كيف ستؤثّر اصطدامات الكويكبات في الرحلات المستقبلية إلى المريخ؟

3 دقيقة
كيف ستؤثّر اصطدامات الكويكبات في الرحلات المستقبلية إلى المريخ؟
سيكون التصوير المجسم من أدوات مسبار ملتقي الكويكبات القريبة من الأرض (NEAR) المهمة للتحليل الجيولوجي لكويكب إروس، وذلك لأنه يوفر بيانات ثلاثية الأبعاد عن تضاريس الكويكب والبنى فيه. تمكن رؤية هذه الصورة المجسمة باستخدام نظارات حمراء وزرقاء لتوفير نظرة مجسمة لإروس. أنشأ الخبراء هذه الصورة المجسمة من الصور الملتقطة بتاريخ 14 و15 فبراير/شباط 2000، التي تبين الجزء نفسه من إروس من منظورين مختلفين قليلاً. يبلغ عرض أصغر سمة مرئية 30 متراً. لم يكن موضع المركبة الفضائية مثالياً لالتقاط صور مجسمة، لكنه سيصبح أفضل خلال الأيام القليلة القادمة، ما سيوفر رؤية ثلاثية الأبعاد أوضح. جامعة جونز هوبكنز/مختبر الفيزياء التطبيقية من خلال وكالة ناساكوكب المريخ
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمسح علماء الفلك السماء منذ سنوات لفهرسة ما يسمى "الأجسام القريبة من الأرض" وتتبّعها، وهي كويكبات ومذنبات تقترب من مدار كوكبنا أو تتقاطع معه. يحضّر البشر أنفسهم أيضاً لحماية الأرض من أحداث الاصطدام الكارثية المحتملة؛ إذ إنه على سبيل المثال، نجح العلماء في حرف مدار الكويكب ديمورفوس في مهمة اختبار إعادة توجيه الكويكبات المزدوجة (DART) التي أجريت في عام 2022 بهدف إثبات أن التكنولوجيا يمكن أن تساعد على إبعاد الصخور الفضائية الخطيرة عن الأرض.

اصطدامات الكويكبات بكوكب المريخ وأهميتها

لكن الكويكبات منتشرة في أنحاء المجموعة الشمسية جميعها، وليس فقط بالقرب من الأرض. لذلك، ليس غريباً أن تشهد الكواكب الأخرى أحداث الاقتراب مع قطع ضالّة من الركام الكوني، أو حتى أحداث الاصطدام بها. يهتم العلماء بصورة خاصة بإمكانية وقوع هذه الأحداث على كوكب المريخ المجاور للأرض؛ إذ تخطط الوكالات الفضائية لإرسال البشر إلى هذا الكوكب في العقود المقبلة. ألقى العلماء في ورقة بحثية جديدة قُبلت للنشر في مجلة الإشعارات الشهرية لرسائل الجمعية الفلكية الملكية (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society Letters) نظرة على الكويكبات التي تمثّل تهديداً للكوكب الأحمر، وتبين الورقة أن عدد الكويكبات التي يحتمل أن تمثّل مصدر خطر على هذا الكوكب يبلغ ضعفين ونصف من عدد تلك التي قد تمثّل خطراً على الأرض.

اقرأ أيضاً: ما الفوائد العلمية لجلب عيّنات من المريخ؟ وما التحديات التي تواجه العملية؟

تبدو هذه النتيجة منطقية حدسياً عندما تفكّر بالموضوع؛ إذ إن المريخ أقرب بكثير من الأرض إلى حزام الكويكبات، وهو المورّد الرئيسي للحطام الصخري في المجموعة الشمسية. ليس غريباً أن يشهد كوكب أقرب إلى المصدر عدداً أكبر من هذه الأحداث. يقول عالم الفلك في مرصد ساحل أزور الفرنسي (مرصد كوت دازور) الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، أليساندرو موربيديلي: "من المعروف أن عدد الأجسام التي يتقاطع مدارها مع مدار المريخ أكبر من نظيره للأرض".

الكويكبات الكامنة المخاطر على المريخ

نظر الفريق البحثي في الورقة الجديدة في الكويكبات الكامنة المخاطر على وجه التحديد. تنتمي هذه الكويكبات إلى مجموعة فرعية من الأجسام القريبة من الأرض (أو الأجسام القريبة من المريخ في هذه الحالة)، وهي كبيرة بما يكفي لتشكل خطراً على الكوكب وتتبع مساراً يقترب من مسار الكوكب المعني كثيراً. يقول عالم الفلك في جامعة نانجينغ والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية الجديدة، يوفان تشو: "نتوقع أن عدد الكويكبات حول المريخ [التي يحتمل أن تكون خطيرة] أكبر من نظيره للأرض، وتؤكد عمليات المحاكاة العددية في ورقتنا هذه التخمينات". وفقاً لعمليات المحاكاة التي أجراها الباحثون، يبلغ عدد الكويكبات الكامنة المخاطر التي قد تقترب من المريخ 17 ألف كويكب، بينما يبلغ عدد الكويكبات التي قد تقترب من الأرض نحو 4,700 كويكب فقط.

توصل تشو وزملاؤه إلى أن علماء الفلك قد يتمكنوا من رصد أكثر من 52 كويكباً من الكويكبات الكامنة المخاطر التي قد تقترب من المريخ سنوياً، ولك أن تتخيل كم سيكون مثيراً أن نتمكن من رؤية كويكب يضرب كوكباً قريباً (أو على الأقل يقترب منه) دون أي خطر على كوكبنا. مع ذلك، هناك تفصيل مهم، رصد هذه الأجسام صعب للغاية لأنها صغيرة ومظلمة في الفضاء الشاسع. يقول عالم الفلك في جامعة ويسترن في مقاطعة أونتاريو الكندية، بيتر براون: "عموما، لا يعلم العلماء الكثير عن مجموعات الكويكبات المريخية الكامنة المخاطر بسبب عدم اكتمال عمليات رصدها؛ إذ إنها أبعد عن الأرض وسطياً ورصدها صعب للغاية كما يبين مؤلفو الدراسة الجديدة".

صعوبة رصد هذه الأجسام

على الرغم من صعوبة رصد هذه الأجسام، اكتشف علماء الفلك أكثر من 26 ألف كويكب من الكويكبات التي يتقاطع مدارها مع مدار المريخ من الأرض، وتتمتع أغلبيتها بأحجام كبيرة قياساً بالأحجام الوسطية للكويكبات.

ستكون التلسكوبات الماسحة العملاقة التي ستبدأ العمل في السنوات القليلة المقبلة، وخاصة مرصد فيرا روبين (Vera Rubin Observatory) الذي سيستخدمه العلماء لمسح السماء بأكملها كل 3 ليال، مفيدة بصورة خاصة لاكتشاف الكويكبات الجديدة، سواء كانت من الأجسام القريبة من الأرض أو الكويكبات المريخية الكامنة المخاطر أو كويكبات أبعد في المجموعة الشمسية.

يعمل علماء الفلك أيضاً على تطوير تلسكوبات فضائية تتمثل مهمتها الأساسية في البحث عن الكويكبات الخطيرة القريبة من الأرض، مثل التلسكوب الماسح للأجسام القريبة من الأرض (Near-Earth Object Surveyor) المقرر إطلاقه في أواخر عام 2027. يركز تشو على جهود البشرية الأشمل في الفضاء، ويسهم في توسيع مجال دراسة الكويكبات الخطيرة ليشمل تلك التي تهدد المريخ أيضاً. يقول تشو: "مع زيادة تواتر الرحلات البشرية إلى المريخ في المستقبل، قد يأخذ العلماء التهديد الذي تمثّله الكويكبات الكامنة المخاطر التي قد تقترب من هذا الكوكب بجدية أكبر".

اقرأ أيضاً: تقنية زراعية قديمة قد تساعد على توفير الطعام للبشر على المريخ

مشكلة لم يحن وقت حلها بعد

مع ذلك، يختلف بعض علماء الفلك مع هذا الرأي، ويعتقدون أن الكويكبات المريخية الكامنة المخاطر هي مشكلة لم يحن وقت حلّها بعد. يقول عالم الفلك في جامعة ويسترن والعضو في فريق مرصد التلسكوب البانورامي الماسح ونظام الاستجابة السريعة (Pan-STARRS) الذي يهدف للبحث عن الأجسام القريبة من الأرض، روب ويرِك: "يجب تركيز جهود اكتشاف الكويكبات هذه على الأرض لأن الكويكبات التي تقترب منها هي تلك التي تشكل خطراً على موطن البشر. ستشهد الأرض حدث اقتراب خطير في المستقبل؛ إذ يتوقع العلماء أن يقترب الكويكب أبوفيس (Apophis) من كوكبنا في عام 2029 إلى نقطة أقرب إلى السطح من أغلبية أقمار الاتصالات الاصطناعية التي تدور حول الأرض.

على الرغم من أن استكشاف المريخ من أحلام الخيال العلمي المستقبلية الممتعة، يجب أن نولي الأرض الأولوية سواء من خلال السعي لحل مشكلة التغير المناخي أو حرف مسارات الكويكبات، حتى نضمن أن نعيش لنشهد هذا المستقبل.