ملخص:
المشكلة: يتأثر مظهر الشخص بالعديد من العوامل، ومنها الاسم، حيث يتغير مظهر وجه الشخص بمرور الوقت بناءً على اسمه.
السبب: يميلُ الأشخاص إلى التأثر بالتوقعات الاجتماعية المرتبطة باسمهم، وهو ما يُعرف بـ "النبوءة ذاتية التحقق"، إذ يمكن أن تؤثّر تصرفات الآخرين وتوقعاتهم منا في سلوكياتنا وأفعالنا، ومنها مظهرنا الخارجي.
الحل: على الرغم من أهمية الاسم، لا يمكن تجاهل العوامل الأخرى التي تسهم في تشكيل الشخصية، مثل الوراثة والتجارب والبيئة والأدوار التي نؤديها. ومع ذلك، يوصي الخبراء الوالدين باختيار الاسم المناسب لطفلهما في إطار ثقافتهما، مع الوضع في الاعتبار تأثيرات الاسم الإيجابية والسلبية.
يقول غوردون أولبورت Gordon Allport، أحد مؤسسي علم نفس الشخصية: "اسم المرء يظل الدعامة الأهم لهويته الذاتية طيلة حياته". ويقال لنا ألّا نحكم على الكتاب من غلافه، لكننا جميعاً قد نفعل ذلك. فمظهر الوجه يؤثّر على نحو كبير في كيفية إدراك الشخص لذاته، وحكم الآخرين عليه، حيث يمتد تأثيره إلى خصائص أساسية، مثل الذكاء والجاذبية والثقة والسيطرة. لكن هل يمكن أن يتأثر مظهرنا بعوامل أخرى مثل الاسم. فبحسب دراسة جديدة، يمكن لاسم الشخص أن يؤثّر في مظهر وجهه مع مرور الوقت. في هذا المقال، نتعرف إلى العلاقة بين الاسم ومظهر الوجه، والأسباب المحتملة لهذه العلاقة.
اقرأ أيضاً: كيف يُعيد إدمان الإنترنت هيكلة أدمغة المراهقين؟ دراسة جديدة تكشف
مظهر وجه الشخص يتأثر باسمه بمرور الوقت
أظهرت دراسة جديدة نشرتها مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS) journal (Proceedings of the National Academy of Sciences، بقيادة أستاذة التسويق بكلية أريسون للأعمال في جامعة رايخمان، يونات زويبنر Yonat Zwebner، وبالتعاون مع فريق من الباحثين بالجامعة العبرية، أن لاسم الشخص تأثيراً في مظهر وجهه مع مرور الوقت. ووجدت الدراسة أنه يمكن مطابقة وجوه البالغين مع أسمائهم بدقة أعلى من التخمين العشوائي. ولم تُلحظ هذه الظاهرة بين الأطفال.
استخدم الباحثون "تأثير مطابقة الوجه للاسم" كأداة لفحص هذه الفرضية. يشير هذا التأثير إلى قدرة الناس على ربط الأسماء بوجوه الأشخاص، بطريقة أفضل من مجرد الصدفة. وتفترض الدراسة أن الناس يُشبهون أسماءهم بداية من مرحلة البلوغ، لكنهم لا يشبهونها في مرحلة الطفولة. واختبر الباحثون هذه الفرضية من خلال استخدام 3 نماذج:
- النموذج الأول: يتم الطلب من المشاركين مطابقة وجوه أشخاص بالغين وأطفال مع أسمائهم. وتظهر النتائج أن المشاركين قادرون على مطابقة أسماء البالغين مع وجوههم بطريقة صحيحة، بينما لم يتمكنوا من مطابقة أسماء الأطفال مع وجوههم.
- النموذج الثاني: يُستخدم "التعلم الآلي" لإيجاد تشابه في مظهر وجوه الأشخاص الذين يحملون الاسم نفسه. تظهر النتائج أن الأشخاص البالغين الذين يحملون الاسم ذاته تتشابه مظاهر وجوههم، بينما لم تتم ملاحظة هذا الترابط بين الأطفال.
- النموذج الثالث: تستخدم الدراسة "التعلم الآلي" لتحويل صور الأطفال إلى مظهر البالغين. وتظهر النتائج أن وجوه الأطفال التي حوّلها الحاسوب إلى مظهر البالغين، لم تشابه أسماءهم بطريقة مقاربة للأشخاص البالغين الذين جرى فحصهم في النموذج الأول.
يفسِّر الباحثون هذه النتائج بأن التوقعات الاجتماعية يمكن أن تؤثّر في مظاهرنا الجسدية بمرور الوقت. ويبدأ تأثير الاسم في مظهر الوجه مع بداية مرحلة البلوغ، وذلك لأن الناس يبدؤون في التأثر بالتوقعات الاجتماعية المرتبطة باسمهم، أو ما يُعرف بفرضية "النبوءة ذاتية التحقق" Self-fulfilling prophecy؛ أي أن توقعات الآخرين وتصرفاتهم يمكن أن تشكّل سلوكياتنا وأفعالنا، وهذا يشمل ملامح وجوهنا بمرور الوقت.
وعلى الرغم من أن هذه الدراسة تقدّم دليلاً جديداً على تأثير الاسم في مظهر وجه الشخص بمرور الوقت، ولكن من المهم إجراء المزيد من الدراسات على مشاركين من ثقافات مختلفة للتحقق من هذه النتائج، وفهم الآليات التي تفسِّر العلاقة بين الاسم والمظهر على نحو أفضل.
اقرأ أيضاً: هل يكشف الذكاء الاصطناعي ملامح شخصيتك من بيانات وجهك؟
هل اسمك يعكس ملامح وجهك؟
يقول أستاذ الإدارة وريادة الأعمال في جامعة ولاية أريزونا، وباحث في سيكولوجية الأسماء، ديفيد تسو David Zhu: "الاسم يشكّل ركيزة أساسية للغاية للتصور الذي يكوّنه المرء عن ذاته، خاصة على صعيد علاقاته بالآخرين، وذلك لأنه يُستخدم لتعريف الفرد والتواصل معه بصفة يومية"
تشير دراسة سابقة أجرتها زويبنر مع مجموعة من الباحثين إلى أننا قد "نرتقي إلى مستوى اسمنا"، وذلك بالتكيُّف مع الخصائص الجسدية المرتبطة به. فقد نتوافق لا شعورياً مع أسمائنا، من زيادة الوزن إلى اختيار تسريحات شعر معينة، ويعتقد أن صوت الاسم يؤثّر في الشكل الذي يبدو عليه الشخص. أطلق الباحثون على هذه الظاهرة اسم "تأثير دوريان غراي" "Dorian Grey effect"، نسبة إلى شخصية أوسكار وايلد الشهيرة، التي يبقى وجهها شاباً بينما تتقدم صورته في السن، وهو يعكس تغير المظهر الخارجي بناءً على عوامل داخلية، ويمكن اعتبار تغير المظهر الخارجي بناءً على الاسم أحد تأثيرات هذه الظاهرة.
قالت إحدى الباحثين في الدراسة، روث مايو Ruth Mayo، إن "هذه النتائج تشير إلى أن مظهر الوجه يمثّل التوقعات الاجتماعية حول الشكل الذي يجب أن يبدو عليه الشخص الذي يحمل اسماً معيناً". وأضافت: "نحن نخضع للهيكلة الاجتماعية منذ لحظة ولادتنا، ليس فقط حسب الجنس والعرق والوضع الاجتماعي والاقتصادي، ولكن من خلال الاختيار البسيط الذي يتخذه الآخرون بإعطائنا اسمنا".
وفي السياق ذاته، يقول الطبيب النفسي، أحمد أحمد ضبيع، في تصريحه إلى منصة «بوبيولار ساينس»، إن هناك توقعات اجتماعية قد تؤثّر في الفرد، فتجعله يغيّر بعض الأمور، سواء في شكله أو جسده، كي يتناسب مع المجتمع. فمثلاً، هناك مجتمعات تفضّل أن يكون الرجال أقوياء العضلات، أو أن تكون النساء نحيفات بشعر مصفف، وهكذا. يوضّح ضبيع أنه لو كان هناك رجل يُدعى "إيمان"، فقد يكون حريصاً على أن يظهر أكثر رجولة بسبب اسمه المناسب للإناث أيضاً. والوضع نفسه بالنسبة للنساء، فلو كانت هناك امرأة تُدعى "رضا"، فقد تحاول أن تكون أكثر أنوثة كي لا يشعرها اسمها بالخجل. ويفسِّر ضبيع ذلك بأننا قد نربط بين أسماء وأشكال معينة، فعندما نذكر اسم أحمد أو محمد مثلاً ندرك أنه اسم تقليدي، مصرياً في الغالب. لذلك، نتوقع أن يكون الشكل مصرياً. ففي بعض الأحيان، هناك تأثير في المظهر، لكن ليس في الوجه، فملامح الوجه لا يغيرها الشخص كي تناسب اسمه. وخلاصة الأمر، إن تغيير المظهر ليس كي يطابق اسم الشخص، وإنما هو تعويض بسيط من أجل التكيُّف مع الواقع، مثلما يفيد ضبيع.
اسمك لا يؤثّر في مظهرك وحسب!
يقول الروائي الإنجليزي جورج أورويل: "في سن الخمسين، يتمتّع كل شخص بالوجه الذي يستحقه"
يمكن أن يكشف الاسم عن أصل الشخص العرقي أو جوانب أخرى من خلفيته، وهذا يمكن أن يؤثّر في التفاعلات الاجتماعية، وفرص التوظيف، ويؤدي إلى التحيز الاجتماعي، وحتى مساعدة الغرباء بناءً على الاسم، وتقييمه سواء سلباً أو إيجاباً، والحكم على شخصيات الأفراد، بناءً على سهولة نطق أسمائهم أم لا. وقد تحمل الأسماء دلالات إيجابية أو سلبية في الثقافة المجتمعية نفسها، و يمكن أن تؤثّر في شعور الأشخاص حيال أنفسهم.
اقرأ أيضاً: خوارزمية قادرة على تمييز الألم من ملامح وجهك
أظهرت دراسة أميركية، نشرتها دورية علم النفس الاجتماعي التطبيقي (Journal of Applied Social Psychology)، أن من لا تروق لهم أسماؤهم قد يعانون قلة الثقة في النفس، وذلك لأن الاسم "يشكّل رمزاً للذات".
ووجدت دراسة ألمانية أن الأشخاص الذين يحملون أسماء لا تناسب العصر أو الموضة قد يواجهون رفضاً أكثر من أولئك الذين يحملون أسماء عصرية. و يمكن أن يؤثّر الاسم في مستوى التعليم، وتقدير الذات، وحتى ميل الشخص إلى ارتكاب الجرائم.
وتشير دراسة صينية إلى أن الأسماء الأقل شيوعاً قد تُشعر المرء بالتفرد، وتشجّعه على السعي في المسارات المهنية المتميزة، فقد يتسم الأشخاص أصحاب الأسماء النادرة بالإبداع والعقلية المتفتحة، مستمدين ذلك من إحساسهم بتفرد أسمائهم وتميزها.
على الرغم من أهمية الاسم، لا يمكن تجاهل العوامل الأخرى التي تسهم في تشكيل الشخصية، مثل الوراثة والتجارب والبيئة والأدوار التي نؤديها. ومع ذلك، يوصي الخبراء الوالدين باختيار الاسم المناسب لطفلهما في إطار ثقافتهما، مع الوضع في الاعتبار تأثيرات الاسم الإيجابية والسلبية.