تعرف على تاريخ كيبلر وإنجازاته العلمية بعد استهلاكه لآخر ما لديه من وقود

4 دقائق
منظر تخيلي من الكوكب كيبلر 10 بي، وهو كوكب يدور حول واحد من النجوم التي يراقبها كيبلر، والبالغ عددها 150,000 نجم.

لطالما تساءل البشر على مر القرون حول احتمال وجود كواكب أخرى مثل الأرض تدور حول نجوم بعيدة، واحتمال أن تكون بعض هذه العوالم البعيدة موطناً لأشكال غريبة من الحياة، أو تتميز بتاريخ أو مستقبل مميز. ولكن لم يتوصل الفلكيون إلى اكتشاف أوائل الكواكب التي تدور حول نجوم شبيهة بالشمس خارج النظام الشمسي لأول مرة إلا في العام 1995.

وقد شهد هذا العقد -على وجه الخصوص- تزايداً في عدد الكواكب التي اكتشفنا أنها تدور حول نجوم بعيدة من أقل من 100 إلى ما يزيد عن 2,000، إضافة إلى 2,000 كوكباً محتملاً آخر في انتظار تأكيد اكتشافها. وتعود معظم هذه الاكتشافات الجديدة إلى مجهود واحد وحسب، وهو: بعثة كيبلر من ناسا.

ما زال عدد الكواكب الخارجية المؤكدة يتزايد باطراد.
مصدر الصورة: ناسا/ مركز أيمز البحثي/ ويندي ستينزل وجامعة تكساس في أوستن آندرو فانديربيرج، جميع الحقوق الأدبية محفوظة.
يستطيع العلماء أن يحددوا نصف قطر الكوكب بقياس عمق الخفوت ومعرفة حجم النجم.
مصدر الصورة: مركز أيمز البحثي التابع لناسا، جميع الحقوق الأدبية محفوظة

وكيبلر هي مركبة فضائية تحوي تلسكوباً بقطر متر واحد (ولهذا يشار إلى كيبلر أحياناً على أنه مركبة فضائية، وأحياناً أخرى أنه تلسكوب)، وهو ينير كاميرا رقمية بدقة 95 ميجابكسل وبحجم صينية خَبز الحلوى. وقد قام هذا النظام باكتشاف التغيرات الصغيرة في سطوع 150,000 نجم بعيد، والبحث عن دلالات عن كوكب يحجب جزءاً من النجم أثناء عبوره خط نظر التلسكوب (ما بين التلسكوب والنجم). وتبلغ حساسيته حداً يمكِّنه من اكتشاف ذبابة تئز حول أحد مصابيح الشوارع في شيكاغو من مداره فوق الأرض، ويمكن لهذا التلسكوب أن يرى النجوم تهتز وترتج، ويمكن أن يرى البقع النجمية واللهب النجمي، وإذا كانت الظروف مناسبة فإنه يستطيع أيضاً أن يرى كواكب صغيرة بحجم القمر.

وقد أحدثت اكتشافات كيبلر الكثيرة ثورةً في فهمنا للكواكب والأنظمة الكوكبية، غير أن المركبة الفضائية استهلكت كامل وقود الهيدرازين من خزاناتها، ودخلت رسمياً في مرحلة التقاعد. ومن حسن حظ متعقبي الكواكب أن بعثة "تيس TESS" من ناسا انطلقت في أبريل، وستتولى مهمة البحث عن الكواكب الخارجية.

تجهيز المركبة الفضائية كيبلر في مرحلة ما قبل الإطلاق في 2009.
مصدر الصورة: ناسا/ تيم جيكوبز، جميع الحقوق الأدبية محفوظة

تاريخ كيبلر

ظهرت الفكرة الأولية لبعثة كيبلر في بداية الثمانينيات على يد العالم بيل بوروكي من ناسا، الذي تلقَّى لاحقاً مساعدة من ديفيد كوش، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أية كواكب معروفة خارج النظام الشمسي. وتم تجميع كيبلر أخيراً في بدايات القرن الجديد، ومن ثم أُطلق في مارس من عام 2009. وقد انضممت شخصياً إلى فريق كيبلر العلمي في 2008 (بصفتي مبتدئ مصاب بالذهول طوال الوقت)، ووصلت في نهاية المطاف إلى إدارة المجموعة التي تدرس حركة الكواكب مع جاك ليسور.

كان من المفترض أن تدوم البعثة لثلاث سنوات ونصف، مع احتمال تمديدها لفترات إضافية بقدر ما يسمح به الوقود، أو الوضع الفني للكاميرا أو المركبة الفضائية بشكل عام. ومع مرور الوقت، بدأت أجزاء من الكاميرا تتعطل، ومع ذلك تابعت البعثة عملها. ولكن في 2013 بعدما تعطل اثنان من أنظمة الاستقرار الجيروسكوبية الأربعة (التي تسمى فنياً بدواليب العطالة)، تم إنهاء بعثة كيبلر الأصلية.

توصل علماء ناسا إلى كيفية استخدام الضغط الشمسي للحفاظ على استقرار كيبلر.
مصدر الصورة: مركز أيمز التابع لناسا/ و. ستينزل، جميع الحقوق الأدبية محفوظة

ولكن، حتى في هذه الحالة، تمكنت ناسا بشيء من الابتكار من استخدام ضوء الشمس المنعكس للمساعدة على توجيه المركبة الفضائية. أُعيد تسمية البعثة بالاسم كي 2، وتابعت العمل على اكتشاف المزيد من الكواكب لخمس سنوات إضافية. أما الآن، ومع نفاد الوقود، فقد انتهى صيد الكواكب، وستُترك المركبة الفضائية لتطوف بحرية في النظام الشمسي. تم استكمال الكتالوج النهائي للكواكب المرشحة من البعثة الأصلية في العام الماضي، وبدأ إنهاء آخر عمليات الرصد للبعثة كي2.

نتائج كيبلر العلمية

سيستمر العمل لعدة سنوات على استخلاص كل المعرفة الموجودة في هذه البيانات، ولكن ما رأيناه حتى الآن كان كافياً لإذهال العلماء في جميع أنحاء العالم.

لقد رأينا بعض الكواكب التي تدور حول نجومها خلال ساعات معدودة، وكواكب أخرى حارة لدرجة أن الصخور على السطح تذوب وتترك أثراً خلف الكوكب أثناء حركته أشبه بذيل المذنب، كما أن هناك أنظمة أخرى تحوي كواكب متقاربة لدرجة أنك إذا وقفت على سطح أحدها سترى الآخر أضخم من القمر المكتمل بعشر مرات، وهناك نظام مكتظ بالكواكب لدرجة أنه توجد ثمانية منها أقرب إلى النجم أكثر من قرب الأرض إلى الشمس، وهناك أيضاً الكثير من الأنظمة التي تحوي كوكباً واحداً أو أكثر يدور ضمن المنطقة الصالحة للسكن حول النجم، حيث يمكن للماء السائل أن يتواجد على السطح.

وكما في أية بعثة، كانت بعثة كيبلر تعاني من بعض القيود؛ فقد كانت في حاجة إلى التحديق المستمر إلى جزء واحد من السماء، مع فاصل قصير كل نصف ساعة، ولمدة أربع سنوات متواصلة. ومن أجل دراسة ما يكفي من النجوم لإجراء القياسات، كان يجب التركيز على النجوم البعيدة، كما في حالة الوقوف ضمن غابة، حيث تكون الأشجار المحيطة بك مباشرة أقل بكثير من الأشجار البعيدة عنك.

وتبدو النجوم البعيدة خافتة بالنسبة لنا، كما أن دراسة كواكبها ليست بالأمر السهل. وبالفعل، فإن أحد التحديات التي كانت تواجه الفلكيين أثناء دراسة خصائص كواكب كيبلر هي أن كيبلر نفسه هو أفضل أداة يمكن استخدامها في أغلب الأحيان، حيث يتطلب الحصول على بيانات عالية الدقة من التلسكوبات الأرضية استخدام أكبرها لفترات طويلة من الرصد، مما يعني الاعتماد على موارد مكلفة تحدُّ من عدد الكواكب التي يمكن رصدها.

ونعلم حالياً أن عدد الكواكب في المجرة يساوي على الأقل عدد النجوم، وأن الكثير من هذه الكواكب مختلفة للغاية عما لدينا هنا في النظام الشمسي. إن دراسة خصائص و"شخصيات" هذه المجموعة المنوَّعة من الكواكب يتطلب من الفلكيين التركيز على الكواكب التي تدور حول النجوم الأقرب والأكثر سطوعاً، بحيث يمكن استخدام الأجهزة والتلسكوبات بشكل أكثر فعالية.

ما أن يتم إطلاق بعثة تيس، ستعمل على اكتشاف الكواكب الخارجية التي تدور حول أسطع النجوم المجاورة للنظام الشمسي.
مصدر الصورة: مركز جودارد للتحليق الفضائي التابع لناسا، جميع الحقوق الأدبية محفوظة

وهنا يأتي دور تيس

إن بعثة القمر الاصطناعي لمسح الكواكب العابرة (اختصاراً: تيس TESS) -التي يقودها جورج ريكر من إم آي تي- تعمل على البحث عن الكواكب باستخدام نفس تقنية الكشف التي كان كيبلر يعتمد عليها، غير أن مدار تيس ليس حول الشمس، بل يدور حول الأرض مرتين مقابل كل مدار قمري. ولا يحدِّق تيس نحو قسم معين من السماء، بل سيمسح السماء بأسرها تقريباً بحقول رؤية متداخلة أشبه ببتلات الزهور.

فترة عمليات الرصد لتيس على الكرة السماوية، مع مراعاة التداخل بين الأقسام المختلفة.
مصدر الصورة: ناسا، جميع الحقوق الأدبية محفوظة

وبناءً على ما تعلمناه من كيبلر، يتوقع الفلكيون أن تيس سيجد المزيد من الآلاف من الأنظمة الكوكبية. وبمسح السماء بأكملها، سنجد أنظمة تدور حول نجوم أقرب بعشر مرات وأكثر سطوعاً بمائة مرة من تلك التي وجدناها باستخدام كيبلر، مما يفتح احتمالات جديدة لقياس كتل الكواكب وكثافاتها، ودراسة أغلفتها الجوية، وتصنيف نجومها، وتحديد طبيعة الأنظمة التي تحوي هذه الكواكب. وفي المقابل، ستخبرنا هذه المعلومات المزيد عن تاريخ كوكبنا، واحتمالات بدء الحياة، وما المخاطر التي تجنبناها والمسارات التي كان من الممكن أن نتبعها.

وهكذا، مع خلود كيبلر إلى الراحة وتسليمه الشعلة إلى تيس، تستمر رحلتنا لتحديد مكاننا في الكون.