يعتقد البعض أن أهم الغابات في كوكب الأرض لا تقع في البر، ويعود ذلك إلى وجود النباتات التي تحمل اسم عشب البحر. مثل الغابات الموجودة على البر؛ تؤدي غابات عشب البحر دوراً مهماً في تدوير الكربون عبر الكوكب إذ إنها تحول ثنائي أوكسيد الكربون إلى الأوكسجين من خلال عملية التركيب الضوئي وتعزل الكربون تحت أسطح المحيطات.
غابات عشب البحر
تنمو غابات عشب البحر في المياه الساحلية الضحلة؛ مثل مناطق شمال شرق الولايات المتحدة وعلى طول ساحل المحيط الهادئ في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن هذه الغابات تشغل مساحة صغيرة من المحيط، فإنها تتمتع بتنوع حيوي كبير.
عبّر عالم الأحياء الشهير تشارلز داروين (Charles Darwin)، عن ذهوله من عدد الأنواع المختلفة التي تعيش في غابات عشب البحر في مذكّراته التي كتبها في أثناء رحلته على متن سفينة إتش إم إس بيغل (HMS Beagle). مع ذلك، تُعتبر غابات عشب البحر من الأنظمة البيئية الحساسة للغاية، فبمجرد أن تعاني من اضطراب ما سيكون من الصعب للغاية استصلاحها.
اقرأ أيضاً: بعض الأنواع الغازية تساهم في ازدهار مواطنها الجديدة
منطقة قنافذ البحر القاحلة
ازدادت سرعة تراجع غابات عشب البحر مع انتشار قنافذ البحر الأرجوانية قبالة سواحل الولايات المتحدة الغربية. ولكن تبين دراسة أجراها باحثون من جامعة ولاية أوريغون ونُشرت بتاريخ 24 فبراير/ شباط 2023 في مجلة وقائع الجمعية الملكية بي (Proceedings of the Royal Society B) أن حيوانات نجم بحر عباد الشمس التي تعيش في غابات عشب البحر؛ والتي تنتمي إلى نوع عملاق من نجوم البحر يمتلك 24 ذراعاً، قد تسهم بشكل كبير في الحفاظ على هذه الأنظمة البيئية المهمة من خلال التغذّي على قنافذ البحر الضارة بشكل أساسي.
تُعتبر قنافذ البحر مكوناً طبيعياً من نظام غابات عشب البحر البيئي؛ كما أنها تؤدي دور الحيوانات القمّامة وتتغذّى على نباتات عشب البحر الميتة والمخلفات الأخرى التي تغرق إلى قاع المحيط. مع ذلك، وجدت الأبحاث السابقة أنه عندما تقل كمية المغذيات المتوفرة لهذه القنافذ فإنها تبدأ في التهام نباتات عشب البحر الحية. يتسبب ذلك في اضطراب في النظام البيئي، وإذا لم يتم التعامل مع هذا الاضطراب فإنه سيؤدي إلى تشكّل ما يُدعى بمنطقة قنافذ البحر القاحلة في قاع المحيط؛ والتي زالت منها نباتات عشب البحر وسيطرت عليها أعداد كبيرة من قنافذ البحر.
عند تشكّل هذه المنطقة، سيكون نمو غابات عشب البحر مجدداً مستحيلاً. سيتم التهام نباتات عشب البحر الجديدة التي قد تنمو في هذه المناطق مباشرة من قبل قنافذ البحر التي تستطيع البقاء على قيد الحياة دون الحاجة إلى تناول كميات كبيرة من الطعام، بالإضافة إلى أنها تعيش لمدة 20 عاماً على الأقل.
نجم بحر عباد الشمس وحل المشكلة
اكتشف علماء الأحياء البحرية منذ زمن طويل أن المفترسات الطبيعية لقنافذ البحر تسهم في هذه المشكلة. وتم صيد القُضاعات البحرية (أو ثعالب البحر) التي تُعتبر واحدة من أهم الأنواع التي تعيش في غابات عشب البحر، حتى أصبحت مهددة بالانقراض. والآن، لم يتبقَّ سوى بعض أنواع المفترسات الطبيعية لقنافذ البحر مثل نجم بحر عباد الشمس؛ والتي يمكن أن تسهم في الحفاظ على توازن هذه الأنظمة البيئية.
لسوء الحظ، تسبب مرض ضموري يصيب نجوم البحر في انخفاض أعداد هذه الحيوانات بشكل كبير في العقد الأخير؛ ما أدى إلى اعتبارها مهددة بخطر انقراض أقصى (الحيوانات المهددة بخطر الانقراض الأقصى هي التي تعاني من خطر الانقراض بشكل كبير).
فحص الباحثون في الدراسة الجديدة مدى فعالية نجم بحر عباد الشمس كمفترس طبيعي لقنافذ البحر من خلال تربية مجموعتين من قنافذ البحر في المختبر، وقد تمت تغذية إحداهما بشكل جيد بينما تم تجويع الأخرى.
اقرأ أيضاً: ما القوة الخارقة السرية التي يملكها خيار البحر؟
بعد نحو 6 أسابيع من جمع قنافذ البحر وتربيتها، أطلق الباحثون 24 من حيوانات نجم البحر لتتغذّى بحرية على القنافذ. واستهلكت نجوم البحر ما متوسطه 0.68 قنفذاً يومياً، وازداد هذا المعدل عندما أطلق الباحثون نجوم البحر في مجموعة القنافذ التي تم تجويعها؛ ما يشير إلى أن الظاهرة نفسها يمكن أن تحدث في مناطق قنافذ البحر القاحلة الفقيرة بالمغذّيات نظراً لأن القنافذ التي تعاني من نقص التغذية هي التي تسيطر على هذه المناطق. يمثّل ذلك فارقاً كبيراً بين نجوم البحر والمفترسات الأخرى مثل القضاعات البحرية التي تُعتبر انتقائية في تناول القنافذ؛ إذ إنها تفضل افتراس القنافذ التي تتمتع بصحة جيدة والتي تعتبر أكثر ندرة في مناطق قنافذ البحر القاحلة.
وقالت الباحثة المساعدة في جامعة ولاية أوريغون، سارة غرافم (Sarah Gravem) في بيان صحفي: "قد تظن أن تناول أقل من قنفذ واحد يومياً ليس بالأمر بالغ التأثير لكننا نعتقد أن عدد نجوم بحر عباد الشمس تجاوز الـ 5 مليارات سابقاً".
على الرغم من أن العلماء يجهلون شدة تأثير المرض الضموري في أعداد نجوم البحر، فإن معظم التقديرات تبين أن الانخفاض في أعداد هذه الحيوانات يبلغ نسبة 90% تقريباً. وتضيف غرافم قائلة: "استخدمنا نموذجاً حاسوبياً واستنتجنا أن أعداد نحوم البحر في الساحل الغربي للولايات المتحدة كانت كبيرة بما يكفي عادة للحد من أعداد قنافذ البحر والوقاية من تشكّل مناطق قنافذ البحر القاحلة".
اقرأ أيضاً: كنز من الحيوانات غريبة الشكل في الأعماق السحيقة للمحيط شرقي أوستراليا
بأخذ النتائج الجديدة في الاعتبار، يمكن أن تركّز الأبحاث المستقبلية على كيفية استخدام نجوم بحر عباد الشمس للتحكم بأعداد جماعات قنافذ البحر، واستصلاح غابات عشب البحر كنتيجة.