هل يمكن أن تصمم آبل محرّك بحث ينافس جوجل؟

3 دقيقة
محرك بحث

انتشرت العديد من الأخبار أن شركة آبل زادت من نشاطها المتعلق بروبوتات محركات البحث بشكلٍ كبير؛ هذه الروبوتات تمسح مواقع الإنترنت لتصنّفها وترتّبها ضمن نتائج محركات البحث. عندما تبحث عن شيء ما في محرك بحث، تكون النتائج منسّقة وفقاً «للتصنيف»؛ مما يعني أنّ النتيجة الأقرب لما بحثت عنه تظهر أولاً.

ازدياد نشاط آبل في هذا المجال يَظهر بجانب الضغط الذي تمارسه لجنة المنافسة في المملكة المتحدة بهدف إبطال صفقة شركة آبل التي تُقدَّر بمليارات الدولارات مع جوجل؛ هذه الصفقة تضمن أن يكون جوجل هو محرّك البحث الافتراضي في أجهزة آبل التي تعمل بنظام آي أو أس. يتوقع الكثيرون أن آبل في طريقها لإطلاق محرّث بحث خاص بها قريباً.

دخول آبل إلى سوق محركات البحث يأتي بعد دخول شركة مايكروسوفت لأول مرة بـ 11 سنة، وهذه الأخيرة هي المنافِسة الوحيدة الجديرة بالذِّكر لجوجل حتى الآن. محرك بحث «بينج» الذي طورته مايكروسوفت لا يُعتبر ناجحاً بأي شكل، على الرغم مما يدّعيه فريق العلاقات العامّة هناك، كما أنه يستمر بالقصور مقارنة بمنصة جوجل الشائعة من ناحية الأداء الاقتصادي والقوة في السوق. حقيقة، كل سنة دراسية، ندرّس أنا وزميلي الأستاذ «كمال منير» حالة متعلّقة بتاريخ محرّك «بينج» ضمن برنامج ماجستير إدارة الأعمال في جامعة كامبريدج؛ كقصّة ذات عبرة عما قد يحدث إذا اختارت شركة ما منافسة منصّات قويّة، لكن على عكس محرّك بينج من مايكروسوفت، ستكون مناورة آبل الافتتاحية مختلفة تماماً، ومن المرجّح أن تُقدّم نتائج أفضل.

إعادة ضبط قواعد المنافسة

إحدى أهم الأخطاء التي ارتكبَتها مايكروسوفت بإطلاقها محرك بينج هي أنها اتّبعت نفس نموذج العمل المبني على الإعلانات التي كانت جوجل تستخدمه. يُدخل المستخدمون في نموذج العمل هذا ما يريدون البحث عنه، وبناءً على ذلك، يُظهر المحرّك أيضاً إعلانات ذات علاقة قد تثير اهتمام المستخدم. حتى يكون هذا العمل مُربحاً، سيتطلب ذلك عدداً كبيراً من المستخدمين، وعدداً كبيراً من المعلنين المستعدّين لبيع منتجاتهم لهم، إلى جانب ملايين المواقع التي تم مسحها من قبل روبوتات محركات البحث سابقة الذِّكر. كل العوامل الثلاث السابقة يجب توافرها لإظهار نتائج مفيدة للمستخدمين، ووصل الزبون المناسب بالمُعلِن المناسب.

ضمن هذه العملية، يُدفع المال لجوجل لقاء ربط الإعلانات المناسبة بالمستخدم المناسب، وكلما زاد عدد عمليات البحث، زادت النتائج إفادةً، وكلما زاد ذلك، تحسّنت دقة توجيه الإعلانات. عانى محرك بينج في خلق هذه الظروف، ولم يصل أبداً إلى مستوى البحث الذي يتمتّع به محرّك بحث جوجل.

إذا كانت الشائعات صحيحة حول نموذج العمل الخاص بمحرّك بحث شركة آبل الجديد، فسيكون له مستقبل مختلف. تُركّز هذه الشركة بشكل خاص على خصوصية المستخدم مؤخراً، وذلك يشمل ولا يقتصر على رفضها منح مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي ولوجاً سرّياً إلى أجهزتها. سيكون محرك البحث الجديد متّسقاً مع سياسة آبل التي تعطي الأولوية للخصوصية لدرجة أنّ الشركة اختارت ألا تربح الأموال من الإعلانات، وهي عملية تتضمّن الكشف عن بيانات المستخدمين لأطراف ثالثة (غير الشركة والمستخدم). بدلاً من ذلك، يمكن للشركة أن تبيع المزيد من أجهزتها وإشتراكاتها المُربحة للغاية لزبنائها المدركين لأهمية الخصوصية. بسبب عدم تكرار أساليب جوجل، لن تضطر شركة آبل لأن تتنافس مع محرّك البحث العملاق هذا وفقاً لقواعده الخاصة.

مغالطة المُنتَج الأفضل

تقدم شركة آبل عدداً وافراً من المنتجات الشهيرة لتعزيز أرباحها. جوليان أوهايا / أنسبلاش

عندما أُطلق محرّك بينج، كان يمتلك ميّزات لم تكن لدى محرك جوجل في ذلك الوقت، شملت هذه الميّزات «المعاينة المحلّقة» لنتائج البحث، إضافة إلى تخصيص أنواع البحث المتعلّق بالرحلات، التّسوّق، الشركات المَحلّيّة والصحّة. ادّعت مايكروسوفت أنه من ناحية جودة نتائج البحث، سيُؤدّي المحرّك بشكل مماثل أو أفضل من محرّك جوجل، لكن لم ينتصر محرك بينج في المنافسة بين محركات البحث على الرغم من أنه متفوّق كمُنتج.

هذا الجانب من تاريخ محرّكات البحث يفيد شركة آبل، والتي تحتاج لأن تتميّز عن جوجل بطريقة ما. في الواقع، يجب أن تكون نتائج محرّك بحث آبل «جيدة بما يكفي» ليعتمدهُ المستخدمون على نطاق واسع. يمكننا أن نرى ذلك في نتائج البحث على تطبيق آبل مابس، والذي أُطلق في 2012. كسب هذا التطبيق حصّة كبيرة من أسهم السوق تبلغ 60% عند المستخدمين في المملكة المتّحدة على الرغم من بدايته الشّاقة التي نتجت عن تغطيته الجغرافية الضعيفة. ينطبق نفس الأمر على تطبيق آبل ميوزك، والذي أصبح ثاني أكبر تطبيق لسماع الموسيقى على الإنترنت على الرغم من أنّه أُطلق بعد 9 سنوات من تطبيق سبوتيفاي.

آثار جانبية خطيرة

بدأت آبل بالفعل باستبدال نتائج بحث محرّك جوجل بنتائجها الخاصة في التحديث الأخير لنظام آي أو أس 14. لاحظَ معظم مستخدمو آي أو أس بالكاد هذا التغيير نتيجة لكل الأسباب المذكورة سابقاً، لكنّ هذا التبديل المُتخفّي تترتّب عليه تحدّياته الخاصة. نتيجةً لتحديد محرك البحث خاصتها كمحرّك افتراضي في أجهزتها، ستعرّض الشركة نفسها لانتقادات التلاعب من المنافسين في مختلف الأسواق. من المرجّح أيضاً أن تثير سخط شركات الإعلانات التي قد تفقد القليل من قدرتها للوصول إلى مستخدمي آبل. مجموعة زبائن آبل هي مجموعة مرغوبة بسبب قدرتها الشرائية فوق المتوسطة، وعن طريق جعل تجنّب الإعلانات أسهل، قد تخلق آبل اضطراباً هائلاً في سوق الإعلانات ككل.

سيطرة جوجل على البحث في الإنترنت لن تنتهي بدخول آبل إلى المنافسة، لكنها ستَضعُف بسبب ميول المستخدمين المتزايد إلى ضمان الخصوصية. نظراً لأن نموذج عمل جوجل يختلف جذرياً عن نظيره لدى آبل، من المرجّح أنّ جوجل ستضطر لأن تتكيّف مع محرّك البحث الخاص بمنافستها بدلاً من أن تفضّل مواجهته بشكل مباشر.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي