لا وجود لما يسمى “كارثة طبيعية”

6 دقائق
لقد اعتدنا على رؤية صور كهذه، لمهمات إنقاذ خلال ما يسمى بالكوارث الطبيعية. ولكن السؤال؛ إلى درجة يمكن اعتبارها طبيعية؟

هناك طرق عديدة لوصف موجة الكوارث – كالأعاصير، وحرائق الغابات، والجفاف – التي اجتاحت أميركا الشمالية هذا الصيف، والتي لا يمكنك وصفها سوى بغير المسبوقة. على أي حال، يعتبر "إيرما" و"هارفي" أول إعصارين يصلان إلى اليابسة في الولايات المتحدة في العام نفسه من الفئة الرابعة (سرعة الرياح 130-265 كيلومتراً في الساعة، تتطاير أسطح المنازل والجدران الخارجية، سقوط الأشجار وانقطاع خطوط الكهرباء، حرمان السكان من تلقي المساعدات، يدوم انقطاع الكهرباء من أسابيع إلى أشهر).

يمكننا أن نصف هذه الأحداث بأنها مروعة، خاصة عندما تعلم بأن أكثر من 6 ملايين فدان من الأراضي – مليون منها في مونتانا لوحدها – قد احترقت خلال موسم حرائق الغابات هذا العام. كما أن أي شخص يولي الاهتمام إلى آثار الأعاصير ماريا، وهارفي، وإيرما لن يتردد بوصف هذه العواصف على أنها مدمّرة. وقد صارع حوالي 3.4 مليوناً من سكان بورتوريكو من أجل البقاء لأكثر من 7 أيام من دون كهرباء، ولا يزال أكثر من نصفهم لا يحصلون على مياه نظيفة. ولأول مرة منذ أكثر من 300 عام، لا نجد أحداً يعيش على جزيرة باربودا؛ فقد غادر جميع سكانها البالغ عددهم 94 ألف نسمة.

هناك العديد من الطرق لوصف كوارث هذا الصيف، ولكن أياً كان ما تدعون هذه الكوارث به، إياكم وتسميتها بالطبيعية. فعند الحديث عن الكوارث، ليس هناك شيء "طبيعي"؛ بمعنى أنه ليس هناك شيء محتوم.

إن معظم ما نسميه بالكوارث الطبيعية (الأعاصير القمعية، موجات الجفاف، الأعاصير الاستوائية) هي في الواقع طبيعية المنشأ، على الرغم من أن المساهمات البشرية قد تزيد من احتمال حدوثها أو مستوى شدتها، ولكنها ليست كوارث، بل هي مصادر للخطر. فإذا ضرب إعصار ما اليابسة حيث لا وجود للبشر فيها، فهو عندئذ لا يعد كارثة؛ وإنما ظاهرة جوية. أما الكارثة، فهي عندما يصادف مصدر طبيعي للخطر وجود تجمع بشري معين، وفي كثير من الأحيان، يكون هذا التقاطع الجغرافي بعيداً عن كونه طبيعياً.

كم من هذه الأزمات يمكن تجنبها؟
مصدر الصورة: وكالة الجمارك ومراقبة الحدود الأمريكية

عندما يصادف مصدر طبيعي للخطر وجود الجنس البشري

عند النظر إلى المجتمعات المحلية في هيوستن الأكثر تضرراً من الإعصار هارفي، فإن جزءاً كبيراً من هذا الضرر لم يكن التكهن به ممكناً فحسب، بل كان متوقعاً. في العام 2016، نشرت المؤسسة الإخبارية غير الربحية "بروبابليكا" مقالة مفصلة توضح فيها كيف يؤدي غياب التخطيط إلى ترك سكان المدينة عرضة بشكل لا يصدق لمخاطر الأعاصير.

سمحت سلطات المدينة لأحياء بأكملها أن ترتفع أبنيتها في المناطق التي كان فيلق المهندسين في الجيش الأمريكي على علم بأن المياه ستغمرها عند هطول أمطال غزيرة. وكان تقرير صدر في العام 1996 قد حثّ مقاطعة هاريس، حيث تقع هيوستن، على اتخاذ خطوات للحد من المخاطر، ولكن تم تجاهله. كان هارفي ظاهرة جوية شديدة التأثير، هذا صحيح، ولكنها لم تكن لتتحول إلى كارثة لولا ضعف البنية التحتية وغياب التخطيط السليم.

لم تكن هيوستن وحدها من يفتقر لبعد النظر، فهناك عدد متزايد من المنازل التي يجري بناءها في مناطق تعتبر معرضة بصورة خاصة لاندلاع الحرائق. على مدى السنوات العشرين الماضية، استقر نحو 250,000 شخص داخل حدود "المنطقة الحمراء" من ولاية كولورادو لوحدها.

تشجع المناطق الحمراء على إنشاء عقارات جذابة، فعلى الرغم من استعدادها لنشوب الحرائق – وذلك لأسباب مختلفة – إلا أنها جميلة في بعض الحالات، وتتميز في كثير من الأحيان بأسعارها المشجعة. كما أن هناك ذلك الاعتقاد الأميركي الجدير بالذكر؛ والذي يقول: ينبغي لنا أن نتمكن من العيش حيث نريد، ولتذهب المخاطر إلى الجحيم.

ولكنك إن قمت عن سابق معرفة ببناء منزلك في مسار قطار متحرك، فإن أغلب الناس لن تصف الاصطدام الذي لا مفر منه عندئذ على أنه حادث.

لنكن واضحين، لا يمكن إلقاء اللوم على أي شخص – أو مجموعة من الأشخاص – على ما يحل به من نكبات. فالعديد منهم يعيشون في مناطق محفوفة بالمخاطر لأن المخاطر لم تكن واضحة بالنسبة لهم، أو لأن هذه المناطق لم تصبح محفوفة بالمخاطر إلا نتيجة مساهمة الإنسان الإضافية في تغيير المشهد الطبيعي لها.

لا شك أن وفرة الأموال تمثل أحد العوامل، فقد عانت بورتوريكو من عرقلة السياسات التي صعّبت الأمر على هذا الإقليم الأميركي لكي يتمتع بالقدرة على سداد الأموال، حيث لم تتمكن من إيلاء الأولوية للاستثمار في البنى التحتية. وفي بعض الأماكن، دفعت السياسة الحكومية الناس إلى البحث عن أراض مهمّشة، ما أجبرهم على التماس سبل عيشهم في أماكن مستعدة بشكل جزئي لمواجهة الكوارث.

عندما ضرب الإعصار ساندي مدينة نيويورك على سبيل المثال؛ كانت بعض التجمعات السكنية الأكثر تضرراً متواجدة على شبه جزيرة روكواي. كما يشير اسمه (طريق الصخور)، كان الموقع منذ منشئه عبارة عن حاجز مرجاني بطول 18 كيلومتراً تقريباً، حيث يقع خليج جامايكا على أحد جانبيه، والمحيط الأطلسي على الجانب الآخر. شبه الجزيرة هذه يجعلها منطقة جاذبة للعواصف الاستوائية، ومهيئة لوقوع الكوارث في أي لحظة: فإجلاء السكان عملية صعبة، خاصة لمن لا يملك وسيلة نقل. ومع ذلك، قامت المدينة بشكل متعمد بدفع الفقراء، والمعوقين، وكبار السن للانتقال إلى هذه الأرض المحاطة بالمياه.

يقول لورنس كابلان في كتابه "بين المحيط والمدينة": "عزلة روكواي ومساحاتها المفتوحة دفعت المسؤولين الحكوميين إلى اعتبار المنطقة مكاناً ملائماً لنقل الأقليات الفقيرة من وسط المدينة". ويضيف: "إن الكثيرين من هؤلاء السكان الجدد، المستفيدين من المساعدات الحكومية، لم يأت إلى روكواي بإرادته، وإنما قامت السلطات المحلية بتوجيههم إلى هناك". قبلت الوكالات الحكومية ببساطة الإجراءات التقييدية والعنصرية التي عمّت في أجزاء أخرى من المناطق الحضرية، ولم تبذل أي جهد لمواجهتها".

يذكر كابلان في كتابه أنه بالرغم من أن روكواي لم تكن تؤوي سوى ما يعادل 0.05% من إجمالي سكان مقاطعة كوينز، فقد أصبحت موطناً لما يزيد على 50% من مساكنها المدعومة. وفي السنوات التي تلت تلك المرحلة، قد تقوم المقاطعة أيضاً ببناء دور لرعاية المسنين على طول الشاطئ، ومنازل جماعية لمن أفرج عنهم مؤخراً من المصابين بالأمراض العقلية. قامت المدينة عن سابق علم بوضع عدد من سكانها الأكثر ضعفاً على الأرض التي يحتمل أنها الأكثر خطورة. جرى الحديث عن الدمار الذي خلفه الإعصار ساندي كما لو أنه كان طبيعياً؛ كما لو أنه كان أمراً محتوماً، ولكنه بلا شك ليس كذلك.

إن المكان الذي نختاره للعيش، والأسلوب الذي نتبعه في اختيارنا هذا (كما هو الحال في هذه الجزيرة بالقرب من برلين) يؤثران على إمكانية تحول مصدر طبيعي للخطر إلى كارثة.
مصدر الصورة: ديبوزيت فوتوز

إفساح المجال للأنهار

في الواقع، هناك مستوى من الأخطار الطبيعية لا يمكن تجنبه. يكاد يكون مستحيلاً وجود مكان على سطح الأرض محصن ضد كافة الأخطار الطبيعية: الزلازل، الفيضانات، الأعاصير الاستوائية، الأعاصير القمعية، العواصف الثلجية، موجات الجفاف، ...إلخ. ولكننا عندما نقول عن كارثة ما إنها طبيعية، فإن ذلك يعفينا من مغبّة القيام بأي شيء للوقاية من أسوأ آثارها. يتيح لنا هذا التصنيف لنوع الكارثة أن نتجنب التخطيط لمواجهة الأخطار المحتملة، وأن نتظاهر بأن التصادم المروع بين الناس وقوى الطبيعة هو أمر لا مفر منه.

بالرغم من تراث هيوستن مع الفيضانات، ليس لديها مناطق مصنفة على أنها مناطق إجلاء في حال حدوث فيضان ما. يعد إجلاء مدن كبيرة عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة، ولكن تقسيم مدينة ما إلى مناطق على أساس أنماط الفيضانات التاريخية يمثل حلاً جزئياً لتلك المشكلة. حيث يمكن للناس المتواجدين في مواقع معرضة لخطر الفيضانات بدرجة منخفضة أن يبقوا في مواقعهم، في حين يمكن لأولئك المتواجدين في مواقع معرضة للخطر بدرجة أعلى أن يغادروا إما إلى مواقع أقل خطورة داخل المدينة، أو مغادرتها بشكل كلي إن توفرت لديهم الوسائل لذلك.

حتى خلال الإعصار هارفي، لم تتعرض مناطق هيوستن للفيضانات بنفس القدر. لو قامت المدينة بإنشاء مناطق قبل الإعصار، لتمكن المسؤولون ربما من تشجيع الأحياء التي كان غرقها شبه مؤكد للانتقال إلى أماكن يرجح أن تكون آمنة نسبياً. وبالتالي؛ لم يكن من الضروري القيام بعددٍ من عمليات الإنقاذ الخطرة التي نفذت من على الأسطح. وكذلك الحال بنسبة لموت أولئك الذين غرقوا داخل غرفهم العلوية وهم ينتظرون وصول المساعدة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا تتخذ كل الدول موقفاً مماثلاً من اللامبالاة بشأن أخطارها الطبيعية.

الكلمة الفرنسية المقابلة للاسم "هولندا" هي Pays-Bas، وهي عبارة تعني حرفياً "الدولة المنخفضة"؛ إشارة إلى توضّع دولة عند مستوى سطح البحر أو أدنى منه. وهي دولة تشتهر بوجود نظام معقد من السدود، والذي تمكن حتى اليوم من إبقاء المياه في الخليج، والحفاظ على سكانها آمنين تقريباً من وقوع الكوارث.

في العامين 1993 و1995، ضربت سلسلة من العواصف الشديدة مدينة نايميخن الهولندية التي يبلغ عمرها حوالي 2,000 سنة، وهددت ذلك الشعور بالأمان الذي دام لسنوات طويلة. تم إجلاء البشر والحيوانات، ولكن السدود بقيت صامدة في مكانها. تم تجنب الكارثة، ومع ذلك، لا زال السكان يقدّرون عالياً أهمية البنية التحتية لديهم. فلمواجهة المخاطر المتزايدة الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر المرتبط بالتغير المناخي، لا تكتفي المدينة بزيادة ارتفاع سدودها فحسب.

بل يقومون أيضاً بنقل مواقعها إلى الخلف، مستهدفين بشكل أساسي إنشاء حوض فيضي يسمح للنهر بالتعرج وتغيير شكل مساره. تخطط هولندا لمواجهة ما لديها من مصادر الخطر، وتجنب الوقوع في طريقها، خلافاً لما تقوم به الولايات المتحدة.

يذكر الكتاب "ليس هناك شيء اسمه كارثة طبيعية: الأعراق، الطبقات الاجتماعية، وإعصار كاترينا" في مقدمته: "على مدى العقود الخمسة الماضية أو نحو ذلك، كان علماء الاجتماع المهتمين بدراسة الكوارث يحتجون على وصف الكوارث بأنها ’’طبيعية‘‘، وإنما هي بنظرهم أحداث لها منشأ اجتماعي، تتأثر بالخصائص الديموغرافية والاجتماعية الاقتصادية، والمعايير الاجتماعية الثقافية، ومظاهر التحيز والتعصب، بالإضافة إلى القيم".

إنها ملاحظة ينبغي لنا جميعاً أن نأخذها في الاعتبار، بما أن كوارث هذا العام أخذت تتلاشى من ذاكرتنا، حيث يستغرق الأمر على الأرجح مدة أقصر بكثير مما يحتاجه أولئك المنكوبين حتى يتعافوا من جديد.