هذه العوامل تسببت بحدوث التغيرات المناخية الكبرى في الماضي

3 دقائق
الغلاف الجليدي, بحر, تلج, بيئة, علوم

شهدت الأرض خلال ملايين السنين الماضية عدة فترات ارتفع فيها مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مع ارتفاع درجة الحرارة. كيف يمكن تفسير حدوث ذلك في ظل عدم وجود مصدر لغاز ثاني أكسيد الكربون مثل حرق الوقود الأحفوري الذي ينجم عن النشاط البشري اليوم؟

يُعد حرق الوقود الأحفوري وفقد الغطاء النباتي عوامل تتسبب في إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء. كما ينتج النشاط البشري المبذول في حرق الوقود الأحفوري ما يقرب من 40 مليار طن من الغاز سنوياً، ويبقى الغاز ويتراكم في الغلاف الجوي لمئات وحتّى آلاف السنين. في الواقع، منذ استخدامنا للفحم والنفط كوقود، أي منذ حوالي 300 عام، ارتفعت كمية ثاني أكسيد الكربون في الهواء بمقدار النصف تقريباً.

وبغض النظر عن الانبعاثات التي نضيفها، فإن تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء ترتفع وتنخفض كجزء من دورة الكربون الطبيعية التي تحدث نتيجة للتفاعل بين الغلاف الجوي، وكل من المحيطات والعمليات الحيوية على الأرض (المحيط الحيوي)، بالإضافة لنشاط الأرض الجيولوجي.

التغيرات الطبيعية في غاز ثاني أكسيد الكربون

ترتفع تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون وتنخفض قليلاً سنوياً مع بدء نمو النباتات في فصل الربيع والصيف، ويتوقّف نشاطها وموتها في الخريف والشتاء. يرتبط توقيت هذا الارتفاع والانخفاض الموسمي بفصول نصف الكرة الشمالي، حيث توجد النسبة الأكبر من اليابسة على كوكب الأرض.

اقرأ أيضا: كيف تؤثر التضاريس على المناخ؟

وتلعب المحيطات أيضاً دوراً نشطاً في دورة الكربون، مما يسهم في اختلاف تراكيزه على مدى بضعة أشهر، وحتّى إبطاء التغيرات الكبيرة عليه على مر القرون. تمتص مياه المحيطات غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء في عملية التبادل الغازي، وتستخدمه الأحياء البحرية الصغيرة مثل النباتات والعديد من الكائنات البحرية المجهرية في عملية التركيب الضوئي، وصنع الأصداف على التوالي. عندما تموت هذه الكائنات الدقيقة، يُحتجز الكربون معها ويبقى في قاع البحر.

يمتص المحيط الحيوي (النظم البيئية على الأرض وفي التربة) والمحيطات حوالي نصف إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن البشر، ويبطئ ذلك عملياً عملية التغير المناخي. ولكن، ومع استمرار تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة المحيطات، فليس من الواضح هل سيستمر المحيط الحيوي والمحيطات في امتصاص هذا الجزء الكبير من انبعاثاتنا أم لا، حيث تقلّ قدرة مياه المحيطات على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون مع ارتفاع درجة حرارتها. كما يؤدي التغير المناخي تدريجياً إلى ازدياد اضطراب النظم البيئية، بالتالي تقلّ قدرتها على القيام بعملية التمثيل الضوئي التي تستخلص غاز الكربون من الغلاف الجوي.

اقرأ أيضا: كيفية الاستفادة من صدف البحر.

تاريخ مناخ الأرض

اختلف مناخ الأرض وتركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء بشكلٍ كبير في فتراتٍ زمنية مختلفة؛ تتراوح بين مئات وآلاف السنين. حيث تنطوي دورة الكربون طويلة المدى على النشاط الجيولوجي مثل؛ تشكّل قشرة سطح الأرض وتحللها، ونشوء السلاسل الجبلية وزوالها، والنشاط البركاني طويل الأمد، وحتى نشوء جبالٍ جديدة في المحيط.

يتواجد معظم الكربون المخزّن في قشرة الأرض في هيئة حجر جيري نشأ من هياكل أصداف الكائنات الحيّة البحرية؛ والتي تتكوّن من الكربون أساساً، حيث بقيت في قاع المحيط منذ ملايين السنين.

ينبعث غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء عندما تنفجر البراكين، بينما تمتّصه عملية تآكل الصخور والجبال وتشكّلها. تستغرق هذه العمليات عادة ملايين السنين لإضافة أو امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

في الوقت الحالي، تتسبب البراكين بالقليل من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، حوالي 1% فقط مما يسهم به النشاط البشري حالياً. ولكن كانت هناك أوقات في الماضي كان النشاط البركاني أكبر بكثير، وتسبب بانبعاثاتٍ هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء. على سبيل المثال، حدث ذلك منذ حوالي 250 مليون سنة، حيث أدى النشاط البركاني الذي استمر لحوالي مليوني سنة إلى زيادة مستويات الكربون في الغلاف الجوي بشكلٍ كبير، وتسبّب في حدوث انقراض جماعي.

في الماضي الجيولوجي الأقرب، أي على مدى 50 مليون سنة ماضية تقريباً، انخفضت مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون تدريجياً بشكل عام وبدأ المناخ يبرد مع حدوث بعض الارتفاعات والانخفاضات القليلة. وبمجرّد أن أصبحت تراكيز غاز ثاني أكسيد الكربون منخفضة بما فيه الكفاية (حوالي 300 جزء في المليون) بين مليوني إلى ثلاثة ملايين ونصف سنة مضت؛ بدأت دورة العصر الجليدي الحالية، لكّن الاحترار الذي تسببه الانبعاثات الناجمة عن النشاط البشري يؤثّر على ميل المناخ نحو التبرّد الطبيعي.

بالرغم من أن المناخ قد تغير بشكلٍ كبير في الماضي، إلا أن ذلك كان يحدث ضمن مقياس زمني كبير يتوافق مع التغيرات الجيولوجية للأرض. في الواقع، يُعتبر الكربون الموجود في النفط والفحم الذي نحرقه هو غاز ثاني أكسيد الكربون الذي امتصته النباتات والأحياء الأخرى على مدى مئات ملايين السنين؛ ثم ترسّب من خلال العمليات الجيولوجية خلال آلاف السنين. عملياً، لقد أحرقنا قسماً كبيراً منه خلال القرون القليلة الماضية.

إذا استمرت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون التي يتسبب بها النشاط البشري في الزيادة خلال هذا القرن؛ فقد تصل تراكيزه إلى مستوياتٍ غير مسبوقة لم تشهدها الأرض منذ عشرات ملايين السنين، حينها كان مناخ الأرض أكثر دفئاً ومستويات البحر أعلى بكثير، وكانت الطبقات الجليدية غائبة.

اقرأ أيضا: تغيّر المناخ سوف يزيد تكلفة القهوة ويجعل طعمها أسوأ.

المحتوى محمي