نعاني أحياناً من صعوبة في تذكر الأمور التي تعلمناها، وخصوصاً في فترة الامتحانات، فقد تغيب عن أذهاننا المعلومات التي قضينا وقتاً طويلاً في حفظها ومذاكرتها سابقاً، لذلك نحتاج لأسلوب جديد ومميز في التعلم والدراسة تبقى فيه المعلومات راسخة في الذهن بأفضل شكل ممكن.
انطلاقاً من هذه الحاجة، ابتكر عالم الفيزياء والأستاذ الجامعي الحائز على جائزة نوبل "ريتشارد فاينمان" طريقة جديدة وممتعة في التعلم، بالإمكان تطبيقها على كافة العلوم المعرفية من الرياضيات إلى الفلسفة، وغيرها من المواضيع التي نجدها صعبة أحياناً.
تعتمد طريقة فاينمان في الدراسة على البساطة وتحليل المعلومات والمفاهيم المعقدة إلى وحدات أصغر قابلة للمعالجة، وهي التقنية التي اعتمدها في تدريسه كأستاذ في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا "كالتيك" (CalTech) في عام 1950 ولا تزال تستخدم هناك حتى اليوم، وطبقها أيضاً حينما كان طالباً جامعياً في برينستون ومعهد إم آي تي وفي مرحلة الدراسة الثانوية.
اقرأ أيضاً: 10 أرقام وحقائق مدهشة عن جوائز نوبل في العلوم
مراحل تقنية فاينمان للدراسة
تُقسم مراحل تقنية فاينمان في التعلم إلى 3 محطات تمهيدية، تتطور مع الوقت وتصبح عادة دراسية ذاتية لدى الطلبة والأساتذة على حد سواء، تستطيع ممارستها عن طريق تطبيق الخطوات التالية:
1- تحديد الموضوع ودراسته
من خلال هذه الخطوة تقوم بدراسة الموضوع المطلوب منك بشكل جيد وعميق، حيث بإمكانك أن تحدد المفاهيم الأساسية المرتبطة به والبحث عنها وتدوينها على دفتر ملاحظاتك بشكل تستطيع فهمه والعودة إليه لاحقاً. في نهاية هذه المرحلة يجب أن يصبح لديك ورقة أو مجموعة أوراق كتبتها بنفسك عن موضوع الدراسة، سواء من خلال الكتابة أو التمثيل البياني والرسوم التوضيحية، وقد تستغرق العملية وقتاً يتراوح بين ساعة إلى 3 ساعات، مع أخذ استراحات قصيرة أثناء الدراسة.
تساهم عملية الكتابة هذه في ترسيخ الأفكار، وترتيبها بأسلوبك الخاص الذي تستطيع أن تفهمه، ما يجعل من الصعب نسيانها، فالمعلومات المكتوبة في المناهج والكتب قد لا توافق طريقتك في عرض الأفكار أو تنسيقها.
2- حاول أن تشرح الفكرة لطفل صغير
بعد أن درست الموضوع وأصبحت ملمّاً به من كافة الجوانب، قم بإلقائه وكأنك تشرحه لطفل عمره 9 سنوات، أو اشرحه بالفعل لأحدهم مثل أخيك الصغير أو أحد الأقارب، مستخدماً عبارات بسيطة جداً، ومبتعداً عن التعقيد والمصطلحات الاختصاصية التي قد لا يستوعبها الطفل مستخدماً مثالاً توضيحيّاً لظاهرة معينة تشابه موضوع الدراسة أو حدثاً مألوفاً من الحياة اليومية.
يقول أينشتاين: "إن لم تستطع شرح المعلومة لطفل صغير، فأنت لا تفهمها جيداً". فمن الممكن مثلاً أن تشبّه خلايا الجهاز المناعي بمجموعة من رجال الشرطة الذين يقبضون على المجرمين الذين هم الفيروسات والعوامل الممرضة الأخرى، فيلاحقونهم ويتأكدون من هوياتهم عن طريق فحص المستضدات البروتينية التي تشبه الوشوم المميزة الموجودة على سطحها، أو تشبيه التيار الكهربائي كأنه نهر جارٍ بسرعة، أو تشرح له عن النظام الشمسي وكأنه مجموعة من الكرات المختلفة الحجم، وغيرها الكثير من الصور والتشابيه التي تساعدك في تثبيت المعلومة وفهمها بأدق تفاصيلها.
3- المراجعة وسد الثغرات المعرفية والتعديل
بمجرد قيامك بالمرحلة الثانية تستطيع تحديد النقاط التي لا زالت معقدة أو غير واضحة بالنسبة لك، ويُنصح بتدوينها والعمل عليها عن طريق البحث عن مراجع خاصة بها، مثل الفيديوهات التعليمية أو الكتب المرجعية الخاصة بالموضوع وكافة الطرق التي تشعر بأنها تفيدك في فهم الأفكار التي شعرت بأنها لم تكن مشروحة بشكل كاف في المرحلة السابقة، لأن تلك الثغرات المعرفية قد تكون السبب وراء نسيان المعلومة أو عدم قدرتك على استحضارها منطقياً بعد الدراسة، ويُنصح بتكرار هذه الخطوة كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
في نهاية هذه المرحلة يجب أن يكون موضوع الدراسة مكتملاً لديك، وسيكون تنظيمه في دفتر ملاحظاتك من أجل دراسته خلال الامتحان في وقت لاحق مفيداً لك، أو يمكن أن تفيد به زملاءك في الدراسة أو طلابك.
كيف أطبق هذه التقنية بسرعة قبل الامتحانات؟
على الرغم من أن تقنية فاينمان في الدراسة تتطلب وقتاً أطول نسبياً بالمقارنة مع طريقة القراءة والتكرار في الحفظ عند ممارستها لأول مرة، إلا أنها تجعلك قادراً على استنتاج الإجابة بمنطقيةٍ لاحقاً أثناء الامتحان، أو حتى في معالجة المشكلات بشكل عام. ومع الممارسة يصبح تطبيق التقنية سهلاً وسريعاً بالنسبة لك. نشاركك بعض الاقتراحات لاستخدام هذه الطريقة خلال فترة الامتحانات ومنها ما يلي:
- التركيز على بعض الأفكار المعقدة أو الدروس التي لا يمكنك فهمها بسهولة وتطبيق تقنية فاينمان عليها، وعدم تطبيقها على الدروس الواضحة والبديهية بالنسبة لك.
- تقاسم كتابة الملخص والشرح البسيط بينك وبين أصدقائك، إذ تستطيعون بهذه الطريقة إنهاء كمية أكبر من الدروس خلال وقت أقصر، ويعزز هذا الأسلوب العمل الجماعي بين الطلاب.
- تلخيص الشروحات التي أعددتها وربطها بشكل متسلسل، لكي تبتعد عن التكرار وتنطلق بشكل تدريجي في الدراسة من المستوى البسيط إلى الأكثر صعوبة بمراحل منطقية ومريحة أثناء المراجعة.
اقرأ أيضاً: أفضل 9 تطبيقات لمساعدة الطلاب على الدراسة
فوائد طريقة فاينمان في التعلّم
تحقق طريقة فاينمان عدة فوائد في التعلم، ومن الممكن تلخيصها بما يلي:
- السرعة في فهم المعلومات واستحضارها لاحقاً حتى بعد سنوات من دراستها.
- تنمية القدرة على التعليم، وإيصال المعلومات للآخرين.
- ملء الثغرات المعرفية لديك، عن طريق اكتشاف النقاط التي لا تشرحها بشكل جيد وإعادة دراستها.
- إمكانية استخدامها في كافة أنواع العلوم التي تدرسها، أو تعلمها لغيرك.
- تنمية مهاراتك بالنقد العلمي، وتفسير الظواهر المعقدة.
- الارتباط بالمعلومة شخصياً والتعلم الفعّال (active learning)، فهذه الطريقة تجعل من الطالب أستاذاً إن صح التعبير، فهو لا يتلقى المعلومة جاهزة بل يبحث عنها ويفهمها، ويشرحها بكلماته وطريقته المميزة.
اقرأ أيضاً: جوجل تطور ذاكرة مساعدها الذكي ليحمل أعباء الحفظ والتذكير
تعتبر تقنية فاينمان من أفضل طرق الدراسة الحديثة، وقد يُغني تطبيقها عن طريقة الحفظ التقليدي للمعلومة بالتكرار مراراً الذي يعتمد على تحفيز الذاكرة دون معالجة المعلومة أو فهمها، إذ استطاع فاينمان من خلال هذه الطريقة أن يدرس التفاضل والتكامل بمفرده في المرحلة الثانوية، وأن ينال جائزة نوبل في الفيزياء عام 1965 بسبب مخططاته التوضيحية ومساهمته الكبيرة في مجال الديناميكا الكهربائية الكمومية، ولا تزال محاضراته المسجلة بأسلوبه البسيط والفكاهي مصدر إلهام للطلاب والأساتذة إلى يومنا هذا.