ما علاقة الموجات الزلزالية في باطن الأرض بتشكل القمر؟

الموجات الزلزالية
حقوق الصورة: ناسا.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عميقاً تحت إفريقيا ووسط المحيط الهادئ، توجد مجموعات من الألغاز الجيولوجية على عمق ما يقرب من 2,890 كيلومتراً، في قاع طبقة الوشاح. يستخدم العلماء عادةً الموجات الزلزالية الناتجة عن الزلازل لاستنتاج ما يحدث في باطن الأرض. لكن مثل هذه الموجات ليست مفيدة بشكل خاص في هذه المناطق، حيث تتباطأ الموجات الزلزالية كما لو كانت عالقة في مادة هلامية.

تسمى هذه المناطق، والتي يُحتمل أن يبلغ عرضها مئات الكيلومترات، مناطق “السرعة المنخفضة للغاية”، وحتى الآن، لا يعرف العلماء كيف تشكّلت. لكن فريق من الجيولوجيين خرج مؤخراً بفكرة جديدة، حيث وجدت مجموعة من علماء الجيولوجيا باستخدام عملية محاكاة لتشكّل هذه المناطق الغامضة أدلة تبين أن هذه المناطق هي في الواقع رقع من مواد قديمة عمرها مليارات السنين، غرقت في قاع طبقة الوشاح على مر السنين.

كيف تساعدنا مناطق السرعة المنخفضة للغاية في فهم ظروف الأرض المبكرة؟

نشر الباحثون النتائج التي توصلوا إليها في دورية “نيتشر جيوفيزيكس” في 30 ديسمبر/كانون الأول 2021. إذا كانت عمليات المحاكاة الخاصة بهم صحيحة، فإن هذه المناطق يمكن أن تساعدنا في فهم ظروف الأرض المبكرة.

يقول “مايكل ثورن“، عالم الجيولوجيا في جامعة يوتا، وأحد المؤلفين للدراسة الجديدة: “الأمر الذي يثير اهتمامي بشأن هذه المناطق هو أنها تمثّل سمات غريبة للغاية لأسفل طبقة الوشاح”.

لم يكن العلماء متأكدين من ماهية هذه المناطق بالضبط لسنوات، أو ما هو سبب تشكّلها. تقع هذه المناطق عند قاعدة طبقة الوشاح، على حافة اللب الخارجي للأرض. يعلم العلماء أن هذه المناطق كانت أكثر كثافة من الوشاح المحيط بها، لكن هذا أثار أسئلة أكثر مما قدم إجابات.

يقول ثورن: “يمكننا إيجاد هذه المناطق في العديد من المواقع المختلفة من الوشاح السفلي، لكننا ما زلنا لا نعرف إجابات العديد من الأسئلة الأساسية المتعلقة بها”. وفقاً لثورن، نحن لا نعرف ما هي مكونات هذه المناطق، أو حجمها، أو حتى مواقعها كلها.

يمكن أن نكتشف الإجابات عن بعض هذه الأسئلة من خلال معرفة كيفية تشكل هذه المناطق. قالت “سوريا باتشاي“، عالمة الجيوفيزياء في جامعة يوتا، وواحدة من مؤلفي الدراسة الجديدة، في بيان: “ترتبط الخصائص الفيزيائية لمناطق السرعة المنخفضة للغاية بمنشئها”.

لسوء الحظ، يعتبر منشأ هذه المناطق غامضاً مثل أي شيء آخر متعلق بها. يعتقد بعض العلماء أن هذه المناطق قد تكون مصدر الحمم البركانية التي تظهر في مناطق البراكين الكبيرة، وذلك لأنها تقع تحت البراكين في جزر هاواي وساموا في المحيط الهادئ. لكن العديد من هذه المناطق المعروفة الأخرى ليست قريبة من البراكين، لذلك لا يبدو هذا الكلام منطقياً.

اقرأ أيضاً: المياه في باطن الأرض تسبب الزلازل وموجات تسونامي

الموجات الزلزالية وبنية الأرض

اعتمدت معظم النظريات التي تحاول تفسير بنية هذه المناطق على افتراض أنها تتألف من طبقة واحدة من بعض المواد. لكن هذا لم يكن مؤكداً البتة، إذ كان يجب أن تمتلك مناطق السرعة المنخفضة للغاية ذات الطبقات العديدة خصائصاً مختلفة تماماً.

ركز كل من ثورن وباتشاي وزملاؤهما على منطقة واحدة من مناطق السرعة المنخفضة للغاية تقع في أعماق بحر المرجان، شمال شرق أستراليا، وهو موطن “الحيد المرجاني العظيم“. إنه موقع مثالي، لأن الزلازل تحدث بشكل متكرر هناك. تولّد هذه الزلازل الكثير من الموجات الزلزالية التي يمكن للعلماء استخدامها لتصوّر بنية باطن الأرض.

لكن إشارات الموجات الزلزالية التي لاحظوها، والآتية من نقاط تبعد آلاف الكيلومترات في عمق المحيطات، لم توفّر سوى صور ضبابية وغير مؤكدة لمناطق السرعات المنخفضة للغاية، لذلك لجأ العلماء إلى استخدام عمليات المحاكاة. لقد ابتكروا نماذج نظرية لباطن الأرض تتضمن هذه المناطق، وقاموا بمحاكاة الموجات الزلزالية التي تعبر خلالها لتحديد شكل تلك الموجات بالنسبة لمراقب موجود على أرضهم الافتراضية. قارن الباحثون النتائج التي توصلوا إليها بالأرصاد التي قاموا بها للموجات الآتية من أعماق بحر المرجان لمعرفة دقة النماذج، وذلك من خلال القيام بعمليات المحاكاة في ظل عشرات الظروف.

يقول ثورن: “إحدى أكثر الأمور المفاجئة هي أن سوريا وجدت أدلة تبين أن مناطق السرعات المنخفضة للغاية كانت متعددة الطبقات”.

تقابل أكثر الأرصاد توافقاً مع عمليات المحاكاة التي أجراها الفريق سيناريو ينص على أن مناطق السرعات المنخفضة للغاية ليست بطبقة واحدة فقط، بل إنها متعددة الطبقات. تقول باتشاي إن هذه الدراسة هي الأولى التي تبين نتائج مماثلة حسب علمهم.

تبين النماذج التي صممها الباحثون أيضاً أن الطبقات المتعددة هذه ليست منتظمة. هناك الكثير من عدم الانتظام في تركيبها وبنيتها. يعتقد الباحثون أن هذه الطبقات يجب أن تكون قد تشكلت في وقت مبكّر من عمر الأرض.

تقول باتشاي: “لا تزال هذه الطبقات غير متجانسة بما يكفي بعد 4.5 مليار سنة من التعرض للحمل الحراري في طبقة الوشاح”.

هل هذه الطبقات من بقايا اصطدام ثيا بالأرض؟

يعتقد الباحثون أن هذه الطبقات قد تكون ذات صلة بحدث كارثي وقع في مرحلة مبكرة من عمر الأرض. قبل 4.5 مليار سنة، اصطدم كوكب قزم يسميه البعض “ثيا” بالأرض، وهو الحدث الذي يُعتقد أنه ولّد كتلة من الحطام الذي تجمّع لاحقاً وشكّل القمر.

كانت الطاقة الهائلة الناجمة عن هذا الاصطدام كفيلة بنزع قطعة عملاقة من الأرض، كما أنها ولّدت كمية هائلة من الصخور المنصهرة التي تتخللها مختلف أنواع الغازات والبلورات. مع انخفاض درجة حرارة هذه الكتلة من الصخور وانسجام مكوناتها، مشكّلة طبقتي الوشاح والقشرة الأرضية، ربما غرقت بعض المكونات الأثقل تجاه القاع دون أن تختلط بباقي المكونات.

بالتالي، يمكن أن تكون هذه المواد هي الأساس الذي تشكّلت منه المناطق التي ندعوها مناطق السرعات المنخفضة للغاية اليوم. 

بالطبع، هذه مجرّد نظرية، وهي لا تخلو من العيوب. لكن بتجميع المزيد من البيانات عن مناطق السرعة المنخفضة للغاية، يقول الباحثون إنهم سيتمكّنون من معرفة الكثير عن طبيعة بحر الحمم القديم هذا.

يقول ثورن: “مع وجود كل هذه الأسئلة المتنوعة التي لا إجابة لدينا عنها، لا يزال هناك الكثير من الإمكانيات لاكتشافات جديدة، وهذا الأمر الذي يظل يجذبني لدراسة هذه المناطق”، ويضيف: “إمكانية إضافة المزيد من المعلومات الأساسية عن تركيب الأرض وطبيعتها”.