مع الانتشار العالمي المتزايد لفيروس كورونا المستجد؛ بدأ الاهتمام بالتحاليل الطبية كوسيلة للاطمئنان على الصحة العامة، ويُعتبر تحليل «PCR- بي سي آر» أو تفاعل البلمرة المتسلسل، أحد أكثر التحاليل التي لا غنى عنها عند حدوث مثل تلك الأوبئة العالمية، لذلك طور مركز السيطرة على الأمراض اختباراً يعتمد على هذا التحليل؛ حيث اعتمد المركز مجموعة اختبارات لتستخدمها مؤسسة الغذاء والدواء الأميركية في حالات الطوارئ.
اختبار بسيط داخل أنبوب
تفاعل البلمرة المتسلسل «بي سي آر» هو تقنية حيوية تستخدم لصنع نسخ متعددة من جزء معين من الحمض النووي بسرعة وبدقة، وتم تطوير هذا الاختبار الإنزيمي البسيط عام 1983 بواسطة «كاري موليس»؛ عالم الكيمياء الحيوية الأميركي، والحاصل على جائزة نوبل عام 1993.
يتم الاختبار عن طريق تضخيم وتوليد نسخ من قطع الحمض النووي؛ كانت تلك العملية تستهلك الكثير من الوقت؛ أما اليوم فتقوم آلات خاصة بإجراء التحليل؛ حيث تقوم بدورات متكررة من تحليل البلمرة المتسلسل، لتنتج مليارات النسخ من قطع الحمض النووي في غضون ساعات قليلة.
كتب «كاري موليس» في مجلة ساينتيفيك أميركيان: «بدايةً من جزيء واحد من الحمض النووي للمادة الوراثية؛ يمكن لتفاعل البلمرة المتسلسل توليد 100 مليار جزيء مماثل خلال بضع ساعات، كما أنه سهل التنفيذ، فلا يتطلب أكثر من أنبوب اختبار، وبعضاً من الكواشف البسيطة ومصدراً للحرارة».
الحمض النووي: هو مادة كيميائية عضوية ذات بنية جزيئية معقدة، توجد في جميع الخلايا بدائية النواة، كما توجد كذلك في العديد من الفيروسات، فهو بمثابة «المادة الوراثية» للبشر وجميع الكائنات الحية الأخرى.
اقرأ أيضاً: وخزة في الإصبع: اختبار للكشف عن الأجسام المضادة لكورونا
ما هو اختصار PCR؟
إن الأحرف PCR هي اختصار للكلمات باللغة الإنجليزية Polymerase Chain Reaction؛ وتعني تفاعل البلمرة المتسلسل، وتشير هذا التسمية إلى آلية إجراء التحليل، فكلمة بلمرة هي مصطلح يشير لعملية نسخ الحمض النووي التي تتم بمساعدة إنزيم يسمى إنزيم البوليميراز، ولا تتم عملية نسخ الحمض النووي إلّا بوجوده؛ أما كلمة المتسلسل جاءت من سلاسل الحمض النووي، كون التحليل يؤدي إلى تشكيل عدد كبير من هذه السلاسل.
استخدامات تحليل PCR
ويعد «تحليل تفاعل البلمرة المتسلسل» واحداً من أهم الإجراءات الطبية للكشف عن مسببات الأمراض؛ حيث يتميز بأنه تقنية بسيطة لها نتائج سريعة ودقيقة للغاية، لذا لا غنى عنه في مختبرات البحوث الطبية والكيمياء الحيوية؛ حيث يُستخدم في عدة مجالات منها:
- الإجراءات الطبية
يُستخدم التحليل في الاختبارات الجينية؛ كالأمراض الوراثية، وقبل زرع الأعضاء، وصياغة علاجات لمرض السرطان.
- إجراءات الطب الشرعي
يجري تحليل البصمات الوراثية للإدانة أو اثبات البراءة في الجرائم المختلفة، كما أنه اختبار ناجح لإثبات النسب؛ حيث يجري في هذه الحالة للطفل ووالده، ويمكن من خلاله تحديد الهوية من بقايا جثة مجهولة، فهو يتمتع التحليل بميزة تحليل أحجام العينات بالغة الصغر حتى لو كانت متدهورة؛ بشرط عدم خلطها بحمض نووي أخر أثناء جمع العينة أو تخزينها ونقلها.
- الكشف عن البكتيريا والفيروسات
يمكن للتحليل الكشف عن الأمراض المعدية، وتحديد الإصابة بالفيروسات؛ مثل فيروس نقص المناعة المكتسب، أو فيروسات أخرى، كما يمكن للأطباء بواسطته الاكتشاف المبكر لعدة أنواع من السرطان؛ بما في ذلك سرطان الدم والأورام اللمفاوي حيث يتم الكشف عن فيروس الخلايا اللمفاوية التائية الأولى، والفيروسات التي تسببت في انتشار الأوبئة.
أثبت التحليل جدارته في الكشف عن مرض «الداء العليقي»؛ وهو مرض بكتيري جلدي مزمن يصيب الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً، كما يمكنه أيضا الكشف عن الإصابة بـ «حمى الضنك»؛ وهي نوع من الإصابة الفيروسية تنتقل بواسطة البعوض؛ فضلاً عن الكشف عن الإصابة بفيروس «إيبولا» الذي يصل معدل الوفيات لدى المصابين به إلى 90%.
كما يمكن للتحليل أن يكشف عن الإصابة بـ «الحمى الصفراء»؛ وهي مرض نزفي فيروسي حاد ينتقل عن طريق البعوض؛ حيث يتعرض المصابون به إلى مضاعفات خطيرة يمكن أن تودي بحياتهم في غضون 7 أو 10 أيام.
- بحوث البيولوجيا الجزيئية
يُستخدم في بحوث البيولوجيا الجزيئية؛ حيث يتم من خلاله معرفة تسلسل الحمض النووي، واستنساخ التعبير الجيني، فالتحليل ينتج كميات هائلةً من عينات الحمض النووي النقي من مصدر محدود؛ بالتالي يساعد على تحليل الحمض النووي من مصادر قديمة ومحدودة. على سبيل المثال؛ كما هو الحال في اختبارات ما قبل الولادة، أو عندما لا يتوفر قدر مناسب من الحمض النووي؛ مثلما يحدث عادةً في القضايا المتعلقة بالطب الشرعي.
- اكتشاف المومياوات
بالإضافة للاستخدامات الواسعة للتحليل، فهو يُستخدم كذلك في دراسة التطور البشري، وتحليل الحمض النووي للمومياوات، ففي عام 1912، تم إجراء تحديد للجنس بواسطة التحليل على 8 مومياوات لأشخاص بالغين، ومومياء واحدة لطفل تم اكتشافهم في صحراء «تاكلاماكان» في بالصين. يحتفظ متحف لوشون بالصين حالياً بتلك المومياوات التي ترجع لشخصيات عاشت في القرن السابع الميلادي؛ أي قبل أكثر من 1300 عام.
تم إجراء تحديد الجنس المفترَض على أساس الشكل الخارجي لـ 6 من البالغين الثمانية؛ لكن تعسر تحديد الجنس للإثنين الآخرين ولمومياء الطفل، نظراً للتدمير الملحوظ الذي لحق بهم بمرور الأعوام؛ هذا الأمر أنجزه تحليل «تفاعل البلمرة المتسلسل» بدقة وسرعة، بعد ما جمعت عينات من الشعر والعضلات والجلد من كل مومياء بالغة، وعينات من الجلد والضلع من مومياء الطفل؛ حيث أُجريت 40 دورة من دورات التحليل على المومياوات المتأكلة.
اقرأ أيضاً: أقل من 40 دقيقة: تحليل كورونا بات أسهل مع كريسبر
كيف يتم تحليل PCR؟
هناك مكونات رئيسية لإجراء التحليل؛ وهي إنزيم البلمرة والبادئ والقالب والنيوكليوتيدات. يتم تجميع مادة الاختبار في أنبوب اختبار، مع توفر العوامل المساعدة التي يحتاجها الإنزيم، ثم تعرّض لموجات متكررة من التدفئة والتبريد خلال دورات تتراوح بين 30 - 40 دورة؛ من خلال جهاز خاص يسرع تسخين وتبريد أنابيب الاختبار التي تحتوي على خليط التفاعل. في الخطوة الأخيرة؛ تتغير طبيعة الهيكل الصلب المستخدم ويتمدد، وتحدث هذه العملية في درجات حرارة مختلفة. هذه الخطوات كالتالي:
- رفع درجة الحرارة
يتم من خلالها فك تضاعف الحمض النووي المزدوج في درجة 94 مئوية، ويوفر هذا قالباً واحداً من الحمض النووي الذى يتم العمل عليه بداية من الخطوة الثانية.
- البلمرة
تتم عند درجات حرارة متوسطة- حوالي 54 درجة مئوية؛ حيث يتم فيها تبريد التفاعل حتى يتمكن البادئ من الارتباط مع سلسلة الحمض النووي؛ والتي اتخذت قالباً مفرداً في الخطوة الأولى.
- التضاعف
يتم من خلالها رفع درجة حرارة إلى 72 درجة مئوية؛ حيث تعمل البلمرة بشكلٍ أفضل، ومن ثم تبدأ عملية تشكيل جزيئات مضاعفة السلسة من الحمض النووي.
تكاليف مرتفعة
يعد التحليل من التحاليل باهظة التكلفة؛ خاصة عندما يستخدم الأنظمة المتطورة السريعة، بسبب ارتفاع تكاليف المواد التي يستهلكها، وهذه العوامل جعلته غير متاح في كافة المعامل الطبية والبحثية، ومع ذلك؛ يفضل الباحثون والمختصون إجراء هذا التحليل مرتفع التكلفة، نظراً لسرعته ودقته في فحص العينات.
في بداية انتشار فيروس كورونا في منطقة الشرق الأوسط؛ اشترطت بعض الدول العربية- خاصةً دول الخليج، أن يحمل الوافدون المقيمون لديها شهادةً تثبت أن الشخص معافىً وليس مصاباً (حاملاً) لفيروس كورونا؛ عبر إجراء التحليل. على سبيل المثال؛ وفي مطلع شهر مارس/ آذار، كانت قد أعلنت المملكة العربية السعودية منع دخول أى مواطن لا يحمل شهادة «بي سي آر» الطبية التي تؤكد أن الشخص غير مصاب بالفيروس. يتم إجراء هذا التحليل عادةً في المستشفيات التي تحددها سفارتها في الدول التي ظهر فيها فيروس كورونا؛ من خلال مختبرات معينة معتمدة من قبل المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها.
كما أعلنت وزارة الصحة المصرية في وقتٍ سابق، أن التحليل سيتم من خلال المعامل المركزية بوزارة الصحة والسكان، كما حددت سعر موحد للتحليل هو 1000 جنيه للمصريين، و 70 دولار للأجانب، ولا توجد أسعار أخرى. تصدر نتيجة التحليل خلال 24 ساعة من تاريخ أخذ عينة موثقة من المعامل المركزية.
اقرأ أيضاً: تطوير اختبار لفيروس كورونا من الهاتف المحمول يعطي النتائج خلال 10 دقائق
هل يكشف تحليل PCR فيروس كورونا؟
يستطيع تحليل الـ PCR الكشف عن فروس كورونا؛ وذلك بعد أخذ مسحة من أنف المصاب، ووضعها في أنبوب اختبار يحتوي مواد تحافظ على الفيروس ريثما تُرسل العينة إلى المختبر. في المختبر، تُجرى عدة تفاعلات قبل البدء بتحليل الـ PCR، وذلك للتخلص من أية مواد غير مرغوب بها موجودة في العينة؛ مثل المخاط والجراثيم أو جزيئات الغبار العالقة في الأنف.
وتشمل التفاعلات أيضاً التخلص من الغلاف البروتيني الفيروسي، لنحصل في النهاية على عينة تحتوي المواد الوراثية فقط؛ لكن قد تكون هذه المواد من الحمض النووي البشري، أو الجرثومي أو الفيروسي، وللكشف عن وجود المادة الوراثية لفيروس كورونا دون سواه، نبدأ بإجراء تحليل الـ PCR؛ حيث يُضاف البادئ المخصص لفيروس كورونا، فيسمح بتضاعف المادة الوراثية لفيروس كورونا فقط؛ والمتمثلة بالـ RNA الفيروسي، دون تضاعف المواد الوراثية الأخرى التي قد توجد في العينة.
كم يستغرق تحليل كورونا؟
إن إجراء تحليل الـ PCR يستغرق بضع ساعات فقط، من لحظة وصول العينة إلى المختبر حتى ظهور النتيجة السلبية أو الإيجابية؛ لكن طول المدة التي تحتاجها لاستلام نتيجة تحليل كورونا المعتمد على الـ PCR تختلف من بلد إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى؛ وذلك حسب بُعد منطقتك عن مكان إجراء الختبار، ونوع الجهاز المستخدم في إجراء التحليل، وكم عدد الاختبارات التي يمكن للجهاز إجراؤها دفعةً واحدةً. لذلك قد يستغرق تحليل كورونا من بضع ساعات حتى أيام، ويمكن أن يصل إلى أسبوع، قبل أن تتلقى نتيجة اختبارك.
اقرأ أيضاً: الإمارات تصنع محلولاً لاستخلاص الحمض النووي لفيروس كورونا