في الزراعة التقليدية، كما مارسها البشر منذ آلاف السنين وحتى وقت قريب، وضع المزارعون البذور في تربة الحقول الكبيرة، وحصدوا المحاصيل في نهاية المواسم. ولكن، وعلى الرغم مما حققناه من تقدم في مجال الهندسة الوراثية والصناعات التكنولوجية، فإنها لم تستطع مواكبة التزايد الهائل في عدد سكان، والحاجة لمزيد من الأراضي الزراعية، لذا بدأ التحول نحو ما يُعرف بالزراعة المائية كحل أكثر استدامة، فما الفرق بين الزراعة المائية والزراعة التقليدية؟
الزراعة المائية
الزراعة المائية، هي استزراع دون تربة، أو زراعة في مياه غنية بالمغذيات كبديل عن التربة، حيث تحتاج النباتات لنموها إلى الماء والمغذيات والضوء وثاني أوكسيد الكربون، وتكون مهمة الجذور هي البحث في التربة عن المغذيات والماء، ولكن في الزراعة المائية، تتم إذابة العناصر الغذائية في الماء، بما يسمح بسهولة وصولها للنبات، ونموها بشكل أسرع.
في نظام الزراعة المائية يتم تدعيم نمو النبات في الأحواض أو الخزانات المائية بأنواع مختلفة من الركائز مثل البيرلايت وجوز الهند والصوف الصخري وحبيبات الطين والطحالب والفيرميكوليت، وتُضخ فيها بشكل دوري محاليل أسمدة غالباً ما تتكون من براز القطط أو الأسماك أو الأسمدة الاصطناعية، وفقاً لنوع النبات وحجم احتياجاته، بحيث يحتوي على نسب متفاوتة من العناصر الأساسية لنمو النبات، وهي الآزوت والفوسفور والبوتاسيوم، والعناصر الثانوية كالكبريت والمغنزيوم والكالسيوم.
يمكن استخدام نظام الزراعة المائية لمجموعة من الخضروات مثل الخس والسبانخ واللفت والطماطم والخيار والفجل وغيرها من المحاصيل، وعلى مدار العام.
الفرق بين الزراعة المائية وطرق الزراعة التقليدية
تتمتع الأنظمة بمجموعة واسعة من الفوائد، إلا أن لها أيضاً بعض العيوب مقارنة بطرق الزراعة التقليدية. ومن أهم نقاط الاختلاف فيما بينهما ما يلي:
1. كفاءة نمو النبات: أيهما الأسرع نمواً نباتات الزراعة المائية أم التقليدية؟
بينما نحتاج لزراعة البذور أو الشتول في الزراعة التقليدية ضمن مواعيد محددة من العام، ثم تقديم الرعاية بإضافة الأسمدة والمكافحة بالمبيدات للوقاية من الأمراض، وتأمين الظروف البيئية الملائمة لنموها، فإن محاصيل أنظمة الزراعة المائية تتم زراعتها ضمن ظروف أسهل بكثير، وذلك ضمن دفيئات بحيث يتم تزويدها بكمية مثالية من العناصر الغذائية، وضمن ضغوط بيئية أقل من آفات أقل وتحكم في درجة الحرارة والإضاءة والمناخ، والزراعة على مدار العام، وبالتالي يزداد معدل نمو النباتات في الزراعة المائية بنسبة 100% مقارنة بنباتات الزراعة التقليدية وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي، كما يزداد عائد نمو نباتات أنظمة الزراعة المائية بزيادة في المحصول سنوياً مقارنة بالزراعة التقليدية التي تقتصر على مواسم النمو.
2. المساحة المطلوبة لأنظمة الزراعة المائية والتقليدية
في الزراعة التقليدية الأفقية، تترتب النباتات على مسافات محددة من بعضها بعضاً، بينما توفر الزراعة المائية العمودية زراعة المزيد من النباتات في مساحة أقل بنسبة 75%، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي. علاوة على ذلك، يمكن بناء أنظمة الزراعة المائية في أي مكان، واستغلال أي مساحة سواء على أسطح المباني، أو الشرفات أو حتى في الصحراء.
3. استهلاك المياه في الزراعات التقليدية والمائية
قد يبدو مفاجئاً، ولكن أنظمة الزراعة المائية أقل استهلاكاً للماء من الزراعة التقليدية، بحيث يقل استخدامها للماء بنسبة 90% مقارنة بالزراعة التقليدية، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي. ويعود ذلك لعدة أسباب من بينها إعادة تدوير الماء المستخدم في التغذية بعد توصيل المغذيات للنباتات، بالإضافة إلى ذلك، يقل الفاقد من الماء في الجريان السطحي والتبخر في الزراعة التقليدية، لذا تعد الزراعة المائية خياراً أكثر استدامة وملاءمة للمناطق الصحراوية.
4. أيهما أكثر صحة نباتات الزراعة المائية أم التقليدية؟
بشكل عام، يختلف المحتوى الغذائي للمنتجات النباتية باختلاف الأنواع ووقت الحصاد، وفترة تخزينها وغيرها من العوامل، لذا يختلف الباحثون حول ما إذا كانت الزراعة المائية تؤدي إلى منتجات أكثر صحة من نباتات الزراعة التقليدية. تشير ماريون نستله، أستاذة التغذية في جامعة نيويورك، إلى أن النباتات يمكنها تصنيع الفيتامينات، لذا تتشابه مستوياتها في نباتات الزراعة المائية والتقليدية، بينما يمكن أن يكمن الاختلاف في المحتوى من العناصر المعدنية، وفقاً لنوع المغذيات المستخدمة.
وفقاً لألين باركر، الأستاذ في مدرسة ستوكبريدج للزراعة بجامعة ماساتشوستس، يمكن تحسين محتوى النبات من المغذيات في الزراعة المائية بتزويده بالمزيد من العناصر الغذائية في المحاليل المائية، كالكالسيوم والمغنيزيوم والزنك والحديد، وبالتالي قد تكون النباتات المزروعة في الماء أفضل من الناحية التغذوية من المزروعة في التربة.
5. تكلفة الزراعة المائية مقابل الزراعة التقليدية
قد تبدو الأرباح الممكن جنيها من الزراعة المائية أعلى من الزراعة التقليدية، إلا أنها تتطلب استثماراً أولياً ضخم التكلفة نسبياً، فهي تحتاج إلى معدات خاصة، بما في ذلك إعداد المضخات والخزانات وأدوات التحكم في النظام ومعدات الإضاءة، بالإضافة إلى تكاليف الكهرباء والصيانة للحفاظ على تشغيل الأنظمة على مدار العام.
إذاً، بالمقارنة بين أنظمة الزراعة المائية والتقليدية، يبدو أن الكفة ترجح لصالح نظام الزراعة المائي، إذ ينظر إليه الخبراء كحل مستدام لأزمة الغذاء العالمية، ومستقبل إنتاج الغذاء.
اقرأ أيضا: كيف تزرع الطماطم في الماء؟