لماذا ينبغي علينا إعادة التفكير في كوكب الزهرة؟

استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إنه بجوارنا، كوكب يشبه كوكبنا تماماً في مناحٍ كثيرة؛ فهو بنفس الحجم تقريباً، ومادته تشبه مادة الأرض تقريباً، ويدور حول الشمس نفسها.

لا يبعد عنا سوى عدة دقائق ضوئية من وجهة نظر فلكية. وإذا نظرت إليه من خلال تلسكوب من خارج النظام الشمسي فسيكون من الصعب تمييزه عن كوكب الأرض، لكَّن الأجواء على سطح كوكب الزهرة لا تشبه أجواء كوكب الأرض. فحرارة السطح هناك تبلغ درجة الحرارة نحو 500 درجة مئوية، وغِلافه الجوي مُشبعٌ بثاني أكسيد الكربون، ويحتوي على سُحبٍ من حمض الكبريتيك.

نسأل: لماذا يختلف كوكبان يقعان في البعد نفسه تقريباً عن الشمس، ولهما تكوين متشابه؟ في الحقيقة يشغل هذا السؤال بال عددٍ متزايد من علماء الكواكب، ويُحفِّز جهوداً كبيرة نحو استكشاف كوكب الزهرة. إذا فَهم العلماء سبب تحوّل كوكب الزهرة ليصبح على ما هو عليه الآن، فسيتكوّن لدينا فهم أعمق عمّا إذا كان كوكب الأرض هو القاعدة أم الاستثناء.

«أنا عالمُ كواكب، وتبهرني جداً طريقة نشوء الكواكب الأخرى، ومهتم بكوكب الزهرة بشكلٍ خاص لأنه يقدم لنا فكرةً عن عالمٍ ربما لم يكن يختلف عن عالمنا في يومٍ من الأيام».

هل كان الزهرة كوكباً أزرق فيما مضى؟

يُعتقد حالياً -من الناحية العلمية- أن كوكب الزهرة كان يمتلك كميةً أكبر بكثير من المياه في الماضي مما يوحي به غلافه الجوي الجاف، وربما وُجدت المحيطات على سطحه أيضاً، لكن الشمس ازدادت حرارة وسطوعاً كنتيجةً طبيعيةً لتقدمها في السن، وبالتالي ارتفعت درجه حرارة سطح كوكب الزهرة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تَبخّر مياه البحار والمحيطات كلها على سطحه.

وقد دخل الكوكب مع تزايد بخار الماء في غلافه الجوي في حالة احتباسٍ حراري جامحة، لم يستطع التعافي منها فيما بعد، لكننا لا نعرف الإجابة عن: هل تحركت الصفائح التكتونية التي تُشبه صفائح الأرض على سطح الزهرة في السابق، كما تتحرك على الأرض أم لا؟ يُعتبر الماء ضرورياً لحركة هذه الصفائح؛ لذلك ربما كان لتأثير الاحتباس الحراري الهائل الدور الأكبر في إيقاف حركتها وفعاليتها بسبب تبخيره الماء.

لكن تَوقف حركة الصفائح التكتونية لم يكن ليعني نهاية النشاط الجيولوجي هناك، فقد استمرت حرارة الكوكب الداخلية الهائلة في إنتاج الصهارة التي تتدفق مع الحمم البركانية الضخمة إلى أن غطَّت معظم سطح الكوكب، ويبلغ متوسط عمر سطح كوكب الزهرة 700 مليون سنة تقريباً، هذا بالتأكيد عمرٌ كبير، لكنه أصغر من عمر سطح المريخ، أو عطارد، أو القمر، الكواكب التي يرجع تشكُّل سطوحها لعدة ملياراتٍ من السنين.

استكشاف الكوكب 2

إن النظرة القائلة بأن كوكب الزهرة كان رطباً هي مجرد فرضيةٍ فقط. فالعلماء لا يعرفون سبب اختلاف كوكب الزهرة عن الأرض بهذا الشكل الكبير، ولا يعلمون كذلك ما إذا كان الكوكبان قد اختبرا نفس الظروف في البداية. فما نعلمه عن الزهرة أقل بكثير عما نعلمه عن كواكب النظام الشمسي الداخلية الأخرى مثل عطارد، الأرض، المريخ. يعود سبب ذلك إلى التحديات الصعبة جداً التي تحول دون استكشافه.

على سبيل المثال هناك حاجة إلى الرادار لاختراق غيوم حمض الكبريتيك التي تجعل الرؤية صعبةً من خلالها حتى يمكن رؤية سطحه. وذلك بعكس الأجرام الأخرى مثل القمر أو كوكب عطارد اللذين لا تغطي السحب أجواءهما، بالإضافة إلى أن درجة حرارة سطحه تبلغ 470 درجة مئوية. هذا يعني أن المُعدَّات الإلكترونية -في حال إرسالها إلى هناك- لن تستطيع الصمود أكثر من ساعاتٍ قليلة. هذه الظروف مغايرة تماماً لما هي عليه فوق سطح كوكب المريخ، التي تمكّن العربات والآلات الفضائية من العمل هناك لعقدٍ من الزمن. إن عدم وجود رحلات لاستكشاف الزهرة في العقدين الأخيرين يعود -في جزء منه- إلى ظروف الحرارة القاسية، وإلى طبيعة سطحه الغامضة وأجوائه الحامضية.

ومع ذلك فقد كانت هناك بعثتان استكشافيتان مخصصتان لكوكب الزهرة في القرن الحالي، هما: مركبة «فينوس إكسبرس» التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، التي عملت بين عامي 2006 و 2014، ومركبة الفضاء اليابانية «أكاتسوكس» التابعة لوكالة الفضاء اليابانية والموجودة حالياً في مداره.

في الحقيقة لم يتجاهل البشر كوكب الزهرة فيما مضى؛ فقد كانت مهمة استكشافه الشغل الشاغل للعديد من المهمات سابقاً، وقد أُرسلتْ 35 مهمة استكشافية تقريباً إليه بين الستينيات والثمانينيات. كانت بعثة ناسا «مارينر 2» أول مركبةٍ فضائية تواجه بنجاح كوكب الزهرة، عندما حلَّقت بالقرب منه عام 1962. كما أرسلت الصور الأولى لسطح كوكب الزهرة من مركبة «فينرا 9» السوفيتية -وهي بالمناسبة أول مركبة ترسل صور سطح كوكب آخر إلى الأرض-، بعد هبوطها الناجح على سطحه عام 1975. وكانت مركبة الهبوط «فينيرا 13» أول مركبةٍ فضائية تُرسل صوتاً من سطح كوكبٍ إلى آخر عام 1983. لكن المهمة الأخيرة لاستكشاف الزهرة كانت مهمة «ماجلَّان» التي أطلقتها ناسا عام 1989، وقد مسحت هذه المركبة كامل سطح الزهرة بالرادار قبل اختفائها في غلاف الزهرة الجوي عام 1994.

العودة إلى كوكب الزهرة؟

اقترحت ناسا العديد من البعثات نحو كوكب الزهرة في السنوات القليلة الماضية، لكن أحدث ما اختارت ناسا تنفيذه إرسال مركبة «فلاي دراجون» العاملة بالطاقة النووية إلى قمر زحل «تيتان»، واخْتِير أحد الاقتراحات لدراسة تكوين سطح الزهرة؛ فما زال يُعمل على تطوير التقنيات اللازمة لكي ترسل لاحقاً.

وهناك مهامُّ أخرى يجري بحثها، إحداها تقوم بها وكالة الفضاء الأوروبية بهدف رسم خريطة عالية الدقة لسطح الكوكب، وهناك خطة تدرسها روسيا، لأنها ستضيفها إلى تاريخها الحافل باستكشاف الزهرة، بوصفها أول من نجح في الهبوط على سطح كوكب الزهرة.

بعد 30 عاماً من توقف رحلات استكشاف الزهرة، وبعد أن وضعت ناسا خطة لاستكشاف جارنا الملتهب، يبدو أن مستقبل استكشاف الزهرة واعداً، ولن يكون بإمكان مهمةٍ واحدة -مركبة تصوير راداري أو مركبة هبوطٍ واحدة طويلة العمر- أن تحلّ جميع ألغاز هذا الكوكب.

نحتاج إلى برنامجٍ مستدام لاستكشاف الزهرة ومعرفة خباياه لكي نفهمه أكثر، كما بتنا نفهم القمر والمريخ. سيستغرق هذا بعض المال والوقت، لكنه يستحق ذلك. وإن استطعنا أن نعرف ونفهم ما أصبح كوكب الزهرة عليه الآن، فسيكون لدينا فهم ومعرفة أفضل لكيفية تطور كوكب بحجم كوكب الأرض وبهذا القرب منه. وقد يساعدنا فهم كوكب الزهرة على التنبؤ بمصير كوكب الأرض نفسه تحت هذه الشمس.