من الصعب إنكار أن الحيتان هي من أكثر الحيوانات الضخمة جاذبية على كوكبنا. ذُهل البشر لعقود من الزمن بالحيتان الزرقاء على وجه التحديد، بأحجامها الهائلة وسلوكها الودي وقصّتها الحزينة. ولكن قد يوجد منافس جديد لهذه الحيتان التي تعد أكبر الحيوانات على الأرض. أو على الأقل، عاش هذا المنافس على الأرض قبل نحو 40 مليون سنة.
حيتان بيروسيتوس كولوسوس
اكتشف فريق دولي من العلماء مؤخراً مجموعة من العظام العملاقة في صحراء ساحلية مليئة بالأحافير في بيرو، وتتألف المجموعة من 13 فقرة و4 أضلاع وعظمة ورك واحدة. أدى العثور على هذه الأحافير إلى اكتشاف الفريق حيواناً ثديياً بحرياً يصل وزنه إلى 340 طناً مترياً. يبلغ الوزن الأقصى للحيتان الزرقاء نحو 190 طناً مترياً، ويُقدّر وزن الديناصور الأكبر حجماً، وهو الصُربود أرجنتينوصور الضخم، بنحو 76 طناً.
اقرأ أيضاً: ما تأثير التلوث الضوضائي على الحيتان البيضاء في القطب الشمالي؟
على الرغم من حجمها المذهل، لم تكن حيتان بيروسيتوس كولوسوس (Perucetus Colossus) المسماة حديثاً مقاتلة على الأرجح، على غرار بعض الثدييات البحرية الأخرى التي يحبها البشر في العالم.
قال عالم الأحافير في المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية في بروكسل، أوليفييه لامبرت، لوكالة رويترز: "كانت هذه الحيوانات بالتأكيد بطيئة السباحة بسبب هيكلها العظمي الثقيل ووزنها وجسمها الذي كان ضخماً للغاية على الأرجح. يبدو لي على ضوء المعلومات المتوفرة حالياً أن هذه الحيوانات كانت عمالقة مسالمة، وكأنها خرفان بحر كبيرة إلى حد ما. لا بد أنها كانت حيوانات مثيرة للإعجاب، ولكنها ربما لم تكن مخيفة للغاية". نشر لامبرت وزملاؤه النتائج التي توصلوا إليها بتاريخ 2 أغسطس/ آب في مجلة نيتشر (Nature).
سلوك ودي لهذه الحيتان
من المرجّح أن السلوك الودي لحيتان بيروسيتوس ليس السمة المشتركة الوحيدة بينها وبين خراف البحر المعاصرة. قدّر العلماء أن وزن الهيكل العظمي الضخم والكثيف لهذه الحيتان يبلغ ضعفي وزن الهيكل العظمي للحيتان الزرقاء ويتراوح بين 5 و8 أطنان، على الرغم من أن الحيتان الزرقاء تتفوق من ناحية الطول.
قالت الباحثة في المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية في بروكسل والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، ريبيكا بينيون، لوكالة بي بي سي: "احتجنا إلى عدد من الرجال لنقل [الأحافير] إلى منتصف أرضية المتحف حتى أتمكّن من إجراء عمليات المسح الضوئي الثلاثي الأبعاد. كانت العظام كثيفة للغاية لدرجة أنها كسرت المثقاب الذي استخدمه الفريق في ثقب بعض الفقرات لحساب كثافة العظام في المحاولة الأولى".
لا تتمتّع الحيتانيّات الحالية بهذه الخاصية (وهي العائلة التي تضم الحيتان والدلافين وخنازير البحر)، لكن الخيلانيات تتمتّع بها. أشار أحد المؤلفين إلى بقر البحر ستيلر بصورة خاصة، وهو نوع اكتُشف في القرن الثامن عشر وانقرض في غضون 3 عقود بسبب الصيد الجائر.
اقرأ أيضاً: الحيتان القاتلة تفترس الحيتان الزرقاء أكبر مخلوقات الأرض
صفات مشتركة مع خراف البحر
يبدو أن حيتان بيروسيتوس تمتّعت بأطراف أمامية، مثل خراف البحر. لكن ما كان غريباً هو أن هذه الحيوانات تمتّعت أيضاً بأطراف خلفية لا وظيفية، ومن المحتمل أن هذه الأطراف هي مخلّفات تطورية من الفترة التي تطورت فيها الحيتان من ثدييات برية بحجم الكلاب قبل 50 مليون سنة.
يتعلق أحد الأسئلة المهمة حول الحيتان الجديدة بكيفية تناولها للطعام. لم يتمكن الباحثون من العثور على أي جماجم لهذا النوع للأسف. لذلك، وضع المؤلفون عدة فرضيات، ربما كانت هذه الحيوانات قمّامة، أو تغذّت على أعشاب البحر، وربما كانت تنتشل الأسماك الصدفية والديدان من قاع المحيط الطيني مثل الحيتان الرمادية المعاصرة.
مع ذلك، فإن مجرد اكتشاف كائن من المحتمل أنه تمتع بحجم هائل لهذه الدرجة يفتح المجال أمام علماء الأحافير لاكتشاف المزيد.
قال عالم الأحافير الإيطالي والمؤلف المشارك للدراسة، جيوفاني بيانوتشي، لشبكة سي إن إن: "تشير الكتلة البنيوية الهائلة لحيتان بيروسيتوس إلى أن التطور يمكن أن يولّد كائنات حية تتمتّع بخصائص تتجاوز قدرتنا على التخيل". وهذا أمر مذهل بحق.