هل تشعر السلطعونات بالألم عند غليها؟

5 دقائق
تمثال يحي ذكرى السلطعون المجيد مصدر الصورة: Pixabay

إذا كنت تحب أكل السلطعونات لكنك لم تقم بطهو أحدها من قبل، إليك هذه النصيحة: لا تفعل!

قبل أن تغمس أحد السلطعونات في الماء المغلي بيديك الاثنتين، من السهل أن تتصور أن السلطعونات كحشرات كبيرة المخالب لا تشعر بأي شيء عندما يتم طهوها وهي حية. انتبه معي الآن: قد يكون هذا صحيحاً. فالعلم لم يقل كلمته الأخيرة في هذا الموضوع بعد. ولكن بمجرد أن تسمع السلطعونات وهي تقرع قدر الطهو من الداخل محاولة استعمال مخالبها للخروج، لن تستطيع نسيان ذلك أبداً وأنت تأكلها على العشاء.

ومع أن ذلك قد يبدو غريباً إلا أنه لا يعني أن تمتنع عن تناولها. إن هذا المقال ليس حملة ضد تناول لحم قشريات البحر الطري اللذيذ. لكن وبما أن سويسرا تخلت أخيراً عن حيادها المعروف تاريخياً واتخذت موقفاُ أخلاقياً في موضوع تناول السلطعونات، ارتأينا أن نلقي نظرة على الأدلة التي تشير إلى أن هذه القشريات تشعر بالألم أو لا.

في سويسرا وبدءً من مارس/آذار 2018 سيعتبر غلي السلطعونات وهي حية عملاً قاسياً ضد الحيوانات. وسيضطر مواطنو سويسرا إلى صعق أو قتل السلطعونات قبل غليها، كما أنه من غير الممكن إبقاء السلطعونات حية في الثلج. لا نعرف في الحقيقة الطريقة المثلى لدى الحكومة السويسرية لقتل السلطعونات، لكنها قررت أن هناك ما يكفي من الأبحاث العلمية التي تشير إلى أن السلطعونات تشعر بالألم لذلك لا نستطيع غليها حية دون أن نشعر بتأنيب الضمير.

وتكمن مشكلة الألم في أنه قضية ظاهراتية، وهو مصطلح فلسفي منمق ينص على أن الأمر حقيقي إذا خَبِره أحد الكائنات. فإذا كنت تعتقد أنك تتألم، فأنت تتألم حقاً. لا يستطيع أحد آخر أن يقول أنك لا تتألم، لأنه ببساطة يستحيل عليه معرفة ما إذا كنت تتألم حقاً أو لا. إذا شعرت بالألم، فأنت تشعر به حقاً. والألم لا يصبح وهماً إن كان البشر أو الكائنات الأخرى لا تشعر به حتى مع وضعها في نفس ظروفك.

إن هذه القضية وغيرها من التساؤلات تحيّر العلماء. لن يستطيع العلماء أبداً أن يثبتوا أن السلطعونات تشعر بالألم لأننا ببساطة لا نعرف ما الذي يبدو عليه الأمر عندما تكون سلطعوناً. إن الكثير من الثدييات وغيرها من الفقاريات تبدي سلوكاً مماثلاً بما فيه الكفاية لسلوكياتنا، كما أن لديها أنظمة عصبية مشابهة كثيراً لأنظمتنا العصبية وهذا ما يمكّننا من القول بقدر كبير من الثقة أنها تشعر بالألم حقاً. فالكلب المصاب على سبيل المثال يعوي ويلعق جروحه ويبتعد عن مصدر الأذى. لكن ذبابة الفاكهة مثلاً إن أصيبت لا تفعل أياً من هذه الأمور. ستحاول بالفعل أن تتجنب بعض المحفزات مثل الوخز بإبرة حادة أو التعرض للحرارة الشديدة، لكنها لا تبدي أي اهتمام بإصاباتها. لا تظهر ذبابة الفاكهة أي علامة -يمكننا إدراكها- على أنها تعاني.

لسوء حظ محبي تناول السلطعونات، تبدي هذه القشريات بعض علامات الإحساس. تبدي سرطانات البحر التي تم إزالة مخالبها اهتماماً برعاية العضو المبتور وتظهر أمارات الإجهاد لما تعرض لصدمات كهربائية، فيما تقوم السلطعونات التي تُرش بسائل حمضي خفيف (مثل عصير الليمون) على  قرون استشعارها، بفركها بعد الرشّ كما لو أنها تحاول تخفيف أثر الإصابة. كما نعلم أن السلطعونات وسرطانات البحر كلاهما يتجنب الماء الساخن.

شبكة لصيد السلطعونات وسرطانات البحر
مصدر الصورة: Pixabay

ولكن لا يمكننا أن نكتفي بالدليل السلوكي وحسب. إن البشر معتادين على إسقاط مشاعرهم على الحيوانات، لا سيما إن شعروا بتأنيب الضمير لأنهم ألحقوا بها بعض الأذى. وتكشف أحد التجارب المعروفة أن الكلاب التي تبدي تلك الملامح عندما تقوم بشيء ما خاطئ تبدو في الحقيقة مذنبة فقط لأن مالكي الكلاب يسقطون عليها مشاعرهم التي يبدونها عند حصول نفس الأمر. أما الكلاب في الحقيقة فتظهر نفس ملامح الوجه المُذنب -حتى وإن لم تفعل أي شيء خاطئ- لتبدي خضوعها لمالكها الذي يبدو غاضباً عليها. ماذا لو كنا نسقط مشاعرنا بنفس الطريقة على السلطعونات؟

في الواقع إن أدمغة هذه القشريات ليست أكثر تعقيداً من دماغ حشرة. لا تملك السلطعونات إلا مئة ألف خلية عصبية وليس لديها أي دماغ مركزي حقيقي. تمتلك هذه القشريات مجموعة من العُقد العصبية (والتي تعتبر دماغاً صغيراً وأقل تنظيماً يتكون من عدد قليل جداً من الخلايا العصبية) تنتشر في جميع أنحاء جسدها. أما من ناحية القدرات العقلية، فهناك حجة علمية لا بأس بها أن السلطعونات وسرطانات البحر ما هي إلا حشرات كبيرة.

إن الذباب مثل القشريات يتجنب المحفزات المؤذية لكنها لا تفعل ذلك إلا بسبب غريزتها. إن هذه الحشرات تتحرك مبتعدة عن الأشياء الحادة بنفس الطريقة التي تبني بها اليرقة شرنقتها، حتى ما يبدو لنا سلوكاً معقداً جداً قد لا يوجد وراءه أي تفكير على الإطلاق.

وهكذا استنتجنا أن الحشرات تتجنب الأشياء  غريزياً فقط. وكما قال أحد خبراء الدبابير لصحيفة واشنطن بوست، يتمتع الجراد بالكثير جداً من ردود الأفعال المتعلقة بغريزة البقاء، ولكن حتى لو كان أحد السراعيف يلتهم بطن أحد هذه الجرادات فإنها ستأكل لو أطعمتها! من الصعب أن نفهم أن الحيوان يشعر بالألم كما نعرفه وهو يتناول الطعام بكل بساطة بينما أحشائه تنتزع نزعاً.

وقد تبين أن بعض ردود أفعال السلطعونات تجاه الماء الساخن هي ردود أفعال مماثلة لهذا. هكذا نجد أن هز الذيل، على سبيل المثال، هو رد الفعل تجاه أي تحفيز مفاجئ، على الرغم من أنه يبدو كأنه محاولة للهرب. ويعتقد بعض الباحثين أنه من الممكن أن رغبتهم بتجنب الحرارة المرتفعة ما هي إلا آلية غريزية للبقاء تحرص على التأكد من بقاء القشريات في مياه باردة بما يكفي للعيش والنمو. لكننا نعرف أيضاً أن القشريات كائنات حية أكثر تعقيداً من الجراد. فهذه القشريات يبدو أنها تهتم لإصاباتها، هذا أولاً، كما أن افتقارها لدماغ مركزي لا يعني بالضرورة انعدام إحساسها بالألم. تمتلك الأخطبوطات (مرحى ها قد عرفت الآن جمعها الصحيح!) عدة أدمغة صغيرة في أذرعها، ولكن الباحثين يدركون الآن أنها حيوانات ذكية جداً، ويمكن بثقة التأكيد بأنها تشعر بالألم والمعاناة.

وبعبارة أخرى، هي كائنات حية معقدة. نحن بلا شك نستطيع أن نقول متأكدين أن السلطعونات تمتلك خلايا عصبية يمكنها استشعار الحرارة أو الوخز بالأغراض الحادة، لكن هذا لا يعني أنها تحس بالفعل بهذه المحفزات. في نفس الوقت، لا نستطيع أن نقول  أنه بسبب افتقارها لدماغ مركزي فهي لا تستطيع الإحساس بالألم. ولسوء الحظ لا نستطيع أبداً أن نسأل سلطعوناً عما يشعر به!

إن انعدام وجود دماغ مركزي للقشريات لا يعني عدم إحساسها بالألم، لكنه يجعل من المستحيل أن نكون متأكدين أننا نقتلها دون ألم. أما بالنسبة لكائنات حية أكثر تعقيداً، مثل الفقاريات، فإن الطريقة الأكثر رحمة لقتلها تتمثل في قطع نخاعها الشوكي. وهو ما يعني في الأساس موتاً فورياً. في بعض الأحيان يستخدم الباحثون في المختبرات الذين يريدون إنهاء حياة بعض الحيوانات بشكل أخلاقي -على سبيل المثال قتل فأر أو ضفدع- عملية البَخْع (تخريب الدماغ أَو النخاع)-لا تملك خلايا المخ بذاتها أي مستقبلات حسية- وهكذا يعتبر الذهاب مباشرة إلى الدماغ بآلة حادة طريقة إنسانية (إلى حد ما) لقتل كائن حي. لكن وبما أن السلطعونات لديها عقد عصبية وليس دماغاً واحداً، فإنه لا توجد نقطة واحدة يمكنك استهدافها لقطع إحساسها. إن ضربت السلطعونات على صخرة فقد تقتلها على الفور، لكنك ستخسر بذلك الكثير من لحمها (وهذا ما يعد عبثاً ويحرمك من فائدة قتلها أصلاً).

إذاً ما الذي سيفكر فيه محب السلطعونات الذي يود قتلها بشكل أخلاقي؟

الإجابة هي: التبريد. استرخٍ ها قد وجدت الآن طريقة أخلاقية لتناول السلطعونات!. إن وضع الحيوانات ذات الدم البارد مثل القشريات (أو الحشرات) في ثلاجة أو مياه مثلجة يجعلها تتخدر، ولحسن الحظ لا يبدو أن هذه الحيوانات تملك مستشعرات ألم تستجيب للبرد (فهي تعيش في قاع المحيط على أية حال). طبعا ستدفأ القشريات تدريجياً عندما تضعهم في الماء المغلي لكن الانتقال بين درجتي الحرارة سيكون سريعاً بما يكفي لجعل مدة تخبطهم قصيرة. لسنا متأكدين من أن هذه الطريقة ستحدث أي تغيير فيما يشعرون به، نظراً لأننا لا نعرف الكثير عن إحساس السلطعونات بالألم في المقام الأول. قد تريح هذه الطريقة ضميرك بشكل أفضل. وعلى أية حال ستكون عندئذ قد فعلت كل ما بوسعك لتناول وجبة شهية من السلطعونات بضمير مرتاح!

وبطبيعة الحال حتى لو كنا متأكدين تماماً أن السلطعونات تحس بالألم، فلا يبدو أننا سنحظر استهلاكها. نحن نعرف أن الأبقار تشعر بالألم عندما نقتلها -حتى أننا نعرف أنها تمتلك مشاعراً معقدة بما يكفي ليكون لديها صداقات مع أبقار أخرى- لكن معظم الأميركيين لا يزالون يأكلون لحوم الأبقار. ومن المحتمل أننا حتى لو تأكدنا من إحساس السلطعونات بالألم أن نتجاهله حفاظاً على متعنا الذوقية البشرية. ولكن نظراً لأن معظم الناس يقتلون السلطعونات في مطابخهم أكثر من قتلهم الدجاج بشكل فردي على سبيل المثال، ستظل إذاً مسألة إحساس السلطعونات بالألم قضية أخلاقية لم يبتّ فيها بعد.