دراسة علمية تكشف سر صلابة خيوط العنكبوت

دراسة علمية تكشف سر صلابة خيوط العنكبوت
حقوق الصورة: ديبوزت فوتوز.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتمد العناكب بدرجة كبيرة على شباكها الحريرية للبقاء على قيد الحياة، لذلك فالعناكب التي لا تستطيع أن تنسج حريراً جيداً بما فيه الكفاية لصنع شبكة تصطاد بها الحشرات ستواجه صعوبات كبيرة في الحصول على غذائها. تنتشر العناكب في جميع أنحاء العالم؛ لذلك، كلما كانت شباكها متكيفة بدرجة أفضل مع البيئة، كانت أكثر فعالية في أداء وظيفتها.

الغراء يتطور أسرع من العناكب

في دراسة نُشرت في 18 أبريل/ نيسان في مجلة فرونتيرز إن إيكولوجي آند إيفوليوشن (Frontiers in Ecology and Evolution)، اكتشف علماء الأحياء أن الغراء الذي يزيد من لزوجة شباك العناكب غازلة النسيج الدائري يتطور بسرعة أكبر من تطور جينات العناكب التي تنتجه.

تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة، وعالمة الأحياء في جامعة واشنطن ولي (Washington and Lee University)، ناديا أيوب، في بيان صحفي: “إن اكتشاف المكونات البروتينية اللزجة للغراء البيولوجي يمكن أن يساعد في تحديد كيفية تطور خصائص هذه المواد طبيعياً، وتمثل ألياف حرير العنكبوت والغراء الذي ينتجه نموذجاً رائعاً للإجابة عن مثل هذه الأسئلة، لأنها تتكون أساساً من البروتينات التي تُشفّرها الجينات”.

تشبه خيوط شبكة العناكب غازلة النسيج الدائري الخيوط الفردية المستخدمة في فن النسيج، ويعمل كل منها على التقاط الطعام على نحو مستقل. يمتص إطار شبكة العنكبوت الصلب أثر اصطدام الفريسة، فتلتصق الخيوط اللزجة بالفريسة وتمنع هروبها، ما يسمح للعنكبوت بالتقدم وتناول الفريسة بسهولة. تنتج مجموعة غدد الحرير في العنكبوت غراءً خاصاً يجعل خيوط الشبكة لزجة عن طريق امتصاص الماء من الغلاف الجوي، وتعمل العناكب على تعديل تركيبة الغراء الذي تنتجه وفقاً لنسبة الرطوبة في الجو لزيادة درجة الالتصاق.

يعتقد الفريق المشارك في هذه الدراسة أن غراء العناكب يتكيف مع مستويات الرطوبة في الجو نظراً لوجود عدة أنواع من العناكب غازلة النسيج الدائري في بيئات مختلفة.

اقرأ أيضاً: العناكب تنام وتحلم مثل البشر: فيديو فريد يلتقط حركاتها أثناء النوم

استراتيجية تكيف الغراء

ولدراسة استراتيجية تكيف الغراء، ركز الفريق على نوعين من العناكب، هما عنكبوت أرجيوبي أرجنتاتا (Argiope argentata)، أو أرجنتانا اختصاراً (A. argentata)، وعنكبوت أرجيوبي ترايفيسايتا (Argiope trifasciata)، أو ترايفيسايتا اختصاراً (A. trifasciata). يعيش عنكبوت أرجيوبي أرجنتاتا في بيئات جافة، وموطنه الأصلي هو جنوب ولاية كاليفورنيا. درّب الفريق العناكب على بناء شباكها في المختبر، وقدم لها نظاماً غذائياً يشبه الفرائس التي تتغذى عليها عادة في الطبيعة، ثم قارن حجم قطرات الغراء التي تنتجها في الطبيعة مع حجم القطرات التي تنتجها في المختبر للتأكد من تطابقها. جمع الفريق بعض شباك عناكب أرجيوبي ترايفيسايتا التي تعيش ضمن البيئات الرطبة في شتى أنحاء العالم.

وبعد تحليل البروتينات الموجودة في الغراء والخصائص المادية للقطرات، وجد الفريق أن قطرات الغراء التي تنتجها عناكب أرجيوبي أرجنتاتا، التي تعيش في الأماكن الجافة، أصغر من تلك التي تنتجها عناكب أرجيوبي ترايفيسايتا، التي تعيش في بيئة أكثر رطوبة، كما أنها تمتص كمية أقل من الماء مع زيادة الرطوبة المحلية. وأظهرت التحاليل أيضاً أن غراء عناكب أرجيوبي أرجنتاتا يحتوي على نوى بروتينية أصغر تشغل نسبة أقل من حجم قطرة الغراء وتمتص من الجو المحيط كمية أقل من الماء.

كما أشار الفريق إلى أن صلابة نوى البروتين داخل قطرات الغراء تنعكس على صلابة القطرات نفسها، إذ تتناقص صلابة نوى البروتين لدى عنكبوت أرجيوبي أرجنتاتا مع ارتفاع نسبة الرطوبة. تتميز قطرات الغراء الموجودة على خيوط عنكبوت أرجيوبي أرجنتاتا باللزوجة العالية وتقل المسافات فيما بينها على طول الخيط.

دور البروتينات الموجودة في الغراء

عندما حلل الفريق البروتينات الموجودة في الغراء لفهم تأثيرها في اختلاف الخصائص المادية له، وجد تبايناً في نسبة البروتينات على الرغم من أنها كانت متشابهة في الهيكل والتركيب. إذ يحتوي الغراء الموجود على خيوط عنكبوت أرجيوبي أرجنتاتا على بروتينات أُنتجت من 4 جينات، وهذه البروتينات غير موجودة في غراء عنكبوت أرجيوبي ترايفيسايتا. إن وجود هذه البروتينات الإضافية إلى جانب نسبة متوازنة من البروتينات الرئيسية، التي تسمى أيه جي إس بي 1 (AgSp1) وأيه جي إس بي 2 (AgSp2)، يمكن أن يفسر سبب صلابة هذا الغراء وقلة امتصاصه للماء مقارنة بالغراء الذي تنتجه عناكب أرجيوبي ترايفيسايتا.

يقول المؤلف المشارك، وعالم الأحياء في جامعة فرجينيا تِك (Virginia Tech)، برينت أوبل (Brent Opell) في بيان صحفي: “على الرغم من الاختلافات الكبيرة في الخصائص المادية لهذين النوعين، لكنهما يتشابهان في معظم مكوناتهما البروتينية، كما تتشابه تسلسلات هذه البروتينات بين النوعين، لكن تختلف نسبة وجود كل بروتين من هذه البروتينات في كل نوع. من المحتمل أن يكون تعديل نسب البروتينات آلية سريعة وفعالة لتعديل الخصائص المادية للغراء البيولوجي الذي تنتجه العناكب”.

اقرأ أيضاً: تعرَّف إلى الحشرات الأقوى والأقدم من الديناصورات

وفقاً للفريق، فإن أحد أوجه قصور هذه الدراسة يتمثل في تركيزها على نوعين فقط من العناكب، بالإضافة إلى عدم تمكن الباحثين حتى الآن من تحديد العلاقة بين البروتينات الموجودة في غراء العناكب والخصائص المادية لشباكها. ومن أجل معالجة هذه المشكلة، يعمل الفريق على توثيق المكونات البروتينية والخصائص المادية لدى أنواع أخرى من العناكب.

يمكن أن تسهم الدراسات المستقبلية حول حرير العناكب وخصائصه في استخدامه بالعديد من المجالات العلمية والتكنولوجية. يقول أوبل: “يملك كل من غراء العنكبوت وحريره ميزات حيوية مهمة يمكننا محاكاتها، إذ تصنع العناكب غراءً يتميز بخصائص رائعة يمكن استخدامه في الصناعة والطب ومجالات أخرى”.