تأمل المبنى الذي تجلس فيه، وتساءل عن أبسط مكوناته، ستأتيك الإجابة فوراً "إنه الطوب". الطوب هو وحدة بناء المباني والمنازل عموماً. يمكن النظر إلى جسم الإنسان على أنه مبنى أيضاً، لكن وحدة بنائه مختلفة، وتُسمى "الخلية". وهي موجودة داخل أجسام جميع الكائنات الحية على وجه الأرض، وتختلف مكوناتها باختلاف نوع الكائن. مع ذلك، لم يكن لدينا فكرة عن كيفية عملها. لكن جاءت دراسة حديثة بأمل جديد.
ما هي الخلية؟
الخلية هي أصغر جزء في الكائن الحي ووحدة بنائه، تستطيع العيش بمفردها، ويظهر ذلك من خلال حياة الكائنات المجهرية من البكتيريا والكائنات وحيدة الخلية الأخرى. وتتكون من 3 أجزاء رئيسية:
- غشاء الخلية: وهو غشاء يحيط بالخلية ويتحكم في المواد الداخلة والخارجة منها.
- النواة: تحتوي على المادة الوراثية للخلية.
- السيتوبلازم: وهو سائل هلامي تسبح فيه عضيات الخلية.
اقرأ أيضاً: تقنية كريسبر للتعديل الجيني تنجح في تخفيض مستويات بروتينات شاذة مسببة للأمراض في الدم
كيف كانت المحاكاة الحاسوبية لآلية عمل الخلية؟
نجح فريق من الباحثين من جامعة إلينوي في الولايات المتحدة الأميركية في إجراء محاكاة كاملة بالحاسوب لخلية حية، ما سيُساعد في تسريع استكشاف الديناميكيات الأساسية داخل الخلية، وماذا سيحدث إن اختلفت عما هو معتاد. ونُشرت الدراسة في يناير/كانون الثاني 2022 في دورية "سيل" (Cell) بقيادة الدكتورة "زايدة شولتن".
حاول الباحثون بناء خلية رقمية، لدراسة الخلايا الحية جيداً، لكن لم يكن الأمر سهلاً، لأنّ الخلايا معقدة للغاية، ويصعب محاكاتها، حتى استطاع باحثو جامعة إلينوي فعل ذلك. والغرض من هذه المحاكاة الحاسوبية هو صُنع نموذج رقمي للخلية، يساعد في التوّصل إلى نتائج تحتاج للعديد من التجارب حتى نحصل عليها. كما استطاع الباحثون ملاحظة دورة تكاثر الخلية والكشف عن كثير من المعلومات التي لم تكن معروفة حول علم وظائف الأعضاء.
وفي الدراسة، استخدم الباحثون نتائج الدراسات السابقة وبدؤوا في بناء خلية جديدة، من خلال:
- وضع البروتينات المعروفة داخل الخلية بعد تحليل البروتين فائق الدقة.
- وضع الجزيئات بصورة صحيحة بعد تحليل التركيب الكيميائي لغشاء الخلية.
ثم راقبوا نمو الخلية وانقساماتها التي صاحبت آلاف من التفاعلات الحيوية والكيميائية، ولاحظوا طريقة عمل كل جزيء والتغيرات الطارئة عليه بمرور الوقت. كما تتبعوا ما يحدث داخل الخلية الرقمية، مثل: حركة العناصر الغذائية والنفايات والجزيئات الخلوية، وذلك عبر تكرار العمليات الحيوية التي تحدث بصورة طبيعية داخل هذه الخلايا.
إضافة إلى ذلك، ساعدت التجربة في توّقع خصائص الخلايا التي لم تتم ملاحظتها، منها: كيفية توزيع الخلية للطاقة، وسرعة تحلل الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، ما سيُساعد الباحثين في فهم طريقة تنظيم الخلية.
اقرأ أيضاً: لماذا تعد الفطريات مهمة للحياة على الأرض؟
ما الذي يميز نموذج الخلية الرقمية لهذه الدراسة؟
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها العلماء على صنع خلية رقمية، فالخلية التي صممها الباحثون في جامعة إلينوي، ما هي إلا تطوير لنموذج آخر تم بناؤه بواسطة علماء في معهد "كريغ فنتر" (Craig Venter) عام 2016. لكنها في نفس الوقت أكثر تميزاً عن الخلايا السابقة، وتُعد بمثابة نقطة انطلاق لبناء نماذج رقمية للخلايا الأكثر تعقيداً.
وتتميز الخلية التي ابتكرها علماء جامعة إلينوي بسهولة التعامل معها، لأنها تحتوي على عدد قليل من الجينات الضرورية للبقاء على قيد الحياة، ما يجعلها بسيطة ومناسبة تماماً للعمل عليها. وهي خلية صغيرة جداً. تختلف حالتها عن أي خلية أخرى، وتقع عند الخط الفاصل بين الموت والحياة.
وتمتلك الخلية الجديدة 493 جيناً فقط، وهو ما يعادل ثُمن عدد الجينات في بكتيريا "الإشريكية القولونية" (E.coli)، لكن ما زال هناك بعض الأشياء غير واضحة، فمثلاً هناك 94 جيناً لا يعرف أحد وظائفها، لكن دونها تموت الخلية، ما يعني أنّ وجودها له دور في عمليات أساسية ضرورية للحياة، ولكن لا يعرف العلم عنها شيء. ما يجعل هذه الدراسة منفذاً للعديد من الأبحاث الأخرى التي تساعد في فهم ودراسة تعقيدات الخلية البشرية.