كان عام 2023 عاماً مميزاً في المجال الطبي، حقق فيه الباحثون والمبتكرون إنجازات طبية أظهرت قوة وإمكانات الإبداع البشري؛ من تطوير لقاحات إلى إيجاد علاجات جديدة للأمراض المزمنة، وحتى تجاوز حدود التصوّر للإمكانات البشرية. ودون مزيد من الشرح، إليك أهم الإنجازات الطبية وأكثرها تأثيراً في مستقبل الطب والإنسانية لهذا العام.
1. أول علاج لمرض ألزهايمر
في تموز/يوليو من عام 2023، منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (Food and Drug Administration) موافقة كاملة على دواء ليكانيماب (lecanemab) باعتباره أولَ علاج معتمد تقليدياً يعالج البيولوجيا الأساسية لمرض ألزهايمر، ويغيّر مسار المرض بطريقة مفيدة للمصابين في المراحل المبكرة من المرض، بعد أن ثبت أنه يبطئ بشكلٍ معتدل التدهور المعرفي والوظيفي في حالات المرحلة المبكرة من المرض.
مرض ألزهايمر هو اضطراب دماغي تقدمي لا رجعة فيه، يتسبب بفقدان تدريجي للوظائف المعرفية والذاكرة، وينتهي به بتدمير القدرة على تنفيذ المهام البسيطة. وعلى الرغم من أنه لم تُحدد حتى الآن أسباب المرض بشكلٍ تام، فإن الباحثين قد رصدوا تغيرات في الدماغ، في تكوين لويحات بيتا أميلويد والتشابكات الليفية العصبية، تؤدي إلى فقدان الخلايا العصبية والاتصالات فيما بينها.
يُستخدم الدواء عن طريق الحقن في الوريد كل أسبوعين، ويستهدف بالأجسام المضادة بشكلٍ انتقائي أشكال بروتين الأميلويد.
اقرأ أيضاً: ألزهايمر وباركنسون: جسيمات نانوية لعلاج إصابات الدماغ
2. إنشاء أجنة بشرية اصطناعية
أنشأ علماء من جامعة كامبريدج (University of Cambridge) ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (California Institute of Technology)، أجنة بشرية اصطناعية باستخدام الخلايا الجذعية، ودون بويضات أو حيوانات منوية. وصلت تلك الهياكل إلى مرحلة تنموية تُعرف باسم "تكوّن المعيدة" (Gastrulation)، وفيها يتحول الجنين من صفيحة مستمرة من الخلايا إلى تشكيل خطوط خلايا متميزة وإعداد المحاور الأساسية للجسم. إلّا أن هذه المرحلة لا تحتوي على قلب نابض أو بدايات دماغ، ولكنها تشمل الخلايا التي عادة ما تستمر لتشكل المشيمة والكيس المحي والجنين نفسه.
لا يوجد احتمال على المدى القريب لاستخدام الأجنة الاصطناعية سريرياً، أو زرعها في رحم بشري، وليس من الواضح إذا ما كانت لديها القدرة على الاستمرار بالنضج بعد المراحل الأولى من التطور.
3. تصنيع كلية بشرية بدائية
تمكن باحثون من معهد قوانغتشو للطب الحيوي والصحة في الصين من إنشاء مخطط لكلية بشرية في حيوان آخر لأول مرة. وفي بحثهم الذي نُشر في أغسطس/آب من عام 2023 في مجلة سيل ستيم سيل (Cell Stem Cell)، أعاد الباحثون برمجة خلايا بشرية بالغة لاستعادة قدرتها على تكوين أي نسيج أو عضو في الجسم، بحيث لا تتطور إلى كلى الخنازير، ثم أدخلوا هذه الخلايا في أجنة الخنازير.
تمكنت هذه الخلايا من التطور إلى كلية بدائية، وهي مرحلة متوسطة من الجهاز الكلوي خلال مدة 28 يوماً، أي ربع فترة حمل هذا النوع الحيواني.
وعلى الرغم من المشكلات الفنية والأخلاقية التي تواجه فريق البحث، فإن الإنجاز يُعدُّ خطوة نحو استخدام الثدييات الأخرى مصدراً لا ينضب للأعضاء من أجل عمليات زرع الأعضاء.
اقرأ أيضاً: اكتشاف رائد يحسن من فرص نجاح عمليات زراعة الأعضاء
4. العلاج الجيني لضمور العضلات
مرض الحثل العضلي الدوشيني، هو مرض وراثي، تعوق فيه المورثات إنتاج بروتين الديستروفين اللازم لتقلص العضلات، ما ينتج عنه ضعف وفقدان تدريجي في كتلة العضلات. عادةً ما يُصيب الذكور بنسبة أكبر بكثير من الإناث.
تبدأ أعراضه بالظهور في مرحلة الطفولة، لكن في بعض أنواعه لا تظهر الأعراض حتى سن البلوغ، وتكون على شكل تأخر في النمو وصعوبات في المشي وتيبس في العضلات، قد تنتهي بالموت في الثلاثينيات أو الأربعينيات من عمر الشخص.
على مدى عقود حاول الأطباء التوصل لعلاج له، إلّا أنهم لم يتمكنوا من إيجاد سوى عقاقير لإدارة الأعراض. لكن عام 2023 حمل معه إنجازاً طبياً عظيماً حينما أعلنت إدارة الغذاء والدواء موافقتها على عقار إليفيديس (Elevidys) كأول علاج جيني للأطفال ما بين 4-5 سنوات الذين يعانون الحثل العضلي الدوشيني.
اقرأ أيضاً: إليك أهم 10 إنجازات هندسية وعلمية توصل إليها الباحثون عام 2022
5. اللقاحات العكسية لعلاج أمراض المناعة الذاتية
في اللقاحات التقليدية، يتعلم الجهاز المناعي تحديد الجزيئات الغريبة من فيروسات وبكتيريا ومهاجمتها. لكن باحثين في كلية بريتزكر للهندسة الجزيئية بجامعة شيكاغو (University of Chicago’s Pritzker School of Molecular Engineering)، طوّروا نوعاً جديداً من اللقاحات يفعل العكس تماماً. تُزيل اللقاحات العكسية ذاكرة الجهاز المناعي عن جزيء معين، وهو ما يساعد على علاج أمراض المناعة الذاتية التي يهاجم فيها الجهاز المناعي خلايا الجسم، مثل مرض التصلب اللويحي المتعدد والسكري من النوع الأول.
استند الباحثون في دراستهم التي نُشِرت في دورية نيتشر للهندسة الطبية الحيوية (Nature Biomedical Engineering)، على الطريقة التي يقوم بها الكبد بوضع علامة "عدم الهجوم" على جزيئات الخلايا التي تموت في العمليات الطبيعية لمنع تفاعلات المناعة الذاتية، حيث ربط الباحثون مستضداً، وهو جزيء يتعرض للهجوم من قِبل الجهاز المناعي، بجزيء مماثل لجزيء من خلية أخرى قديمة يتعرف الكبد عليها باعتبارها صديقة وليست عدواً. وقد أظهر هذا النهج إمكانية القضاء تماماً على أمراض المناعة الذاتية في بيئة المختبر.
6. أول عمل جراحي في العالم لدماغ جنين داخل الرحم
اكتشف زوجان أميركيان بالفحص بالموجات الفوق الصوتية لجنينهما في الأسبوع الـ 30 من الحمل، أنه يعاني حالة نادرة تُعرف بتشوه غالينوس. تسبب هذه الحالة وقف تطور الوعاء الدموي الدماغي غالينوس (وريد غالينوس)، والذي ينقل الدم من الدماغ إلى القلب، ما يشكّل ضغطاً على كلٍّ من الوريد والقلب، وقد يودي بحياة المصاب.
لإنقاذ حياة الجنين، قبل الزوجان بإجراء العمل الجراحي لطفلهما بوصفه تجربة سريرية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية، على الرغم من مخاطر الولادة المبكرة أو احتمالية حدوث نزيف دماغي لدى الجنين. أُجري العمل بإشراف فريق طبي من مستشفى بريغهام آند ويمن (Brigham and Women’s Hospital) ومستشفى بوسطن للأطفال (Boston Children’s Hospital). استخدم الأطباء الموجات الفوق الصوتية لتوجيه إبرة طويلة تشبه تلك المستخدمة في فحص السائل الأمنيوسي، ومرروا عبرها القثطرة بعناية. بالإضافة إلى وضع لفائف صغيرة في الأوعية الدموية المشوّهة لإيقاف تدفق الدم، ما أدّى إلى تباطؤ تدفق الدم وتخفيف الضغط على الوريد والقلب.
بعد يومين من الجراحة، دخلت الأم في مرحلة المخاض، وولدت الطفلة دنفر كولمان (Denver Coleman) بحالة مستقرة دون أي حاجة إلى علاجات فورية بعد الولادة.
اقرأ أيضاً: «أيلا بشير» أول طفلة تتلقى علاجاً لمرضها الوراثي وهي في رحم أمها
7. علاج السرطان المنشّط بالضوء
تمكّن باحثون من جامعة إيست أنجليا، من تطوير آلية علاج السرطان المنشّط بالضوء. ففي بحثهم المنشور في فبراير/شباط بدورية نيتشر كيميكال بايولوجي (Nature Chemical Biology)، صمم الباحثون شظايا الأجسام المضادة التي تندمج مع الهدف ويمكن تنشيطها بالضوء.
هذه الأجسام المضادة أكثر انتقائية بكثير من أدوية العلاج الكيميائي الذي يلحق الضرر بالخلايا السليمة إلى جانب الخلايا السرطانية، حيث ترتبط أولى شظايا الأجسام المضادة التي صممها الباحثون مع الهدف بروابط تساهمية، وتُنشط عند التشعيع بالأشعة فوق البنفسجية عند طول معين، إمّا بتسليط الضوء على الجلد مباشرة وإمّا باستخدام مصابيح ليد صغيرة يمكن زرعها في موقع الورم داخل الجسم.
وهذا يعني أنه يمكن في المستقبل هندسة علاجات العلاج المناعي لمهاجمة الأورام بشكلٍ أكثر دقة من أي وقتٍ مضى.