نعرف طريق الفضاء جيداً: رحلة الأقمار الصناعية في الوطن العربي

5 دقائق
شاهين سات
شاهين سات. الصورة: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية

عرف البشر طريق الفضاء لأول مرة عبر القمر الصناعي «سبوتنيك 1»؛ والذي أطلقه الاتحاد السوفييتي عام 1957، نجاح مهمة «سبوتنيك 1» شجعت البشرية على اتخاذ خطوات أكثر جديةً نحو الفضاء، فكانت رحلة أول إنسان إلى الفضاء حظي بها يوري غاغارين من الاتحاد السوفييتي عام 1961، وبالطبع زادت طموحات البشر لأبعد من ذلك، فكانت رحلة أبولو 11؛ والتي تمكن فيها رواد الفضاء الأميركيين من الوصول إلى القمر والسير على سطحه عام 1969، والآن هناك أكثر من 500 رجل وامرأة وصلوا إلى الفضاء، وحظَوا بوقت جيد هناك.

قطاع الفضاء العالمي

منذ عام 1957، دارت الأقمار الصناعية حول الأرض منذ عام 1957، وذهبت المسابر والمركبات الفضائية لمسافات أبعد من ذلك، وفي مهام علمية مختلفة، وحصل البشر على معلومات غزيرة حول الشمس والكواكب والأجرام السماوية، والكون أيضا -وإلى الآن- يحلل العلماء تلك المعلومات والبيانات من تلك الرحلات لفهم أكبر وأعمق عن الفضاء وتطور الحياة في الكون، والظواهر الكونية المختلفة.

لم يكن الغرض من اتجاه البشر إلى قطاع الفضاء إشباعَ الفضول؛ بل إن غزو البشر للفضاء صار أمراً حتمياً لحماية الحياة على كوكبنا. تمكنت الأقمار الصناعية من إمدادنا بالكثير من المعلومات عن أحوال المناخ وتغيراته ، وساهمت الرحلات الفضائية في فهمنا للنيازك والمذنبات؛ والتي قد يشكل بعضها خطراً على كوكبنا. إضافةً إلى ذلك، فإن العديد من التقنيات الحديثة نشأت في البداية للاستخدام في الفضاء، ومن ثم تطورت إلى استخدامها في الحياة اليومية، وأبرز تلك التقنيات كاميرا الهواتف المحمولة.

الآن يحظى قطاع الفضاء العالمي بالكثير من الاستثمارات المتنامية، وبلغ حجم اقتصاد الفضاء في العالم نحو 400 مليار دولار خلال عام 2019، وترجح التوقعات نموَّه ليصل إلى 1.1 تريليون دولار عام 2040، و2.7 تريليون دولار بحلول عام 2050.

تاريخ الفضاء العربي

سلطان بن سلمان آل سعود. أول رائد فضاء عربي. الصورة: الهيئة السعودية للفضاء

كانت هناك مشاركة فاعلة للعديد من الدول العربية في مجال الفضاء وسيتم ذكرها فيما يلي:

مصر

بدأ اهتمام العرب بقطاع الفضاء مبكراً، دخلت مصر علوم الفضاء الأساسية عام 1905، حين بدأ العمل لرصد ومتابعة الفضاء عن طريق منظار 30 بوصة في مرصد حلوان، لتصبح بذلك أول دولة في أفريقيا والشرق الأوسط تحلق بعلوم الفضاء الأساسية، ومن نفس المرصد لعبت مصر لعبت دوراً مهماً في نجاح مهمة أبولو 11؛ أمدّ المرصد وكالة ناسا بمعلومات حيوية في رسم الخرائط القمرية، بجانب مرصد في اليابان وفرنسا. أيضاً؛ كان العالم المصري فاروق الباز هو سكرتير لجنة اختيار موقع الهبوط على سطح القمر في ناسا خلال مهمة أبولو 11 أول هبوط للبشر على سطح القمر.

السعودية

ومن مصر إلى المملكة العربية السعودية؛ والتي كان لها السبق العربي في إسهامها بـ 30 عالِماً سعودياً في التحضير لرحلة المكوك الفضائي ديسكفري التابع لوكالة ناسا عام 1985، وطار في هذه الرحلة رائد الفضاء سلطان بن سلمان آل سعود، ليصبح أول مواطن سعودي، وأول عربي، وأيضاً أول فرد من العائلة المالكة يسافر إلى الفضاء. بجانب هذا الإنجاز؛ كانت المملكة من أبرز مؤسسي المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية «عربسات» عام 1976، وأطلقت من خلال المؤسسة أول قمر صناعي عربي «عربسات أيه 1» عام 1985، أيضاً دشنت المملكة في منتصف الثمانينات معهد بحوث الطيران والفضاء في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية «كاكست» بناءً على التقرير الذي رفعه الفريق السعودي المشارك في رحلة ديسكفري بعد استكمال المهمة.

الإمارات

ساهمت العديد من الدول العربية في قطاع الفضاء؛ ومن أبرز تلك الإسهامات مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»؛ والذي انطلق في مهمته عام 2020 كأول مسبار عربي يصل إلى المريخ، ولتصبح الإمارات خامس دولة عالمياً في الذهاب إلى المريخ، ومن الإمارات إلى المغرب والجزائر وتونس والعراق وقطر والكويت باتت الأقمار الصناعية العربية تجوب الأرض تارةً للإتصالات والبث، وتارةً أخرى للبحث والرصد والبحث العلمي.

الأقمار الصناعية وأهميتها

كيف يعمل محرك الصاروخ
Shutterstock.com/3Dsculptor

يزخر قطاع الفضاء العربي بالعديد من الأقمار الصناعية وذلك لكثرة استخدامها، ولأنها تظل محوراً مهماً في تطور قطاع الفضاء؛ على الأقل بالنسبة للدارسين في هذا المجال، ولفهم أكبر عن الأقمار الصناعية؛ دعنا نلقى نظرةً شاملةً سريعةً عليها.

الأقمار الصناعية كثيرة الاستخدامات، لذا يختلف حجم الأقمار الصناعية باختلاف مهمتها وحسب الغرض الذي صُنعت له، فيمكن أن يكون القمر الصناعي بحجم صغير يتجاوز حجم راحة اليد قليلاً، ويُستخدم لإجراء بعض التجارب البسيطة، ويمكن أن يكون كبيراً بحجم عرض ملعب كرة القدم ويقدم خدماتٍ متقدمةً ومتطورة. 

بالنسبة للأجزاء الرئيسية للأقمار الصناعية، فتتكون بشكل مختصر إلى جزأين رئيسيين؛ حيث يتمثل الجزء الأول في المركبة الفضائية وهو الهيكل العام للقمر، ويحتوي على الأنظمة الأساسية لتشغيل القمر كأنظمة الاتصالات، وأنظمة التحكم، والأنظمة البرمجية، وأنظمة الطاقة، والجزء الثاني فهو حمولة القمر؛ وهي الحمولة التي توضع على المركبة الفضائية وتحدد الهدف الأساسي من استخدام القمر. على سبيل المثال؛ إذا أردنا تصنيع قمر لأهداف تصوير الأرض فإن الحمولة في هذه الحالة تكون عدسة توضع على المركبة الفضائية.

أما فيما يتعلق بأنواع الأقمار الصناعية، فيمكننا تقسيمها إلى عدة أنواع حسب الغرض من استخدامها؛ النوع الأول: أقمار الاستطلاع وتصوير الأرض، وتوضع هذه الأقمار على المدار القريب من الأرض نظراً لاستخدامها في رصد المناخ والحرائق والاستطلاعات المناخية المختلفة، وهناك أقمار الملاحة؛ وهي أقمار تُستخدم لأغراض الملاحة والتتبع، وتوضع هذه الأقمار على المدار المتوسط من الأرض، وهناك أقمار الاتصالات؛ والتي تُستخدم لتقديم خدمات الاتصالات والإنترنت والبث التلفزيوني، وتوضع هذه الأقمار على المدار البعيد من الأرض.

الأقمار الصناعية العربية: المملكة السعودية نموذجاً

Shutterstock.com/Inna Bigun

لم تقف الدول العربية عند استخدام الأقمار الصناعية في مجالات الاتصالات والبث التلفزيوني؛ بل كان هناك الكثير من الأقمار الصناعية العربية التي اهتمت بأغراض البحث والرصد، وتُعد السعودية نموذجاً بارزاً في صناعة وإطلاق الأقمار الصناعية العربية متعددة الأغراض، فمنذ عام 2000 أطلقت المملكة 17 قمراً صناعياً عبر مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية «كاكست»؛ وهي  كالتالي: 

1- القمران الصناعيان «سعودي سات 1 أ» و«سعودي سات 1 ب» عام 2000.

المهمة: استقبال وتخزين البيانات ثم إرسالها إلى المحطات الأرضية.

2- القمر الصناعي «سعودي سات 1 ج» عام 2002.

المهمة: أُرسلت به حمولة لنقل البيانات، وحمولة لنظام راديو الهواة، بالإضافة إلى ترقية الأنظمة المستخدَمة سابقاً.

3- القمر الصناعي «سعودي سات 2» عام 2004.

المهمة: حمولة تصوير مصغَّرة، ونظام استشعار ثلاثي المحاور للتحكم بكامل أجزاء القمر، وحمل عجلات لتوجيه القمر حسب متطلبات المهمة.

4-  القمران الصناعيان «سعودي كومسات 1» و«سعودي كومسات 2» عام 2004.

المهمة: تتبُّع الممتلكات ونقل البيانات.

5- القمر الصناعي «سعودي سات 3» عام 2007.

المهمة: درء مخاطر السيول، والتخطيط العمراني.

6- منظومة أقمار نقل البيانات «سعودي كومسات 3، 4، 5، 6، 7» عام 2007.

المهمة: تطوير نظام متقدم لاستقبال البيانات المعيارية لملاحة السفن التجارية، وتعقبها حول العالم بنظـام «AIS» كأول قمر صناعي يحمل هذا النظام في العالم.

7- القمر الصناعي «سعودي سات 4» عام 2014.

المهمة: إجراء تجربة علمية فيزيائية بالأشعة فوق البنفسجية في الفضاء؛ وهي التجربة التي شاركت فيها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية «كاكست»، وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» وجامعة سـتانفورد الأميركية.

8- مهمة استكشاف الجانب غير المرئي من القمر «تشانغ إي 4» عام 2018.

المهمة: بناء حمولة نظام تصوير بدقة تتفاوت من 60 متر/بكسل إلى 60 متر/بكسل عنـد الارتفاعات 650 كم - 450 كم.

9- القمران الصناعيان «سعودي سات 5A» و«سعودي سات 5B» عام 2018.

المهمة: تنفيذ نظام متكامل للاستشعار الكهروضوئي بشقيه الفضائي والأرضي عبر أنظمة متقدمة للتصوير الكهروضوئي.

10- القمر السعودي للاتصالات SGS1 عام 2019.

المهمة: تأسيس شبكة اتصالات ذات سرعات عالية على النطاق العريض «Ka - Band» كخطة استراتيجية وطنية لتلبية قطاعات المملكة.

11- القمر الصناعي شاهين سات 2021.

المهمة: تصوير الأرض وتتبع السفن.

حقبة الفضاء العربي

طب النانو في المنطقة العربية
Shutterstock.com/ixpert

يمكن القول أن الوطن العربي يشهد حقبةً زمنيةً جديدةً في قطاع الفضاء، فقد أعلنت مصر في وقت سابق عن البدء في تشييد مدينة فضائية عالمية تقع على مساحة 123 فداناً؛ تتضمن أيضا افتتاح مركز «تجميع واختبار الأقمار الصناعية» العام المقبل، وأيضاً أعلنت الإمارات عن نيتها في إطلاق أول بعثة عربية للقمر، بينما تستعد السعودية للكشف عن استراتيجية للفضاء؛ والتي تقوم على عدد من المشاريع في محاور متعددة؛ مثل إنشاء شركة متخصصة في الفضاء، وتأسيس برنامج تمويل للمشاريع الناشئة والبحثية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتحفيز الابتكار.

ختاماً؛ يمكن القول أن  الفترة الراهنة على مستوى الوطن العربي تحمل  الكثير من التقدم والبحث العلمي في مجال الفضاء  بشكل عام، والأقمار الصناعية بشكل خاص؛ مما يمكّن دول وطننا العربي من المنافسة العالمية في مجال الفضاء، ودفع استثمارات جديدة والتحرك بخطوات ثابتة نحو الأمام لمستقبل يلامس النجوم ويكتشفها أيضاً.