محاولاتنا في فهم الكون تربح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2019

5 دقيقة
جائزة نوبل, جائزة نوبل 2019, فيزياء, الكون, طب
جائزة نوبل — حقوق الصورة: Adam Baker/flickr

كشف لنا علم الكونيات الحديث تاريخ الكون، وكشف لنا مكونات جديدة غير متوقعة من المادة والطاقة. وإلى جانب ذلك، عرفنا أن الشمس ليس النجم الوحيد في مجرتنا الذي يدور حوله الكواكب؛ حيث أظهرت الاكتشافات الجديدة مجموعة متنوعة وكبيرة من الأنظمة المشابهة لنظامنا الشمسي.

وبفضل كل ذلك، تغير فهمنا للكون بشكل أعمق خلال العقود القليلة الماضية، وتغيرت معه رؤيتنا لمكاننا في هذا الكون الهائل. وجاءت جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام لتقدر هذه الاكتشافات غير المسبوقة.

في اليوم الثاني لجوائز نوبل لعام 2019، جاء الإعلان عن جائزة نوبل في الفيزياء تقديراً لمساهمتنا -البشر- في فهمنا لتطور الكون، وأين نحن من هذا الكون الشاسع؟

تقاسم الجائزة العالم الأميركي-الكندي «جيمس بيبلز» حول اكتشافاته النظرية في علم الكون الفيزيائي، والنصف الآخر بالتساوي بين العالمين السويسريين «ميشيل مايور» و«ديدييه كيلوز» لاكتشافهم أول كوكب خارج المجموعة الشمسية يدور حول نجم من النوع الشمسي.

https://www.facebook.com/nobelprize/photos/a.164901829102/10156730036044103/?type=3&theater

علم الكون الفيزيائي

ولد «فيليب جيمس إدوين بيبلز» في 25 أبريل/نيسان عام 1935 في مقاطعة مانيتوبا بكندا، وهو عالم فيزياء نظرية كونية، يشغل حالياً منصب أستاذ فخري للعلوم في جامعة برينستون بالولايات المتحدة. ألهم كتابه الأول «علم الكون الفيزيائي»، عام 1971، جيلاً جديداً من علماء الفيزياء للمساهمة في تطوير هذا المجال، ليس من خلال الاعتبارات النظرية فحسب، ولكن بالملاحظات والقياسات أيضاً.

تطور علم الكونيات إلى علم دقيق من خلال القياسات الدقيقة للغاية لتباين درجات الحرارة في إشعاع الخلفية الميكروي الكوني «Cosmic Microwave Background»، إلى جانب دراسة تاريخ تمدد الكون، وبحث واستقصاء السماء والذي وفر لنا خرائط تفصيلية للكون على نطاق أوسع.

كانت العقود الخمسة الماضية بمثابة العصر الذهبي لعلم الكونيات أو دراسة أصل الكون وتطوره. وفي ستينيات القرن الماضي، وُضع الأساس الذي من شأنه أن يحول علم الكونيات من مجرد تكهنات إلى مجال علمي دقيق. وكان المساهم الرئيسي في هذا التحول هو العالم «جيمس بيبلز»، الذي وضعت اكتشافاته الحاسمة علم الكونيات على الخريطة العلمية، وأثرت مجال البحث العلمي بأكمله.

من خلال النماذج المفصلة، ​​مع مساعدة الوسائل التحليلية والعددية، استكشف «جيمس بيبلز» الخصائص الأساسية للكون، ليكشف لنا عن فيزياء جديدة غير متوقعة، لنملك الآن نموذج موحد قادر على وصف الكون من أولى لحظاته لوقتنا الحاضر وحتى المستقبل البعيد.

الأشعة الأولى للكون تكشف كل شيء

https://www.facebook.com/nobelprize/photos/a.164901829102/10156730042394103/?type=3&theater

تمدد الكون يعني أنه كان يوماً أكثر كثافة وأكثر سخونة، وفي منتصف القرن العشرين، أُطلق على ولادته اسم الانفجار العظيم. لا أحد يعرف ما حدث فعلاً في البداية، ولكن كان الكون في بدايته مليء بسائل من الجسيمات المدمجة والساخنة والمبهمة والتي تراقصت حولها جسيمات الضوء أو الفوتونات.

استغرق الأمر ما يقرب من 400 ألف عام من التمدد ليبرد هذا السائل البدائي من الجسيمات إلى بضعة آلاف درجة مئوية. وكانت الجسيمات الأولية قادرة على التجمع، وتشكيل غاز شفاف يتكون أساساً من ذرات الهيدروجين والهيليوم. وبدأت فوتونات الضوء حينها في التحرك بحرية واستطاع الضوء السفر عبر الفضاء.

لا تزال هذه الأشعة الأولية تملأ الكون، حيث تسبب تمدد الكون في تمدد موجات الضوء المرئي حتى انتهى الأمر بتلك الأشعة في نطاق الموجات غير المرئية، مع طول موجي يقترب من بضع ملليمترات.

اُكتشفت هذه الأشعة الناتجة من ولادة الكون لأول مرة عن طريق الصدفة، في عام 1964، من قبل اثنين من علماء الفلك الراديوي، الحائزان على جائزة نوبل عام 1978، وهم «آرنو بينزياس» و«روبرت ويلسون». لم يتمكنوا من التخلص من الضجيج المستمر الذي التقطه الهوائي من كل مكان في الفضاء، لذلك بحثوا في تفسيرات وأعمال الباحثين الآخرين، بما في ذلك العالم «جيمس بيبلز»، والذي قد أجرى الحسابات النظرية لهذه الخلفية الإشعاعية المنتشرة في كل مكان. وبعد ما يقرب من 14 مليار سنة، انخفضت درجة حرارتها إلى ما يقرب من الصفر المطلق (-273 درجة مئوية).

جاء الاكتشاف العلمي الكبير عندما أدرك «بيبلز» أن درجة حرارة هذه الإشعاعات يمكنها أن توفر معلومات عن كمية المادة التي تم خلقها في الانفجار العظيم، وفهم أن انطلاق هذه الإشعاعات الضوئية لعب دوراً حاسماً في كيفية تجمع المادة فيما بعد لتشكيل المجرات وعناقيد المجرات التي نراها الآن في الفضاء.

المادة المظلمة

منذ ثلاثينيات القرن الماضي، عرفنا أن كل ما يمكن أن نراه ليس هو كل شيء موجود في الكون؛ حيث أشارت قياسات سرعة دوران المجرات بأن هناك ما يجعلها متماسكة معاً من خلال جاذبية مادة غير مرئية، وإلا فإنها سوف تتمزق إلى أشلاء. كما عرفنا أيضاً أن هذه المادة المظلمة لعبت دوراً هاماً في تكون المجرات في البداية.

تكوين هذه المادة المظلمة لا يزال واحداً من أكبر أسرار علم الكونيات والفلك. اعتقد العلماء لفترة طويلة أن النيوترونات المعروفة يمكنها أن تشكل هذه المادة المظلمة، ولكن العدد الهائل من النيوترونات منخفضة الكتلة التي تعبر الفضاء بما يقارب سرعة الضوء سريع للغاية ليساعد في تماسك هذه المادة.

وفي عام 1982، اقترح «جيمس بيبلز» أن الجسيمات الثقيلة والبطيئة للمادة المظلمة الباردة يمكنها القيام بهذه المهمة. ونحن لا نزال نبحث عن هذه الجزيئات غير المعروفة، والتي تتجنب التفاعل مع المواد المعروفة لنا، وتشكل ما يقارب من 26% من الكون.

أول كوكب يدور حول شمس أخرى

https://www.facebook.com/nobelprize/photos/a.164901829102/10156730350534103/?type=3&theater

هل نحدق وحدنا في الفراغ الهائل لهذا الكون؟ هل هناك حياة في أي مكان آخر في الفضاء الشاسع، على كوكب يدور حول شمس أخرى؟ حتى الآن، لا أحد يعرف الإجابة.

ولكننا نعرف الآن أن شمسنا ليست وحدها التي يدور حولها كواكب، وأن مئات المليارات من النجوم في مجرتنا درب التبانة يمكن أيضاً أن يدور حولها الكواكب. يعرف علماء الفلك الآن بوجود أكثر من 4000 كوكباً خارج نظامنا الشمسي، عوالم جديدة غريبة تم اكتشافها، مختلفة عن نظام الكواكب الخاصة بنا.

وكان أول هذه الكواكب غريباً للدرجة التي لم يصدق فيها أحد أنه كان حقيقياً، حيث كان هذا الكوكب أكبر من أن يكون قريباً لهذه الدرجة من النجم الذي يدور حوله.

أعلن «ميشيل مايور» و«ديدييه كيلوز» اكتشافهما المثير في مؤتمر علم الفلك في فلورنسا بإيطاليا، في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1995. وكان أول كوكب يُكتشف أنه يدور حول نجم من النجوم الشمسية خارج نظامنا الشمسي، ليغير هذا الاكتشاف إلى الأبد مفهومنا عن موقع البشرية في الكون.

ولد «ميشيل مايور» في 12 يناير/كانون الثاني عام 1942 في لوزان بسويسرا، وهو عالم الفيزياء الفلكية وأستاذ فخري في جامعة جنيف بقسم الفلك. بينما ولد «ديدييه كيلوز» في 23 فبراير/ شباط عام 1966، وهو عالم فلك سويسري وأستاذ في جامعة جنيف وكذلك بجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة.

يدور الكوكب «Pegasi b 51» بسرعة حول نجمه «Pegasi 51»، والذي يقع في كوكبة الفرس الأعظم ويبعد 50 سنة ضوئية عن الأرض، حيث يستغرق أربعة أيام فقط لاستكمال مداره، وهو ما يعني أن مساره قريب جداً للنجم، على بعد ثمانية ملايين كيلومترات فحسب، بينما يبعد مسار الأرض عن الشمس نحو 150 مليون كيلومتر، ويرفع النجم درجة حرارة الكوكب إلى أكثر من 1000 درجة مئوية.

كما اتضح أن هذا الكوكب المُكتشف حديثاً ضخم للغاية، كرة غازية مماثلة لأكبر عملاق غازي في نظامنا الشمسي، كوكب المشتري. بالمقارنة مع الأرض، حجم كوكب المشتري أكبر 1300 مرة ويزن 300 ضعف.

وفقاً للأفكار السابقة بشأن كيفية تشكل نظم الكواكب، كان يُعتقد أن الكواكب بحجم كوكب المشتري يجب أن تكون بعيدة عن النجوم التي تدور حولها، وبالتالي تستغرق وقتاً طويلاً لإكمال مسارها حول النجم؛ فمثلاً يستغرق كوكب المشتري نحو 12 سنة لإكمال دورة واحدة حول الشمس، لذلك كانت الفترة المدارية القصيرة للكوكب «Pegasi b 51» بمثابة مفاجأة هائلة لمن يبحثون عن كواكب خارج المجموعة الشمسية، فقد كانوا يبحثون في المكان الخطأ.

بدأ هذا الاكتشاف ثورة في علم الفلك، وتم اكتشاف الآلاف من العوالم الجديدة غير المعروفة. والآن لا يتم اكتشاف الأنظمة الكوكبية الجديدة من خلال التلسكوبات على الأرض فحسب، بل أيضاً من خلال الأقمار الاصطناعية؛ فيستكشف حالياً تلسكوب الفضاء الأمريكي «TESS» أكثر من 200 ألف من النجوم الأقرب لنا بحثاً عن كواكب شبيهة بالأرض. وسابقاً، اكتشف تلسكوب الفضاء «كبلر» أكثر من 2300 كوكباً خارج النظام الشمسي.

في النهاية ساهمت اكتشافات وأبحاث العلماء الثلاثة الحائزين على نوبل في الفيزياء في فتح آفاق جديدة حول مكاننا في الكون.