاحتباس الحراري. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن العديد من شركات الورق تحصد الأخشاب بشكل مستدام من مزارع الأشجار أو اللب التجارية، وليس من الغابات الطبيعية.

قالت جينيفر دن، المديرة المساعدة لمركز الاستدامة والمرونة الهندسية في كلية نورث وسترن ماكورميك للهندسة: «لتقليل التأثير البيئي لإنتاج الكتب، من المهم أن تأتي الأشجار من غابات تُدار بطريقة مسؤولة. وهناك عدد من أنظمة الشهادات التي تسعى جاهدة إلى تشجيع الإدارة المسؤولة والمستدامة للغابات».

يحصل جميع أعضاء الجمعية الأمريكية للغابات والورق تقريباً على ألياف الخشب من مصادر مستدامة. بالإضافة إلى ذلك، تم ترخيص نحو 95.4 مليون فدان من غابات البلاد بنظام واحد على الأقل لإصدار الشهادات الحرجية، والذي يضمن أن منتجات الغابات تأتي من الأراضي المدارة بشكل مستدام.

بالإضافة إلى الورق، تتطلب الكتب أيضاً مواد خام مثل البترول لإنتاج حبر الطباعة. هناك حاجة أيضاً إلى الوقود الأحفوري لنقل الكتب من التجار إلى المتاجر وفي النهاية إلى أيدي القراء في جميع أنحاء العالم.

اقرأ أيضا:

يتطلب تصنيع أجهزة القراءة الإلكترونية الكثير من الموارد الطبيعية

يتطلب جهاز إلكتروني، مثل القارئ الإلكتروني، استخراج المعادن الثمينة من الأرض، مثل النحاس والليثيوم والكوبالت. ويحتاج تصنيع قارئ إلكتروني واحد إلى نحو 14 كيلو جرام من المعادن.

 

يقول كيوليان: «لعمليات استخراج المعادن وتكريرها بهدف تصنيع الأجهزة الإلكترونية مجموعة واسعة من الآثار البيئية، من نفايات التعدين وتلوث المياه إلى تلوث الهواء الناجم عن الصهر».

مثل جميع الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، فإن أجهزة القراءة الإلكترونية تستهلك الكثير من الطاقة والمياه. وفقاً لدن، من الصعب في الواقع تحديد الكمية الدقيقة للطاقة اللازمة لإنتاج جميع أجزاء القارئ الإلكتروني، كما أن سلسلة التوريد الدولية تزيد من تعقيد العملية. تشير التقديرات إلى أن إنتاج قارئ إلكتروني واحد يحتاج نحو 100 كيلوواطاً ساعيّاً من الوقود الأحفوري و79 جالوناً من الماء، كما ينبعث منه 30 كيلوجراماً من ثاني أكسيد الكربون.

حتى بعد إنتاج قارئ إلكتروني، يحتاج الجهاز إلى طاقة لأنه يجب إعادة شحنه مراراً وتكراراً. وبافتراض أن القارئ الإلكتروني سيُستخدم لعقدٍ من الزمن، يمكنه استهلاك نحو 194 ميغا جول من الطاقة خلال هذه المدة. للمقارنة؛ تستهلك السيارة التي تعمل بالبنزين حوالي 142 ميغا جول لكل 100 كيلومتراً.

كما أن لتخزين وتنزيل البيانات من الإنترنت بصمة بيئية أيضاً. وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، شكل استخدام الكهرباء في مركز البيانات العالمي نحو 1% من الطلب العالمي الكلي على الكهرباء في عام 2020، وشكلت شبكات نقل البيانات ما بين 1.1 إلى 1.4% من استهلاك الكهرباء العالمي.

يقول كيوليان: «يتزايد استهلاك الكهرباء لتخزين المعلومات بمعدل أسي، وتعد بيانات الكتب الإلكترونية جزءاً من هذا الاتجاه. يجب علينا جميعاً إدراك أن لنقل كل كيلو بايت من البيانات والمعلومات عبر الإنترنت تأثير بيئي، لا سيما من استهلاك الكهرباء من الخوادم وأجهزة التوجيه في الشبكة».  

اقرأ أيضا:

يعتمد الخيار الأكثر ملاءمة للبيئة على عدد المرات التي تقرأ فيها

يتطلب كل من إنتاج الكتب ذات الأغلفة الورقية وأجهزة القراءة الإلكترونية الكثير من الطاقة والموارد الطبيعية. عند مقارنة تأثيرها على البيئة، فإن عدد الكتب التي يخطط شخص ما لقراءتها يعد عاملاً بالغ الأهمية. 

يقول كيوليان: «على أساسٍ كمي، إذا قارنت إنتاج كيلوجرام من الورق مقابل كيلوجرام من الأجهزة الإلكترونية، فإن القارئ الإلكتروني له تأثير بيئي أكبر بكثير. لكن فائدة القارئ الإلكتروني في تنزيل وقراءة كتب متعددة هي ميزة، حتى عندما تأخذ في الاعتبار الطلب على الطاقة أثناء الاستخدام وتخزين البيانات على الخوادم».

يكتب مايك بيرنرز لي، أستاذ الممارسة في مركز البيئة بجامعة لانكستر، في مقالٍ لدورية "نيو ساينتيست": «يحتاج القارئ إلى قراءة 36 كتاباً على الأقل (كتب ذات غلاف عادي يمكن إعادة تدويرها) قبل موازنة أثر القارئ الإلكتروني». كما وجد بيير أوليفييه روي، أحد كبار مستشاري الطاقة في المركز المرجعي الدولي لدورة حياة المنتجات والعمليات والخدمات (CIRAIG)، وهي مجموعة أبحاث الاستدامة ومقرها مونتريال، أنه قد يتعين على القراء النهمين التحول إلى الكتب الرقمية، خصوصاً إذا ما كانوا يقرؤون عشرات الكتب سنوياً. وتُظهر إحدى الدراسات التي أجريت عام 2017 أنه حتى الاستعاضة عن خمسة كتب ورقية تتكون كل منها من 360 صفحة كل عام بنسخٍ رقمية يمكن أن يقلل من احتمالية الاحترار العالمي. ووفقاً لـ CIRAIG، فإن هذه الكمية من الكتب تعادل نحو 9 كتبٍ أصغر سنوياً.

لكن هذه الأبحاث كانت تجرى منذ أكثر من عقدٍ من الزمن. فقد وجد تحليل يعود إلى عام 2009 أجرته مجموعة الأبحاث والاستشارات «كلين تك جروب» أن استبدال 22.5 كتاباً ورقياً في السنة يمكن أن يعوّض تأثير قارئ كيندل واحد. ووفقاً لتحليل أجراه معهد روتشستر للتكنولوجيا عام 2012، إذا كنت تقرأ نحو 60 كتاباً سنوياً، فقد يكون القارئ الإلكتروني خياراً صديقاً للبيئة أكثر. ويظهر تحليل آخر نُشر في صحيفة نيويورك عام 2010 أنه مع أخذ كل العوامل بعين الاعتبار، بما في ذلك الوقود الأحفوري واستهلاك المياه والمعادن والتأثير على ظاهرة الاحتباس الحراري، يجب على المرء قراءة نحو 100 كتاب لتعويض الأثر البيئي لقارئ الكتروني واحد.

بغض النظر عن تنسيق الكتاب الذي تفضله، ورقيّاً أم رقميّاً، من الضروري التخلص منها بشكلٍ صحيح. شكلت الكتب 0.2% من إجمالي النفايات الصلبة البلدية المنتجة في عام 2018 بواقع 690 ألف طن، بينما شكلت السلع الإلكترونية الاستهلاكية أقل من 1% بواقع 2.7 مليون طن

تقول دن: «هناك تحد بيئي آخر يفرضه القارئ الإلكتروني يتمثل بصعوبة إعادة تدويره في نهاية عمره الافتراضي، لذلك فإننا نفقد عموماً المعادن والمكونات الأخرى عالية القيمة التي تحتويها».

بشكلٍ عام، إذا كنت قارئاً نهماً، فقد يكون القارئ الإلكتروني، مثل قارئ كوبو، الخيار الأفضل. مع ذلك، فإن الخبراء يقولون إنه لا يزال بإمكانك تقليل بصمتك الكربونية من خلال إعارة الكتب الورقية أو التبرع بها، وشراء الكتب أو أجهزة القراءة الإلكترونية المستعملة بدلاً عن الجديدة منها، أو استعارة الكتب أو أجهزة القراءة الإلكترونية من مكتبتك المحلية.

اقرأ أيضا: