إتمام تسلسل الجينوم البشري: ما هي الفوائد المستقبلية التي ستُبنى على ذلك؟

3 دقائق
لأول مرة: علماء الوراثة يعلنون أن الخريطة الوراثية للبشر أصبحت كاملة
حقوق الصورة: شترستوك.

تم الإعلان عن إتمام جزء من مشروع الجينوم البشري في عام 2003، والذي كان قد حدد 92% من الجينات البشرية. أمّا الآن فقد أكمل علماء الوارثة ما بدؤوا به منذ سنوات عدة وحلّوا لغزاً كان قد صَعُب عليهم لما يقارب عقدين من الزمن بسبب القيود التكنولوجية، حيث أكمل العلماء وضع تسلسل الـ 8% الباقية، وبذلك تم الانتهاء من تسلسل الجينوم البشري بالكامل.

إضافةً إلى ذلك، أثبت الجينوم المَرجعي الذي يفتقر إلى 8% من التسلسلات الوراثية وجود صعوبة في فك تشفير بعض التسلسلات السابقة، كما ظهرت بعض الفجوات والثغرات عند مراجعة الخريطة، والسبب هو أن بعض التسلسلات كانت ناقصة حتّى. ولكن بفضل التقدم التكنولوجي والعلمي الذي تم إحرازه في علم الجينوم على مدى العقدين الماضيين، تمكن اتحاد "تيلومير تو تيلومير" واختصاره (T2T)، من ملء هذه الفجوات، ومن مسح الجينوم المرجعي البشري بحثاً عن الأخطاء لإصلاحها. 

"التيلومير" هو القسم الطرفي الذي يتوضع في نهاية الصبغي، ولدوره أهمية كبيرة في تأمين انقسام طبيعي للخلايا وفي الإشراف على تنظيم عمل الخلايا الحية وحفظ المعلومات الوراثية المهمة. وغالبا لم يأتِ اسم الاتحاد بمحض الصدفة، فربما أراد هؤلاء العلماء أن يكونوا "التيلومير" للخريطة البشرية الوراثية.

اقرأ أيضاً: مستقبل الطب الجينومي: الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً

مئة عالمٍ يتعاونون لإتمام خريطة الجينوم البشري 

كان الجهد دولياً، إذ تعاون نحو 100 عالماً من اتحاد (T2T) بقيادة المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا وجامعة هوبكنز وجامعة كاليفورنيا في رسم خريطة الجينوم البشري بأكمله، إذ تمثل نسبة 8% الإضافية التي تم التركيز عليها تسلسل 400 مليون حرف جديد بالإضافة إلى تسلسلات الحمض النووي الحالية.

في البداية تمت دراسة تسلسل الأحماض النووية لآلاف الأشخاص من أربع قارات مختلفة بدءاً من الصفر، ومقارنتها مع خريطة الجينوم الأصلية من أجل تحديد أخطاء الخريطة ومعالجتها. استخدم المؤلفون برامج الكمبيوتر لتحليل 3202 جينوماً باستخدام مرجع T2T الحديث وقارنوا النتائج التي حصلوا عليها مع النتائج السابقة لهذه الجينومات تحديداً والتي تم إجراؤها بالاعتماد على المرجع السابق، كانت الاختلافات كبيرة وواضحة في عدد من مناطق الحمض النووي المهمة.

اقرأ أيضاً: أخيراً العلماء يتمكنون من كتابة تسلسل الجينوم البشري بالكامل

سلّط الجينوم المرجعي T2T الضوء على ملايين الاختلافات الجينية، الأمر الذي لم يفعله المرجع القديم، كما أزال عشرات الآلاف من التباينات غير الصحيحة الموجودة في التسلسلات الجينومية. إضافةً إلى أنه ملأ الفراغات الموجودة في بعض التسلسلات وصحح مكان الآلاف منها والتي كانت في غير مكانها الصحيح.

يقول "جاستن زوك"، باحث في علوم الوراثة ومؤلف مشارك في الدراسة، في بيان له: "إذا كان تجميع تسلسل الحمض النووي يشبه تجميع قطع الأحجية، فإن الجينوم المرجعي يشبه حل الأحجية الذي نراه على صندوق الأحجية من الخارج، فهذا الحل المرجعي يساعد في إرشادك عند تجميع القطع معاً".

اقرأ أيضاً: بتحديد 27 مليون سلف: باحثون يرسمون أكبر شجرة عائلية للبشر

ما الفوائد المترتبة على إتمام دراسة تسلسل الجينوم البشري؟

يتم تشخيص الأمراض والاضطرابات الوراثية عادةً من خلال دراسة تسلسل الحمض النووي، إذ يستخدم علماء الوراثة جهازاً يعرض تسلسلاً معيناً من الحمض النووي، ويقارنون هذا التسلسل بآخر سليم بالعودة إلى الجينوم المرجعي.

صحح الباحثون ما يقارب عشرات الآلاف من الأخطاء الناتجة عن الترجمة السابقة للجينوم، الأمر الذي انعكس إيجاباً على تحليل أكثر من 200 جيناً ذي صلة طبية كان يتوارى في مناطق يصعب فك شيفرتها الجينية، إذ تم تقديم كمية من المادة العلمية للبحث في الأمراض الجينية والوراثية، على أمل الحد منها وتحقيق فوائد تشخيصات أكثر موثوقية مستقبلاً.

اقرأ أيضاً: «أي جينوميكس»: أول محلل تسلسل الجينوم محمول في العالم

كانت الجينات التي ملأت فراغات الخريطة الوراثية مهمة جداً في عملية التكيف، وذلك وفقاً لـ "إيفان إيشلر"، أستاذ في العلوم الجينية في جامعة واشنطن وأحد المساهمين الرئيسيين في الورقة البحثية. هذه الجينات التي أُضيفت كانت مسؤولة عن الاستجابة المناعية التي تمكّن البشر من التكيف مع العدوى والأوبئة والفيروسات والبقاء على قيد الحياة. إضافةً إلى الجينات التي تمكّن أدمغة البشر من النمو بشكل أكبر من تلك الموجودة في فصيلة الرئيسيات الأخرى. كما أن العلماء سيعودون إلى الخريطة الجينومية الحديثة للتحقق مما إذا كانت الاختلافات الجينية مرتبطة بحدوث سرطانات معينة.

قال إيشلر في بيان صحفي: " لفهم التنوع الجيني بشكل شامل نحتاج إلى مرجع كامل، لا يمكن إنكار الدور الإيجابي لوجود 95% من الخريطة الوراثية بين أيدينا، لكن أعتقد أن الحصول على الـ 5% الأخيرة كان مهماً للغاية لفهم كيفية حدوث الأمراض بشكل كامل لتكوين فكرة أفضل عن تطور البشر"، وأضاف: "حتى مع هذا الإنجاز، ينتظرنا الكثير من العمل والفهم الأعمق لتطبيقات الجينوم البشري".

المحتوى محمي