من السهل نسبياً جمع المياه عن طريق تجميع الضباب، ففي الواقع، يمكن لبضعة أمتار مربعة فقط من الشبكات جمع ما يزيد على مئات اللترات من المياه يومياً. لكن في العديد من المدن، غالباً تكون مخزونات المياه هذه ملوثة بسبب الغلاف الجوي؛ ما يجعلها غير صالحة للشرب أو الطهو.
لحل هذه المشكلة، فكر الباحثون مؤخراً في إمكانية استخدام جهاز متكامل لتجميع رطوبة الضباب وتنقيتها في الوقت نفسه، بدلاً من الاعتماد على طرائق التنظيف الأخرى التي يمكن أن تكون مُكلفة في كثير من الأحيان. أسفر هذا النهج عن ابتكار بسيط وفعّال ومبشّر للغاية؛ إذ يمكن أن يوفر المياه الصالحة للشرب، ويسهم في تنقية انبعاثات البخار من محطات الطاقة.
ابتكار جديد لتنقية مياه الضباب واستخدامها
حسبما جاء في تفاصيل هذا الابتكار التي نُشرت في 16 أغسطس/ آب في مجلة الاستدامة الطبيعية (Nature Sustainability)؛ صمم فريق من العلماء شبكة معدنية مترابطة ومطلية بمزيج من البوليمرات وثاني أوكسيد التيتانيوم. يساعد مكون البوليمر الأملس على تجميع قطرات الماء بسرعة وتدفقها عبر الشبكة؛ بينما يعمل ثاني أوكسيد التيتانيوم بوصفه محفزاً كيميائياً لتحليل جزيئات الملوثات العضوية.
لاختبار التصميم، أنشأ الفريق ضباباً اصطناعياً داخل مختبر في مدينة زيوريخ حيث وُضعت الشبكة الجديدة. ووفقاً لقياسات الفريق؛ تمكنت الشبكة من جمع 8% من رطوبة الهواء المحيط، وفي الوقت نفسه نجح ثاني أوكسيد التيتانيوم في إزالة نحو 94% من المركبات العضوية الملوثة المضافة (التي تحتوي على عناصر الكربون والهيدروجين؛ والتي يمكن أن تكون موجودة في الهواء أو الماء وتكون ناتجة من تلوث بيئي). تشمل هذه الجزيئات الملوثة الإضافية قطرات الديزل، بالإضافة إلى مادة البيسفينول أ (BPA)، وهي عامل نشط هرمونياً يوجد عادة في المواد البلاستيكية التي تُستخدم في الحياة اليومية.
اقرأ أيضاً: في الإمارات: تقنية جديدة لتناول الأنسولين عبر الفم
تقنية يمكن الاستفادة منها في الأماكن التي تعاني التلوث البيئي
يقول عالم الاجتماع متعدد التخصصات في معهد ماكس بلانك لأبحاث البوليمرات (Max Planck Institute for Polymer Research) وأحد الباحثين في المشروع، ريتويك غوش (Ritwick Ghosh)، في بيان صحفي: "إن هذه الشبكة لا تجمع الضباب فحسب بل تعالج أيضاً المياه المجمّعة؛ ما يعني أنه يمكن استخدامها في المناطق التي تعاني تلوثاً في الغلاف الجوي مثل المراكز الحضَرية ذات الكثافة السكانية العالية".
إحدى الميزات المهمة أيضاً هي أن هذه التقنية لا تتطلب صيانة دورية تقريباً، ولا تحتاج إلى مصدر طاقة اصطناعي لتشغيلها. بدلاً من ذلك، يعيد ضوء الأشعة فوق البنفسجية تنشيط أوكسيد التيتانيوم في عملية تسمَّى "الذاكرة الضوئية التحفيزية" (photocatalytic memory). وفقاً للباحثين؛ يكفي تعريض ثاني أوكسيد التيتانيوم لأشعة الشمس قُرابة 30 دقيقة من أجل الحفاظ على تنشيطه لمدة 24 ساعة كاملة، وهي نسبة زمنية مهمة، ولا سيّما في مناطق الضباب الكثيف التي لا تتعرض لكمية كبيرة من أشعة الشمس.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن صنع أكثر المواد برودة في الكون؟ وما الهدف من ذلك؟
لا يقتصر استخدام الشبكة الجديدة على النطاقات الصغيرة؛ إذ يتوقع الباحثون؛ ومنهم رئيس المشروع توماس شوتزيوس (Thomas Schutzius)، تركيب هذه التقنية في أبراج تبريد محطات الطاقة. يقول شوتزيوس: "في أبراج التبريد، يتسرب البخار إلى الغلاف الجوي، وفي الولايات المتحدة، حيث أقيم، نستخدم قدراً كبيراً من المياه العذبة لتبريد محطات الطاقة.
لذلك؛ من الضروري أن نستغل بعض هذه المياه قبل أن تتسرب ونتأكد من أنها نقية في حال رغبنا في إعادتها إلى البيئة". كان أداء التصميم مماثلاً في كلٍ من البيئات الصغيرة، وكذلك داخل بيئة محطة تجريبية؛ ما يشير إلى إمكانية توفير حلول سواء على النطاق الفردي أو على نطاق أوسع في المستقبل.