المواد الكيميائية الأبدية هي عائلة كبيرة من المواد الكيميائية الاصطناعية التي تحتوي على روابط قوية جداً من الكربون والفلور؛ إذ تضم أكثر من 4700 مادة كيميائية اصطناعية، وتُعرف علمياً باسم المواد فوق ومتعددة فلورو الألكيل (Per-and polyfluoroalkyl Substances) ويُشار إليها اختصاراً بـ (PFAS).
حصلت على لقبها المخيف هذا نظراً لثباتها الاستثنائي؛ فهي مستقرة جداً ومقاومة لعمليات التحلل الطبيعي، مثل التحلل الميكروبي والتفاعلات الكيميائية، ما يسمح لها بالبقاء في البيئة لفترة طويلة جداً من الزمن.
تُستخدم هذه المواد في العديد من العمليات والمنتجات الصناعية؛ إذ تتمتع بمجموعة من الخصائص الفريدة فهي مضادة للماء والزيوت والالتصاق، لذلك تستخدم في صناعة الملابس المقاومة للماء، والأقمشة المقاومة للبقع، وأدوات الطهي المضادة للالتصاق، كما تُستخدم في صناعة الرغاوي المكافحة للحرائق، ومواد تغليف وتعبئة المواد الغذائية.
جعل انتشار هذه المواد في كل مكان في البيئة وقدرتها على التراكم الحيوي في السلسلة الغذائية منها موضوعاً خطيراً وبالغ الأهمية، ومن أكبر أضرارها أنها تفاقم خطر الإصابة ببعض السرطانات. فما العلاقة بين هذه المواد والأورام السرطانية؟ وكيف يمكن أن تحمي نفسك منها؟
اقرأ أيضاً: ما مدى خطورة مادة البيسفينول أ الموجودة في أوعية الطعام البلاستيكية وزجاجات حليب الأطفال؟
هل تسبب المواد الكيميائية الأبدية السرطان؟ وما تأثيرها في الصحة؟
وجدت دراسة منشورة في مجلة علوم التعرض وعلم الأوبئة البيئية (Journal of Exposure Science and Environmental Epidemiology) عام 2023، نفّذتها مجموعة من الباحثين بقيادة الباحثة آمبر كاثي (Amber Cathey) من جامعة ميشيغان الأميركية، أن الأشخاص المصابين بالسرطان، خاصة المصابين بسرطان الجلد، لديهم مستويات أعلى بكثير من المواد الكيميائية الأبدية في أجسامهم مقارنة بالأشخاص الأصحاء.
حيث جمع الباحثون عينات الدم والبول من آلاف الأشخاص المشاركين في المسح الوطني الأميركي لفحص الصحة والتغذية، وركّزوا على تقصي 7 مواد من المواد الكيميائية الأبدية و12 مادة فينولية (Phenols) وبارابينية (Paraben)، وهي مواد كيميائية توجد عادةً في المواد البلاستيكية ومنتجات العناية الشخصية ومستحضرات التجميل.
كما تناولت الدراسة أنواعاً مختلفة من السرطانات؛ مثل سرطان الجلد، وسرطان الغدة الدرقية، وسرطان الثدي، وسرطان المبيض، وسرطان الرحم، وسرطان البروستات.
بيّنت النتائج وجود ارتباط بين ارتفاع مستويات المواد الكيميائية الأبدية في الجسم وزيادة احتمالية الإصابة بسرطان الجلد وخصوصاً عند النساء، وزيادة احتمالية الإصابة بسرطان الرحم وسرطان المبيض أيضاً. كما ارتبط ارتفاع مستويات بعض المواد الفينولية والبارابينات بزيادة احتمالات الإصابة بسرطان الجهاز التناسلي والثدي والرحم والمبيض.
اقرأ أيضاً: ما سر ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان في مرحلة الشباب لدول الشرق الأوسط؟
وقد سلّط الباحثون الضوء على مدى تعقيد نسبة السرطان إلى التعرض للمواد الكيميائية الأبدية فحسب؛ إذ من الصعب استبعاد العوامل المسهمة الأخرى، مثل العوامل الوراثية والنظام الغذائي ونمط الحياة والتدخين. ومع ذلك، فقد تسهم المواد الكيميائية الأبدية بالإصابة بالسرطان نتيجة قدرتها على تعطيل وظيفة الهرمونات والتسبب باضطرابات الغدد الصماء، ما يسهم في تطور بعض أنواع السرطانات التي تتوسطها الهرمونات؛ مثل سرطان الثدي والرحم والمبيض والبروستات.
وقد أشارت دراسة أخرى منشورة في دورية الصحة البيئية (Environmental Health) عام 2019، إلى أن المواد الكيميائية الأبدية قد تؤثّر في كمية هرمونات الأستروجين والتستوستيرون وهرمونات الغدة الدرقية الموجودة في الجسم، في حين أشارت مراجعة أجرتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (The International Agency for Research on Cancer) عام 2016، إلى أن القدرة على إحداث اضطرابات في الهرمونات هي إحدى الخصائص الرئيسية للمواد المسرطنة.
وبالإضافة إلى تورطها في الإصابة بأنواع متعددة من السرطان، فإن التعرض المزمن للمواد الكيميائية الأبدية، حتى ولو كان بمستويات منخفضة، يرتبط بآثار صحية سلبية عديدة؛ مثل أمراض الغدة الدرقية، وتلف الكبد، وارتفاع الكوليسترول في الدم، وانخفاض الاستجابات المناعية، وانخفاض وزن المواليد عند الولادة، وفقا لما ورد في دراسة منشورة في دورية ساينس (Science) عام 2022.
اقرأ أيضاً: كيف سيصبح شكل أجسام العاملين عن بُعد في عام 2100؟
كيف تحمي نفسك من هذه المواد الكيميائية؟
على الرغم من انخفاض استخدام المواد الكيميائية الأبدية بسبب ضغوط المستهلكين والإجراءات الحكومية والصناعية في العديد من بلدان العالم، التي عمدت إلى استعمال بدائل أكثر أماناً، لكن ليس من السهل أبداً تجنب هذه المواد، فهي لا تزال موجودة في كل مكان حولنا، في البيئة والعديد من المنتجات والأدوات، مثل عبوات الوجبات السريعة، وأدوات الطبخ المضادة للالتصاق، ومنتجات التجميل من واقيات الشمس إلى بلسم الشعر، ومنتجات العناية بالبشرة، والطلاء، ومياه الصنبور وغيرها.
اقرأ أيضاً: فترة عصيبة في تاريخ البشر أدت إلى موت نحو 99% من السكان قبل 800 ألف عام
ومع ذلك، يمكن اتباع بعض النصائح لتقليل التعرض لهذه المواد، مثل:
- تصفية مياه الشرب بواسطة المرشحات المعتمدة التي تساعد على التخلص من هذه الملوثات.
- الحد من استهلاك الوجبات السريعة المغلفة والفوشار القابل للتسخين في المايكرويف.
- غسل الفاكهة والخضروات جيداً قبل تناولها.
- استخدام أواني الطهي المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ بدلاً من الأواني المضادة للالتصاق.
- شراء الأثاث الذي لا يحمل علامة مقاوم للبقع.
- تجنب مستحضرات التجميل والعناية التي تحتوي على مكونات الفلورو (Fluoro) أو البيروفلورو (Perfluoro).
- التنظيف بالمكنسة الكهربائية على نحو متكرر.