شاهد طائرة شراعية ستتمكن من التحليق فوق المريخ بالاعتماد على طاقة الرياح فقط

شاهد طائرة شراعية ستتمكن من التحليق فوق المريخ بالاعتماد على طاقة الرياح فقط
تستلهم طائرة المريخ الشراعية تصميمها من طائر القطرس الذي يُعتبر أمهر الطيور في الطيران الشراعي. إميلي ديكمان/ كلية الهندسة/ جامعة أريزونا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خلال نحو 120 عاماً منذ اختراع الطائرة، نجح البشر بصنع طائرات يمكنها تجاوز سرعة الصوت وحتى الطيران رأساً على عقب عبر السماء. ومع ذلك، فإن الطيران في أجواء عالم آخر غير الأرض أمر مختلف تماماً.

ابتكر فريقٌ من مهندسي الفضاء من جامعة أريزونا ومركز أميس للأبحاث التابع لناسا مفهوماً لتصميم جديد للاستكشاف الجوي خارج كوكب الأرض، وأطلقوا عليه اسم “طائرة المريخ الشراعية”. يصف المفهوم الجديد، والذي نُشر مؤخراً في دراسة في مجلة “إيروسبيس، طائرة بلا محرّك تعتمد على قوة الرياح فقط للطيران.

تاريخياً، كان تطوير مركبة قادرة على الطيران لفترة طويلة على المريخ مهمة من الصعب تنفيذها على الأرض. تختلف الكثير من الظروف الموجودة على كوكب المريخ عن الظروف على الأرض، فهناك عواصف ترابية هائلة، والجاذبية السطحية أقل، والغلاف الجوي أقل سماكة بمئة مرة مقارنةً بالغلاف الجوي للأرض. إلا أن مروحية “إنجينيويتي” المريخية المزودة بمصدر للطاقة أثبتت في عام 2021 أنه من الممكن التحليق فوق كوكب المريخ. في أول رحلة لها، حلقت المروحية الصغيرة على ارتفاع نحو 3 أمتار من سطح المريخ لمدة نصف دقيقة تقريباً.

اقرأ أيضاً: شتاء المريخ يفرض تحديات جديدة على عمل مروحية إنجينيويتي

منذ ذلك الحين، نجحت إنجينيويتي في القيام بـ29 عملية طيران ناجحة فوق المريخ. ومع ذلك، فإن أحد أهم التحديات التي تواجهها المروحية هو حاجتها المستمرة للطاقة الشمسية كي تعمل. يقول المؤلف الرئيسي لدراسة الطائرة الشراعية والباحث في الهندسة الميكانيكية بجامعة أريزونا، أدريان بوسكيلا: «تعتمد الطائرات ذات الأجنحة الثابتة على قوة الدفع المتاحة لتطير. لذلك نفكر فيما يمكننا فعله لإطالة مدة الطيران، أو بعبارة أخرى، لزيادة كمية الوقود المتاح على الطائرة».

التحليق الديناميكي

كما اتضح، كان حل المشكلة موجوداً بالفعل في الطبيعة. لإطالة فترة التحليق وبالتالي مدى الطائرة، ابتكر الفريق نموذجاً يعتمد على تقنية تستخدمها الطيور وتسمى “التحليق الديناميكي” (Dynamic soaring)، حيث تستغل الطيور، مثل طائر القطرس والفرقاطة، طاقة الرياح للقيام بمناورات معقدة في الهواء. في الواقع، أجنحة طيور القطرس متكيفة جداً لتساعد الطائر على الارتفاع، حيث يمكنها ركوب التيارات الهوائية لآلاف الأميال فوق المحيط دون الحاجة إلى الهبوط والراحة. يمكن أن يساعد الجمع بين تقنية التحليق الديناميكي وتكنولوجيا الفضاء الطائرات الشراعية على الطيران لأيام أو حتى شهور دون وقود أو محرك والوصول إلى أماكن لم تكن بعثات ناسا السابقة قادرة على الوصول إليها واستكشافها.

يخطط فريق طائرة المريخ الشراعية أيضاً لتصميم الطائرة بحيث تكون مستقلة تماماً بالنظر إلى أنهم سيحتاجون إلى القدرة على مراقبة التغيرات في الغلاف الجوي والتكيف بسرعة للحفاظ على طاقة دفع الرياح. لقد صمم بوسكيلا ومعاونوه بالفعل خوارزمية حاسوبية للقيام بذلك على الأرض، ولكن يتعين عليهم تعديلها لتلائم ظروف المريخ.

يقول بوسكيلا: «نحتاج إلى خوارزمية قادرة على مراقبة الرياح وتسجيل سرعاتها ونمذجتها، ومن ثم إيجاد أفضل مسارٍ للطائرة».

توفر الطائرة الشراعية الطاقة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفتها قليلة. بشكل عام، تتميز هذه الطائرات بانخفاض تكلفة إنتاجها وخفة وزنها وقابليتها للتمدد، وهي صغيرة بشكل كافٍ بحيث يمكن تخزينها في مساحة صغيرة. يقول الأستاذ المساعد في هندسة الطيران والفضاء بجامعة أريزونا، جيكان ثانجا: «من الممكن إرسالها يوماً ما كحمولة ثانوية في مهمات المريخ الرئيسية المستقبلية، أو حتى إرسالها ضمن مجموعات من الأقمار الصناعية المصغرة (كيوب سات). إن سهولة عملية تصنيع مثل هذه الطائرات ستسهم بالتأكيد في تبني فكرة إنتاجها بأعدادٍ كبيرة».

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا الأشرعة الشمسية الجديدة ستساعد علماء وكالة ناسا على رصد الشمس

تحديات الطائرة الشراعية

لكن لا يزال أمام المشروع بعض العقبات التي يجب تجاوزها تتعلق بالتصميم والإنتاج قبل أن توافق عليه وكالة ناسا. يتمثل أحد أكبر التحديات التي يواجهها الفريق في تحديد كيفية إيصال المركبة إلى ارتفاعات عالية في أجواء المريخ والطيران خلالها. علاوة على ذلك، يقول ثانجا إنه لم يتم بعد تحديد الوقت اللازم لنشر هذه الطائرة في أجواء المريخ. لكن يمكن أن يكون نقل الطائرة إلى الجو عبر المركبات الفضائية الحاملة حلاً معقولاً. يقول ثانجا في هذا الصدد: «سيستغرق نشر الطائرة وقتاً أطول قليلاً، لذلك نفكر أيضاً في استخدام مركبات ثانوية، مثل بالونات الهواء الساخن أو المناطيد».

بمجرد أن تهبط المركبة في النهاية على سطح المريخ، ستنتهي رحلة الطائرة الشراعية للأسف. ولكن يمكن استخدامها بعد هبوطها لأغراض أخرى أيضاً.

في الوقت الحالي، يتصور الفريق أنه من الممكن أن تكون هناك “حياة أخرى” للطائرة الشراعية كمحطة للطقس. فبالنظر إلى أنها مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار لدرجة الحرارة والضغط والغاز، ستستمر المركبة في مراقبة وتسجيل بيانات الغلاف الجوي من موقعها البعيد. بمرور الوقت، ومع وجود عدد كافٍ من الطائرات الشراعية الجاثمة على الأرض، يمكن الاستفادة من المعلومات التي ترسلها لإنشاء نماذج حاسوبية أفضل لأنظمة الطقس الغامضة في المريخ.

يقول عالم الأبحاث في ناسا والمؤلف المشارك في الدراسة، ألكسندر كلينج: «لدينا بعض البيانات حول الغلاف الجوي للمريخ، ولكنها ليست كافية. لذلك فإن الغرض من المهمة جمع المزيد من المعلومات عن بيئة المريخ».

طائرة المريخ الشراعية مرتبطة بمنطاد أبيض
أطلق الفريق نسخة أولية من طائرة المريخ الشراعية بواسطة منطاد، حيث هبطت ببطء إلى الأرض بفضله. كلية الهندسة / جامعة أريزونا

يقول ثانجا: «بمجرد أن تتطور التكنولوجيا أكثر، يمكن لنظام متكامل من المركبات الطائرة أن يستكشف عن كثب أماكن مثل جراند كانيون بالإضافة إلى المناطق البركانية والمرتفعات على المريخ». حتى ذلك الحين، لا يزال مشروع الطائرة الشراعية في مرحلة النموذج الأولي، ولكن يمكن أن يكون جاهزاً لتنفيذ مهمة فضائية في غضون عامين أو ثلاثة أعوام إذا ما توفر التمويل المناسب. في غضون ذلك، يخطط الفريق لاختبار الطائرة الشراعية هنا على الأرض قريباً، حيث سيأخذ المهندسون النماذج الأولية منها في وقت لاحق من هذا الصيف إلى أحد المطارات ومن ثم سيطلقونها على ارتفاع 5 آلاف متر تقريباً في الجو، وهو ارتفاع تشبه ظروف الرياح عنده ظروف الرياح على كوكب المريخ.

اقرأ أيضاً: استمع إلى الرياح المريخية: أول فيديو من مهمة بيرسيفيرانس

لا يزال هناك الكثير لنتعلمه قبل أن تصبح هذه النماذج الأولية للطائرة الشراعية جاهزة للتحليق عبر سماء المريخ، ولكن كما يؤكد كلينج، كلما بذلنا المزيد من الجهد، كانت النتائج أفضل.

يقول كلينج: «سنتمكن من التحليق عبر أجواء المريخ. أنا لا أقول إن إنجاز ذلك سيكون سهلاً، ولكنه واعدٌ جداً».