دواء جديد يؤدي إلى أول حالة شفاء من سرطان دماغي معند لدى طفل بعمر 13 عاماً

3 دقيقة
دواء جديد يؤدي إلى أول حالة شفاء من سرطان دماغي معند لدى طفل بعمر 13 عاماً
حقوق الصورة: shutterstock.com/ sfam_photo
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اللحظة الأصعب في حياة كل طبيب هي عندما يضطر لأن يُخبر مريضه بأن عليه ألّا يتشبث بالأمل في شفائه، وهذا ما واجهه الطبيب “جاك جريل“، رئيس برنامج أورام الدماغ في مركز غوستاف روسي للسرطان في باريس عام 2011، عندما أخبر لوكاس وعائلته بأنه مصاب بأحد أشد أورام الدماغ خباثةً وعدوانيةً والذي لم يسجل أي حالات شفاء من قبل.

ومع ذلك، شارك لوكاس في إحدى التجارب السريرية التي تهتم بالبحث عن علاج هذا النوع من أورام الدماغ، وربما لم يعلم أنه وبعد عدة سنوات من المشاركة سيكون الطفل الأول الذي يسجّل أول حالة شفاء من هذا السرطان، ليكون هذا إنجازاً رائداً في العلوم الطبية وعلوم الأورام.

اقرأ أيضاً: النجاح في الكشف عن سرطان الدماغ أول مرة عن طريق تحليل الدم

التشخيص بالسرطان في عمر السادسة

على الرغم من التقدم في علاج سرطانات الأطفال، فإن أنواعاً معينة من الأورام، مثل الورم الدبقي الجسري الداخلي المنتشر (DIPG)، لا تزال صعبة العلاج. حيث شُخِّصت إصابة لوكاس بنوعٍ نادرٍ من ورم الدماغ عندما كان في السادسة من عمره، وأُبلِغ من قِبل الأطباء أن حالته غير قابلة للعلاج. ومع ذلك، وعلى الرغم من الصعاب كلها، فقد انتصر على المرض في سن الثالثة عشرة، ليصبح حالة الشفاء الأولى.

يشكّل الورم الدبقي الجسري الداخلي المنتشر الذي يُعرف بـ (Diffuse Intrinsic Pontine Glioma) والمعروف أيضاً باسم DIPG، تحدياً للطب، إذ إنه يُصيب 50-100 طفل في فرنسا كل عام، و85% من الأطفال يعيشون مدة تُقدّر وسطياً بخمس سنوات بعد التشخيص. هذا النمو الخبيث يتطور في جسر الدماغ الذي يعتبر ممراً لنقل المعلومات الحسية والحركية بين المخ والمخيخ وكامل أجزاء الجسم، لهذا السبب يعاني المصابون أيضاً خلال هذه السنوات طيفاً واسعاً من الاضطرابات الحركية والحسية.

يُعالج الورم الدبقي الجسري الداخلي المنتشر عادةً بالعلاج الإشعاعي الذي غالباً ما يؤدي إلى إبطاء تطور المرض فحسب، ولسوء الحظ لم يُثبت أي فاعلية ضد الخلايا الورمية، لهذا يستسلم المرضى خلال عام من التشخيص، وكقاعدة تتعلق بهذا النوع من الورم، فإن نتيجته غالباً ما تكون مميتة خلال 9 حتى 12 شهراً من التشخيص.

كيف استجاب لوكاس للعلاج دون سواه؟

كان لوكاس من أوائل المرضى الذين سُجِلوا في التجربة السريرية لاختبار دواء جديد يستهدف الورم الدبقي الداخلي المنتشر، وكان اسم هذه التجربة “بيوميدي” (BIOMEDE). وُصِفت الأدوية للمرضى المشاركين بشكلٍ عشوائي، وأُعطي لوكاس بناءً على ذلك العقار الدوائي “إيفيروليموس” وليس دواءً وهمياً، وقد استجاب له لوكاس بشكلٍ جيد. “إيفيروليموس” هو حاصر مستقبلات (mTOR) التي تتفعل عند الإصابة بالسرطان لإنتاج أوعية دموية جديدة، وبالتالي يمكن للأدوية التي تستهدف معاكستها أن تحد من تشكل الأوعية الدموية المغذية للسرطان وبالتالي الحد من نموه.

قُيِّم المرضى من خلال سلسلة من فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، وكان تقييم لوكاس مفاجئاً حيث اختفى الورم تماماً بعد خضوعه لجلسات من العلاج الموجَّه. وفي الوقت الذي أثارت فيه هذه النتيجة تفاؤلاً بين المتخصصين في المجال الطبي، أثار اختفاء الورم من جهةٍ أخرى رغبةً كبيرة لفهم الأسباب الكامنة وراء تعافي لوكاس وكيف يمكن أن يفيد مرضى السرطان الشباب الآخرين في المستقبل.

فقد نجا سبعة أطفال آخرون بعد سنوات من تشخيصهم ومشاركتهم في التجربة وتلقي الدواء، ولكن ورم لوكاس فقط الذي اختفى تماماً، وقال الطبيب جريل بهذا الخصوص: “إن سبب استجابة هؤلاء الأطفال للأدوية بينما لم يفعل الآخرون، يرجع على الأرجح إلى “الخصائص البيولوجية” لأورامهم الفردية”، وأضاف: “كان لورم لوكاس طفرة نادرة للغاية نعتقد أنها جعلت خلاياه أكثر حساسية للدواء”.

اقرأ أيضاً: إنجاز طبي سعودي الأول من نوعه في الشرق الأوسط: زرع شريحة في دماغ طفل لمعالجة الصرع

ما الآفاق المستقبلية لنتائج تجربة بيوميدي؟

لهذا السبب يدرس الباحثون التشوهات الجينية لأورام المرضى، وركّبوا عضيات ورمية -وهي نسخ ثلاثية الأبعاد من أورام المرضى المصنوعة في المختبر- لفهم تركيبتها البيولوجية وحساسيتها للأدوية. إذ توفّر حالة لوكاس أملاً حقيقياً بأنها معيار جيد لمحاولة تعديل مكونات الخلايا في المختبر بشكلٍ مشابه لخلايا لوكاس، كي تستجيب للعلاج بالطريقة نفسها، حيث تسعى الفِرق الطبية لمعرفة ما إذا كانت تغيرات الحمض النووي الموجودة في خلايا لوكاس تُقلل من تكاثر الورم وتُعزز الاستجابة للعلاج.

اقرأ أيضاً: لأول مرة تصوير عملية تخلص الدماغ من الخلايا الميتة

وإذا نجح ذلك، فإن الخطوة التالية ستكون العثور على دواء له التأثير نفسه في الخلايا السرطانية بعد تعديل متغيراتها الخلوية لتناسب بشكلٍ نسبي مع موجودات خلايا لوكاس، وفي حين أن الباحثين متحمسون لهذا التقدم الجديد، إلّا أنهم وضحوا أن إيجاد علاج محتمل لا يزال بعيدَ المنال، وقد يستغرق الأمر 10 إلى 15 سنة لتطوير دواء يطابق تلك المعايير، فالعملية معقدة نسبياً وتختلف عن باقي التجارب السريرية.