يبقى مرض السرطان من الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم مع تسببه بوفاة نحو 10 ملايين شخص في عام 2020. لا يزال الاكتشاف المبكر للمرض هو العامل الأهم لزيادة فرص النجاة، لكن مراجعة حديثة نُشرت نتائجها في مجلة "ساينس" أظهرت أن 50% من السرطانات لا يتم الكشف عنها حتى الآن إلا في مرحلة متقدمة من المرض. يقول الأطباء إنه عند اكتشاف المرض مبكراً، يصبح العلاج فعالاً أكثر، ويمكنه إبطاء تقدم السرطان وحتى إيقافه.
ومع ذلك، يمكن أن يسمح اختبار جديد للدم يمكنه اكتشاف أكثر من 50 نوعاً من السرطان بتحسين الاكتشاف المبكر للسرطان. في الدراسة الأولى التي تُجرى لاختبار الدم الجديد الذي يُدعى "غاليري" (Galleri)، بينت النتائج أن الاختبار كشف عن علامات محتملة للسرطان لدى 1% من بين أكثر من 6600 شخصٍ شاركوا في الدراسة تبلغ أعمارهم 50 عاماً وأكثر وكانوا يتمتعون بصحة ظاهرية جيدة. بعد إجراء اختبارات أكثر شمولاً لاحقاً، تم تشخيص السرطان بالفعل لدى 38% من الأشخاص الذين أظهر اختبار غاليري الأولي أن هناك احتمالاً لإصابتهم بالسرطان.
اقرأ أيضاً: هل يمكن استخدام الجراد في تشخيص السرطان؟
نتائج اختبار الدم
لتأكيد النتائج، خضع أكثر من 90% من المرضى الذين كانت نتيجة اختبار الدم لديهم إيجابية لأكثر من اختبار تصوير (التصوير المقطعي المحوسب، التصوير بالرنين المغناطيسي، إلخ)، بينما خضع نصفهم لأكثر من اختبار بضع (خزعة، استئصال، إلخ).
أظهرت التجربة أن الاختبارات حددت وجود 19 ورماً صلباً في أنسجة الثدي والكبد والرئة والقولون. بالإضافة إلى ذلك، كشفت الاختبارات عن سرطان المبيض والبنكرياس، واللذان عادة ما يتم اكتشافهما في مرحلة متأخرة ونسبة الشفاء والنجاة منهما ضعيفة جداً. أما باقي الحالات التي تم الكشف عنها في التجربة فكانت لسرطانات الدم. من بين 36 نوعاً من السرطانات التي تم اكتشافها إجمالاً، كان 14 نوعاً منها في مراحله المبكرة و26 نوعاً لا يوجد لها فحص معياري لاكتشافها.
تأتي النتائج كجزء من دراسة تُدعى "باثفايندر" (PATHFINDER) يتم إجراؤها على مستوى الولايات المتحدة لتقييم اختبار غاليري، والذي تصنعه شركة التكنولوجيا الحيوية "غريل" (GRAIL) وتمول دراسة باثفايندر نفسها. يُعتبر اختبار غاليري أحد اختبارات الدم التي يجري العمل عليها حالياً بهدف تطوير اختبار واحد يمكنه الكشف عن عدة أنواع من السرطان في المستقبل. تنطوي آلية عمل جميع هذه الاختبارات على البحث عن إشارات بيولوجية تُدعى الواسمات الحيوية (على سبيل المثال، أجزاء صغيرة من آثار الحمض النووي للخلايا السرطانية)، والتي يمكن أن تشير إلى وجود السرطان في الدم.
اقرأ أيضاً: لماذا يحدث السرطان؟ وما هي أهم علاجاته المتوفرة حتى الآن؟
خطوة واعدة نحو الكشف المبكر عن السرطان
تقول رئيسة قسم الطب في مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان في نيويورك، دِب شراغ، في بيان صحفي: «تعد دراسة باثفايندر خطوة أولى مهمة لتحقيق تغيير جذري في نهج تشخيص السرطان. لقد اكتشفت الدراسة وجود السرطان- بما في ذلك الأنواع التي ليس هناك طريقة معيارية محددة لاكتشافها- لدى نحو 1% من المشاركين، وبالتالي تثبت هذه الدراسة حقاً جدوى هذا النموذج والأداء القوي للاختبار». وتضيف شراغ: «على الرغم من الأهمية الكبيرة لجهود الصحة العامة المستمرة لتحسين الالتزام بإستراتيجيات الفحص الحالية التي أثبتت فعاليتها، إلا أن هذه الدراسة تقدم نظرة حول مستقبل تشخيص السرطان في المستقبل، والتي تنطوي في أحد جوانبها على استخدام اختبارات الدم لاكتشاف أنواع مختلفة من السرطان في المراحل المبكرة التي يكون خلالها العلاج فعالاً أكثر».
وجد الباحثون أيضاً أن اختبار الدم نجح في تحديد عدم الإصابة بالسرطان في 99% من الحالات، وهذه النتيجة مهمة جداً لنفي احتمال التشخيص الخاطئ للإصابة بالسرطان. على سبيل المثال، وجدت دراسة نُشرت في مارس/آذار في مجلة الجمعية الطبية الأميركية أن نصف النساء اللواتي يتم تشخيصهن بسرطان الثدي من خلال اختبار الماموغرام تبين عدم إصابتهن به بعد 10 سنوات من الفحوصات الدورية.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يستخدم معظم الأطباء كلمة «شفاء» عند التعامل مع مرضى السرطان؟
تقول الباحثة في معهد دانا فاربر للسرطان في بوسطن، والمؤلفة المشاركة للدراسة، كاثرين ماريناك، في مقابلة مع شبكة يو إس نيوز آند وورلد ريبورت: «الاختبار ليس جاهزاً بعد للاستخدام على نطاق واسع. ولكن إذا أكدت دراسات أخرى جدوى اختبار الدم، فقد يصبح "أداة تغير قواعد اللعبة"». وتشدد ماريناك على أهمية دراسة ليس فقط مدى نجاح اختبارات الكشف المبكر عن عدة أنواع من السرطان، ولكن أيضاً دراسة أدائها عند تطبيق استخدامها فعلياً في بيئات الرعاية الصحية الحقيقية وما إذا كان اختبار الدم يمكن أن يمنع بالفعل الوفاة بالسرطان.
تم عرض النتائج في اجتماع الجمعية الأوروبية لطب الأورام في باريس بفرنسا. عادة ما تعتبر نتائج الدراسات التي تُعرض في مثل هذه الاجتماعات أولية بشكل عام إلى أن يتم نشرها في مجلة خاضعة لمراجعة الأقران. لم ترخص إدارة الغذاء والدواء في الوقت الحالي استخدام أي اختبار للكشف المبكر عن عدة أنواع من السرطان، ولكن يُسمح للأطباء بطلب إجراء اختبار غاليري باعتباره فحصاً مخبرياً مطوراً. ووفقاً للمعهد الوطني الأميركي للسرطان، فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم تنظم عبر تاريخها الاختبارات التي تم تطويرها في المختبر.