قد تكون الحواسيب القديمة مصدراً أفضل للمعادن من المناجم

3 دقائق
هناك الكثير من المعادن القيمة في النفايات الالكترونية المهملة

إن ذلك الهاتف الذي سقط في الماء ولا أمل في إصلاحه، وذلك التلفزيون الذكي الذي تحطم قطعاً حيث سيوجهان فيما بعد لمكب النفايات قد يكونان منجم ذهب محتمل بالفعل. أو لنكون صادقين: منجم نحاس محتمل! أو في يوم ما -لما نطور تكنولوجياتنا بما يكفي- منجما لليثيوم.

يعرف خبراء الاقتصاد بالفعل أننا عندما نرمي 44.7 طناً من النفايات الالكترونية كل عام، نرمي معها مليارات الدولارات من الموارد. غير أن تحديد كميات الذهب والنحاس والحديد والبلاستيك والمعادن الأخرى النادرة المطمورة في مقالب النفايات ومراكز إعادة التدوير لا يمثل إلا جزءاً من المشكلة فحسب. لأننا إن أخذنا الأمر من الجانب الاقتصادي، سنجد أن الجدوى المالية من استخراج هذه الموارد من مكبات النفايات بدل استخراجها تقليدياً من المناجم، قضية أخرى تماماً.

لكن دراسة علمية حديثة نشرت في مجلة علوم البيئة والتكنولوجيا هذا الأسبوع لديها الإجابة على هذا التساؤل، حيث أشارت إلى أن "التعدين الحضري" في النفايات الالكترونية عن النحاس والذهب أثبت بالفعل في الصين جدواه الاقتصادية والمالية أكثر من استخراج هذه المعادن من جوف الأرض.

ويقول المؤلف المشارك لهذه الدراسة جون ماثيوز: "إن معظم المقالات العلمية المنشورة في موضوع التخلص من النفايات تتناول الأمر من جانب أخلاقي: كيف لنا أن نستمتع بأجهزتنا الالكترونية دون إغراق الأرض بالنفايات؟. لكننا تناولنا الأمر في بحثنا هذا من ناحية اقتصادية، كيف يمكن للتكنولوجيات الحديثة الموجودة حالياً أن تساعد الشركات على استخراج المعادن القيمة والترّبح من هذه التدفقات المتزايدة من النفايات الالكترونية". ويقول جون، أن هذه المنهجية تسمى في الصين "الاقتصاد الدائري". ويعتقد جون وزملائه أنها الحل الحقيقي الوحيد لمواجهة المشاكل البيئية المتعلقة بالتخلص من النفايات الالكترونية.

ومع أن تدوير النفايات الالكترونية ليس أمراً جديداً وقد تم تنفيذه منذ فترة، إلا أن معلومة المقارنة بين تكلفة استخراج سبيكة من الذهب من النفايات الالكترونية وتكاليف استخراج سبيكة من الذهب من المناجم لم تكن متوفرة. لكن ومن خلال تفحص البيانات المسجلة في محطات التدوير الثمانية في الصين، وجد هؤلاء الباحثون، مع الأخذ بعين الاعتبار الإعانات المالية التي تقدمها الحكومة، أن استخراج المعادن من النفايات أرخص بثلاث عشرة مرة من استخراجها من المناجم. وحتى من دون أي إعانات حكومية، يظل "التعدين الحضري" مربحاً أكثر من التعدين التقليدي.

وهذه إشارة مشجعة بالفعل، نظراً لأن مناجم المعادن -بما في ذلك مناجم الذهب- أصبحت أكثر ندرة والمتطلبات التكنولوجية للأجهزة الالكترونية التي تستخرج الذهب أصبحت أكثر تعقداً وتكلفة.

ويشير المؤلف المشارك للدراسة شيانلاي تسنغ إلى أن استخراج كميات هائلة من الموارد من تحت الأرض وجعلها في مختلف أنواع المنتجات المصنعة فوق الأرض، عملية غير مستدامة على المدى الطويل.

"يعتبر التعدين الحضري أمراً ضرورياً وحيوياً إن أردنا استدامة الموارد البيئية مستقبلاً. وفي الوقت نفسه، نرى تزايد التفكير بالتعدين الحضري كحل للمشكلة البيئية المتفاقمة للنفايات الالكترونية" يقول تسنغ.

وبطبيعة الحال، لا زالت هناك العديد من التحديات الأخرى. يتمثل أحدها في صعوبة تفكيك الأجهزة الالكترونيات الحديثة وتجزئتها إلى مكوناتها الأساسية. ويتمثل التحدي الآخر في واقع أن استخراج المعادن من المناجم التقليدية جزء رئيسي من سلسلة التوريد الحالية، وكما هو معروف من الصعب استبدال المنهجيات القديمة بالحلول الحديثة.

وبهذا الصدد يقول ماثيوز "يكمن التحدي الذي يحول دون الاعتماد الواسع للتعدين الحضري في ضرورة التغلب على جمود المنهجيات الحالية؛ أما كيف يتم ذلك، فمن خلال العمليات الريادية التي تقودها الشركات الجديدة التي تعمل وفق نماذج عمل تجارية مبتكرة".

ويعتقد ماثيوز أن البلدان الأكثر احتمالاً لتبني التعدين الحضري للنفايات الإلكترونية ستكون اليابان وألمانيا والصين حيث تملك هذه البلدان كميات كبيرة من النفايات الالكترونية.

ويقول ماثيوز: "ومن المرجح أن تركز العمليات الأولى للتعدين الحضري على المعادن الأكثر قيمة مثل الذهب والفضة والنحاس. لكن في وقت لاحق سيتوسع النطاق ليشمل معادن أخرى مثل الليثيوم (من البطاريات) والمعادن النادرة؛ وفي نهاية المطاف ستخضع كل النفايات الالكترونية للتعدين الحضري، وسنجد أن كل المعادن المستعملة في تصنيع المنتجات الالكترونية تأتي من التعدين الحضري".

وما يؤكد كلام ماثيوز وجود عدة علامات مبشرة بالفعل نحو تقدم الإنسانية لتبني اقتصاد دائري مستقبلاً. حيث سيوفر التعدين الحضري المواد المعدنية الخام لكل شيء من تصميم المجوهرات الراقية إلى صناعة أجهزة إلكترونية جديدة. وحالياً يعمل الاتحاد الأوروبي على إنشاء قاعدة بيانات ترصد هذه الموارد على امتداد دورة الإنتاج بأكملها. فإن حصل ودخل هذا الاتجاه البيئي الأعمال التجارية للشركات -وظل فعالاً ومجزياً من ناحية اقتصادية- فهناك احتمال كبير بالفعل أننا سنشتري هواتف ذكية جديدة وفي نفس الوقت نعيد استخدامها ولا نضر البيئة.