حدائق الحضانة الكوكبية أكثر تنوعاً وجمالاً مما كنا نتوقع

هذه الصورة الرائعة التي التقطها جهاز البحث عن الكواكب الخارجية عن طريق قياس الطيف الاستقطابي عالي التباين (SPHERE)، العامل على التلسكوب العملاق للمرصد الأوروبي الجنوبي؛ تُبيّن القرص الغباري المحيط بالنجم اليافع "IM Lupi" (أحد نجوم كوكبة السبع) بتفاصيل دقيقة لم يسبق لها مثيل.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في موقع المرصد الأوروبي الجنوبي (ESO) الواقع في صحراء أتاكاما في تشيلي، وبفضل تلسكوب فريد من نوع؛ تمكن علماء الفلك من إجراء عمليات رصد غير مسبوقة “للأقراص الغبارية” التي تتشكل حول النجوم اليافعة. حيث يمكن للمعلومات التي يتيحها هذا الإنجاز أن تجعلنا نفهم بشكل أعمق كيف تشكل نظامنا الشمسي قبل أكثر من 4 مليارات سنة.

تدوم هذه الأقراص مدة لا تزيد عن بضعة ملايين من السنين، وهي مدة زمنية لا تذكر بالنسبة إلى كوننا الذي يبلغ من العمر 13.7 مليار سنة، إلا أنها طويلة جداً بالنسبة للبشر. ولكن قبل عقد من الزمن فقط، كنا نفوّت على أنفسنا رؤية العدد الأكبر منها.

يقول الفلكي هينينغ أفينهاوس: “في ذلك الوقت، كل واحد من هذه الأقراص الثمانية كان كفيلاً بإعداد ورقة بحثية خاصة به”.

في المرصد الأوروبي الجنوبي، يمكنك أن ترى الكثير منها إذا أتيح لك ما يكفي من الوقت للعمل على جهاز البحث عن الكواكب الخارجية عن طريق قياس الطيف الاستقطابي عالي التباين، والذي يعرف بالاختصار “سفير” SPHERE.

إن هذه الأداة المتطورة، والقادرة على التقاط صور مباشرة للكواكب الخارجية المحيطة بنجوم غير نجمنا الشمسي، متاحةٌ للباحثين مرتين في السنة فقط.

وهي تُستخدم بشكل رئيسي للبحث عن الكواكب الخارجية الحالية، وليس للبحث عن الأقراص الغبارية، والتي لا تزال تمثل ظواهر غير مفهومة بعد. بإمكان “سفير” أن تخفض كميات الضوء الصادر عن النجوم، حتى يصبح بالإمكان رؤية ما يحيط بها من الكواكب الخارجية والأقراص الغبارية، باستخدام المرشحات المستقطبة، وتقنية التصوير القادرة على التكيّف. وهي تشكل جزءاً من التلسكوب العملاق التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي.

تم تركيب هذه الأداة في 2014، ولكنها تمكنت من تصوير أول كوكب مثبت له في العام 2017. يقول أفينهاوس عن زيارته لموقع التلسكوب: “توجهت إلى التلسكوب وكنت أتوقع رؤية 3 أقراص على الأكثر”. حيث تمكن فريقه من رصد ما مجمله 8 أقراص تحيط بنجوم “تي الثور” T Tauri، وهي أصغر أنواع النجوم المرئية التي يقل عمرها عن 10 ملايين سنة. حيث تبعد نجوم “تي الثور” عن الأرض مسافة تتراوح بين 230 و500 مليون سنة ضوئية.

صورٌ جديدة من الأداة “سفير” العاملة على التلسكوب العملاق التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي؛ تُظهر مجموعة متنوعة من الأشكال، والحجوم، والبنى، بما في ذلك التأثيرات المحتملة للكواكب التي لا تزال في طور التشكّل.
مصدر الصورة: المرصد الأوروبي الجنوبي/ هـ. أفينهاوس وآخرون/ إي. سيسا وآخرون/ بالتعاون مع مشروع DARTTS-S ومشروع المسح التصويري للكواكب الخارجية بالأشعة تحت الحمراء باستخدام الأداة SPHERE (SHINE).

يقول أفينهاوس: “المرصد عبارة عن مكان ناءٍ وفريد من نوعه. يجعلك تشعر وكأنك على المريخ”. يذكر أن أفينهاوس هو المؤلف الرئيسي لدراسة تبحث في 8 من النجوم التي قام برصدها. حيث تناقش هذه الورقة البحثية، والتي سيتم نشرها في العدد القادم من مجلة Astrophysical؛ الطرق المستخدمة في مراقبة الأقراص وكذلك بعض الطرق المحتملة التي يمكن اتباعها مستقبلاً لأغراض البحث.

من الناحية النظرية، فإن هذه الأقراص وبطريقة ما، سوف تتجمع مكوناتها في نهاية الأمر على شكل كواكب. هذه الورقة البحثية هي الأولى ضمن مشروع أكبر حجماً لدراسة الأقراص الغبارية، والذي يعرف بالاختصار DARTTS-S. مع الوقت، يأمل الباحثون المشتركون في هذ المشروع أن يوسعوا فهمهم بشكل كبير.

في الواقع، فإن القرص المحيط بنجم ما لا يتكون بمعظمه من الغبار، بل من الغاز. حيث لا يشكل الجزء الصلب سوى 1% من مكونات القرص، ولكن هذا الغبار هو ما يمكن رؤيته باستخدام الأداة “سفير”، مثل جسيمات الغبار التي تحيط بالمصباح الكهربائي عند تشغيله.

لقد تم رصد هذه الأقراص من قبل، يقول أفينهاوس: “لكن الجديد في عمليات الرصد هذه هو أن لدينا عينة أكبر”. حيث تتضمن هذه العينة صوراً تظهر أقراصاً صغيرة، أقراصاً كبيرة، أقراصاً مبعثرة، وحتى أقراصاً على شكل شطائر الهامبرغر أو ألعاب اليويو: حلقتان لامعتان يتخللهما جوف مظلم. وأحد الأشياء التي فاجأته هو حجمها الكبير، والتباين في أحجامها. تتراوح أقطار هذه الأقراص بين 100 و400 وحدة فلكية (وهي المسافة التي تفصل بين الأرض والشمس)، أي أنها أكبر من مجموعتنا الشمسية بأكملها.

مع الوقت، سيزيد باحثو المشروع DARTTSS حجم مجموعة الرصد بإضافة 21 نجماً آخر. حيث يقول أفينهاوس: “بعد أن نحصل على المزيد من البيانات سنكون قادرين كما نأمل على فهم ما إذا كانت جميع الأقراص تمر بنفس العمليات”.

لم يُعرف بعد ما إذا كانت حديقة التشكيلات الترسية هذه تشبه إلى حد كبير صورة عائلية تعج بأشخاص من أعمار مختلفة (هذا إن كان كل تشكيل ترسي مختلف يمثل نقطة مرجعية ضمن دورة الحياة الخاصة بأي نجم صغير من نوع تي الثور، أو كانت الأقراص تتشكل بشكل مختلف فيما بينها).

مع مزيد من عمليات الرصد والبحث، يأمل الباحثون أن يبدأوا بالعمل مع أعداد من النجوم ذات دلالات إحصائية، والحصول على إجابات، نظراً لأنه ليس بإمكانهم أن ينتظروا ملايين السنين ليواكبوا تطور أي من تلك الأقراص.

كما أن دراسة الأقراص المحيطة بنجوم صغيرة من نوع تي-الثور كالتي تذكرها هذه الورقة البحثية؛ توفر فرصة محتملة لفهم ماضي نظامنا الشمسي. يقول أفينهاوس: “لا يمكننا النظر فعلياً إلى ما كان يبدو عليه النظام الشمسي قبل أربعة مليارات سنة”.

أولئك الذين يدرسون أشياء مثل هذه، لديهم طريقتان رئيسيتان يحاولون من خلالهما تصور ما كان سيبدو عليه النظام الشمسي: إما أن يقوموا بشتغيل عمليات للمحاكاة، أو يمكنهم مراقبة الأنظمة “الشمسية” الأخرى التي ما تزال في طور التشكّل. لأن السفر عبر الزمن، ولسوء الحظ، ما يزال فكرة مستبعدة.