العلماء يؤكدون أخيراً أن أورانوس محاط بغيوم من الغازات الكريهة

2 دقائق
لنذهب في زيارة

في بعض الأحيان، يؤكد العلم أموراً نعرف صحتها من قبل، مثل أن قلة النوم تسبب تعكير المزاج والأداء السيء في العمل، أو أن تناول الخضار يفيد الأمعاء، أو أن أورانوس محاط بغيمة من الغازات كريهة الرائحة.

نشرت النتائج الجديدة حول غيمة أورانوس في مجلة Nature Astronomy، وهي ليست بالمفاجأة الكبيرة بالنسبة لمن أمضوا وقتاً طويلاً في تفحص أورانوس عن كثب. فمنذ فترة تزيد عن السنة، قال مجموعة من علماء الكواكب، في مقابلة مع ريان ماندلبوم من جيزمودو، أن الرائحة الأساسية لهذا العملاق الجليدي تتألف بشكل أساسي على الأرجح من الأمونيا وكبريتيد الهيدروجين. يعتبر كبريتيد الهيدروجين سبب الرائحة الكريهة للبيض المتعفن، ولكنه أيضاً يترافق مع الغازات التي يطلقها الجسم البشري.

غير أن العلماء لم يتمكنوا من تحديد وجود هذه الجزيئات النتنة بشكل مباشر حتى الآن. حيث قام مؤلفو الدراسة بتفحص ضوء الشمس المرتد عن أورانوس باستخدام مرصد جيميناي نورث ذي الفتحة بقطر 8 أمتار في هاواي. تمكن العلماء من تحديد الجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي عن طريق تفحص الضوء المرتد في المجال تحت الأحمر، حيث أن المكونات المختلفة تمتص وتصدر أطوالاً موجية مختلفة، ما يؤدي إلى ظهور أثر مميز ويمكن التعرف عليه، إن كنت تعرف عم تبحث بالضبط، بشكل يشبه تفحص بصمة مميزة لهذه المكونات الجزيئية. يقول العلماء أنهم تمكنوا بالكاد من تأكيد وجود الآثار التي كانوا يبحثون عنها، حتى مع استخدام تلسكوب جيميناي شديد الحساسية، والذي يعمل في ظروف صافية ومثالية في موقعه في ماونا كيا في هاواي. وعلى الرغم من أنه لم يتمكن أحد من تشمم هذه الرائحة، فقد تمكن للعلماء الآن من تحديد مكوناتها بدون شك.

يقول المؤلف باتريك إيروين من جامعة أوكسفورد في تصريح صحفي: "الآن، وبفضل البيانات المحسنة لخط الامتصاص (شكل بياني يوضح امتصاص الأمواج الضوئية المختلفة) لكبريتيد الهيدروجين، والطيف الرائع لتلسكوب جيميناي، حصلنا على البصمة التي مكنتنا من القبض على المجرم".

لم يكن إيروين وزملاؤه يبحثون فقط عن الروائح النتنة في كافة أرجاء النظام الشمسي، لأن العلماء يهتمون بمكونات جميع الأجرام السماوية التي تساعدنا على فهم تطور الكواكب، ولا يحصرون تركيزهم بالمركبات التي تتمحور حولها النكات الصبيانية. وعلى سبيل المثال، تظهر الاكتشافات الجديدة لكبريتيد الهيدروجين في أعالي الغلاف الجوي لأورانوس اختلافاً جذرياً عن المشتري وزحل. ففي تلك الكواكب، يعتبر الأمونيا الجليدي أكثر انتشاراً في الغيوم المرتفعة. وعلى الرغم من أن المشتري وزحل ونبتون وأورانوس تنتمي جميعاً إلى فئة العمالقة الغازية، فإن أورانوس ونبتون ينتميان إلى فئة فرعية تسمى بعمالقة الجليد، وهي تتميز بخصائص فيزيائية مختلفة.

ليس اختلاف الكواكب بالأمر المستغرب، وهو يقترح ببساطة أنها تشكلت في درجات حرارة مختلفة ومواقع مختلفة، ما يعني اختلاف المواد الأولية التي دخلت في تشكيلها. غير أن التساؤل حول ما أوصل المشتري مثلاً إلى وضعه الحالي، أو ما أكسب أورانوس كل هذه النتانة، يندرج في إطار تساؤل أوسع: ما هي الشروط التي تحدد مصير الكوكب؟ ما هو سيناريو تشكل النظام الشمسي؟ ما الذي يمكن أن نعتبره عادياً وما الذي يمكن أن نعتبره نادراً؟ تتراكم كل هذه التساؤلات الصغيرة لتشكل السؤال الأهم: ما هو عدد الكواكب المشابهة لكوكبنا، وما هو احتمال احتوائها على الظروف المثالية لظهور الحياة كما نعرفها؟

لا بأس إن كنت تفضل إلقاء النكات النتنة على التعرف على طبيعة الوجود، وسنشبع فضولك على أي حال، ونشير إلى أن غازات أورانوس، على الرغم من رائحتها المقرفة، ليست أسوأ ما في هذا الكوكب.

يقول إيروين في تصريح صحفي: "إذا تمكن بشري ما، بتعاسة حظه، من الوصول إلى غيوم أورانوس، فسوف يواجه ظروفاً مثيرة لأقصى درجات الاشمئزاز. ولكن من حسن الحظ أنه سيلقى حتفه قبل أن تأخذ الرائحة مفعولها الكامل، وذلك بفضل الاختناق والتعرض لحرارة تبلغ 200 درجة مئوية تحت الصفر في غلاف جوي مؤلف في معظمه من الهيدروجين والهيليوم والميثان".