وداعاً للمسكنات الأفيونية: ابتكار أول زرعة تحارب الألم دون أدوية

3 دقائق
وداعاً للمسكنات الأفيونية: ابتكار أول زرعة تحارب الألم دون أدوية
في أوسع نقطة له، يبلغ عرض الجهاز الصغير 5 ملليمترات فقط. يتم لف أحد الطرفين في كفة تلتف بهدوء حول عصب واحد، متجاوزة الحاجة إلى الغرز. جامعة نورث ويسترن.

"لتهدئة الألم استخدم الثلج" هذه هي الوصفة العملية الأكثر انتشاراً حول العالم لتخفيف الألم، وانطلاقاً منها طوّر باحثون في جامعة نورث ويسترن الأميركية زرعة ناعمة ومرنة يمكنها استهداف الأعصاب لتخفيف الألم دون استخدام الأدوية.

في الدراسة التي نُشرت في دورية "ساينس" (Science)، حاول الباحثون ابتكار وسيلة جديدة لتخفيف الألم عوضاً عن الأدوية الأفيونية وغيرها من المسكنات التي تسبب الإدمان، فكان الجهاز المتوافق حيوياً والقابل للذوبان في الماء. يمكن للزرعة الجديدة أن تؤدي دوراً حيوياً في التحكم بآلام المرضى بعد العمليات الجراحية الروتينية أو عمليات بتر الأعضاء، أو تطعيم الأعصاب، أو جراحات تخفيف الضغط على العمود الفقري، إذ يستطيع الطبيب الجراح زرع الجهاز في نهاية العملية الجراحية وقبل أن يُغلق جرح المريض، ما يمكّنه من إدارة الألم بعد الجراحة.

يقول جون روجرز، وهو الباحث في جامعة نورث وسترن، وقائد الدراسة: "على الرغم من فعالية المواد الأفيونية، إلا أنها تسبب الإدمان بشكل كبير. كمهندسين، تحفّزنا فكرة علاج الألم بدون أدوية، وبطرق يمكن تشغيلها وإيقافها على الفور، ما يسمح للمستخدم بالتحكم في شدة الراحة".

اقرأ أيضاً: إدمان المسكنات: متى تصبح مخاطر استخدام المسكنات أعظم من فوائدها؟

آلية عمل الزرعة: العلاج بالتبريد

في أيام الصقيع والبرودة الشديدة، نفقد الإحساس باللمس في أطراف أصابعنا بتأثير البرودة، بمعنى آخر تصبح الأصابع مخدرة، هذا هو التأثير الذي يسعى روجرز وفريقه للوصول إليه. صُمِّم الجهاز على شكل شريط مطاطي بسمك الورقة وعرض 5 ميلليمتراتٍ، ينتهي أحد طرفيه بما يشبه الكف ليحيط بالعصب المستهدف برفق، بينما يخرج الطرف الآخر من الجلد وينتهي بمضخة صغيرة. تمتد خلال الشريط قناتا ميكروفلويديك، تمتلئ إحداهما بمركب "البيرفلوروبنتان" الذي يتميز بدرجة غليان منخفضة، بينما تحتوي القناة الثانية على النيتروجين الجاف، وهو غاز خامل. من خلال جهاز تحكم عن بعد يتم ضخ كل من النيتروجين الجاف والبيرفلوروبنتان السائل إلى حجرة خاصة بحيث ينتج عن تفاعلهما تبخر السائل، وبالتالي تُسحب الحرارة من العصب ويبرد. يتخدر العصب بفعل التبريد فيفقد القدرة على نقل إشارات الألم إلى الدماغ.

قال الدكتور ماثيو ماكيوان من جامعة واشنطن الأميركية، والمؤلف المشارك في الدراسة: "نستهدف بشكل خاص الأعصاب الطرفية، التي تربط دماغك وحبلك الشوكي ببقية جسمك. هذه هي الأعصاب التي تنقل المنبهات الحسية، بما في ذلك الألم. من خلال توفير تأثير التبريد لعصب واحد أو اثنين فقط من الأعصاب المستهدفة، يمكن تعديل إشارات الألم في منطقة معينة من الجسم بشكل فعال".

اقرأ أيضاً: مسكّن مجاني: كيف يمكن للمرء أن يحيا بلا ألم؟

تطبيق الزرعة الجديدة

اختبر الباحثون جهازهم الجديد على الفئران، إذ حاولوا التثبيط المؤقت للعصب الوركي الذي ينقل الإشارات الحسية من الأطراف. طبّق الفريق ضغطاً على الأقدام لجعلها تتألم ثم قاسوا مقدار الضغط الواجب تطبيقه على القدم بعد استخدام الجهاز حتى تبدي الفئران رد فعل نتيجة الألم. كانت النتيجة مذهلة، إذ ارتفعت عتبة الإحساس بالألم نحو عشرة أضعاف بعد تبريد العصب الوركي.

اقرأ أيضاً: مسكن أفيوني جديد لا يسبب الإدمان

الزرعة الجديدة تفوقت على علاجات التبريد الأخرى

تشكل الزرعة نظام حلقة مغلقة، إذ يتدفق الغاز إلى خارج الجسم عبر قناة أخرى، ما يؤدي إلى تكثفه، ثم يعود مرة أخرى إلى الشريط المطاطي من خلال التحكم اللاسلكي بالجهاز. زوّد الجهاز بمستشعر صغير ليراقب درجة حرارة العصب بحيث يتم ضبط التدفق إلى النقطة التي تمنع الألم ولا تتسبب بتلف الأنسجة. يعمل فريق البحث حالياً على تحديد درجات الحرارة والوقت المناسبين لإجراء عملية التبريد، إذ استطاعت التقنية الحديثة التغلب على قيود علاجات التبريد السابقة، والتي تصيب مناطق كبيرة من الأنسجة غير المستهدفة ملحقة الأذى فيها. يقول ماكيوان: "لا نرغب في تبريد الأعصاب الأخرى، أو الأنسجة التي لا علاقة لها بالعصب الذي ينقل المنبهات المؤلمة عن غير قصد. نحن نريد حجب إشارات الألم، وليس الأعصاب التي تتحكم في الوظيفة الحركية وتمكنك على سبيل المثال من استخدام يدك". ولكن ماذا يحدث للزرعة في الجسم بعد الشفاء وزوال الألم؟

اقرأ أيضاً: المُسكّن الذي تحول لمُخدر شهير: كيف تتخلص من الترامادول؟

في النهاية يذوب الجهاز في الجسم بتلك البساطة

بشكل مشابه للخيوط الجراحية التي تذوب في الجسم، صُنع الجهاز من مواد متوافقة حيوياً مع الجسم وقابلة للذوبان في الماء، فلا حاجة لعمل جراحي لإزالتها بعد الشفاء وزوال الألم، إذ يمكن للزرعة أن تذوب في سوائل الجسم خلال أيام وحتى عدة أسابيع، وفقاً للمادة المستخدمة وسماكتها.

قدمت مختبرات روجرز عدة نماذج سابقة من الأجهزة الإلكترونية القابلة للامتصاص. وأُعلن عن أول نموذج في دراسة نُشرت في دورية "نيتشر ميديسن" (Nature Medicine) عام 2018، وكان عبارة عن زرعة تُسرّع تجديد الأعصاب، وعلى شكل جهاز إلكتروني قابل للتحلل والامتصاص الحيوي. تلاه جهاز تنظيم ضربات القلب العابر والقابل للانحلال في دراسة مفصّلة نُشرت في دورية "نيتشر بيولوجي" (Nature Biotechnology) عام 2021.

ويسعى الباحثون اليوم للحصول على موافقة لتجربة الزرعة على البشر، يقول روجرز: "نحن متحمسون جداً، لكن في الوقت نفسه، نتفهم أن هناك عملاً إضافياً يجب القيام به. أعتقد أن القدرة على استخدام مفتاح لتشغيل الألم وإيقافه، سيكون أمراً رائعاً، وربما يكون هذا أحد الأساليب للقيام بذلك".

المحتوى محمي