لأول مرة: زرع كلية خنزير معدّلة وراثياً لمريض مصاب بالفشل الكلوي

في 16 مارس/آذار 2024، دخل الأميركي ريتشارد سليمان التاريخ بعد أن أصبح أول شخص يخضع لعملية زرع كلية خنزير معدّلة وراثياً. تكللت العملية التي أجراها فريق من الجراحين في مستشفى ماساتشوستس العام بالنجاح.

زراعة أول كلية خنزير

وفقاً للمدير الطبي لزراعة الكلى في مستشفى ماساتشوستس العام، الطبيب ليوناردو رييلا (Leonardo Riella)، تتشابه كلية الإنسان مع كلية الخنزير في الحجم تقريباً، كما أنهما متماثلتان في الفحص المجهري، لكن ثمة اختلافات على المستوى الجيني بينهما، لذا لجأ فريق الأطباء لاستخدام كلية خنزير معدّلة وراثياً بواسطة شركة التكنولوجيا الحيوية "إي جينيسيس بيو" (eGenesis Bio) للحصول على كلية أكثر توافقاً.

ولتجنب رفض الجهاز المناعي في الجسم البشري كلية الخنزير كان لا بُدَّ من 3 إجراءات رئيسية:

استخدام تقنية تحرير الجينات كريسبر-كاس 9 (CRISPR-Cas9) لإجراء 69 تعديلاً جينياً على الحمض النووي للخنزير، تضمن:

إزالة 3 جينات في كلية الخنزير تنتج السكريات والتي يمكن للأجسام المضادة التعرّف عليها ومهاجمتها.
إضافة 7 جينات بشرية لتحسين توافق الكلى مع جسم الإنسان، بحيث تمنع تأثيرات الدومينو المرتبطة بجهاز المناعة والتي يمكن أن تؤدي إلى رفض عملية الزرع.
تعطيل أجزاء من الحمض النووي الفيروسي للفيروسات القهقرية التي تُصيب الخنازير في جينومات الخنازير، والتي لا تسبب مشكلات صحية للخنازير ولكنها قد تسبب العدوى للمتلقي.

2. صنع أجسام مضادة وحيدة النسيلة مخصصة لمنع رفض العضو الحيواني.

3. اختبار العضو في نماذج حيوانية غير بشرية لتطوير أفضل البروتوكولات لترجمة التكنولوجيا وتطبيقها لدى البشر.

استمرت العملية نحو 4 ساعات، وضم الفريق 15 عضواً في غرفة العمليات، وحالما قام الجراح الذي أجرى العملية، الطبيب تاتسو كاواي، بخياطة الكلية وربط أوعيتها الدموية بأوعية سليمان، تحول لونها من الرمادي إلى اللون الوردي، وبدأت على الفور بإنتاج البول والكرياتينين. قال كاواي: "لقد كانت أجمل كلية رأيتها في حياتي".

لا يزال ريتشارد سليمان يتعافى في المستشفى تحت مراقبة الأطباء خوفاً من حدوث أي مضاعفات، حيث يخضع لفحص الدم على مدار الساعة بحثاً عن علامات وجود فيروس خطير. ومع ثبات ضغط دمه واستقرار علاماته الحيوية، فإن الأطباء يتوقعون خروجه من المستشفى في وقتٍ قريب جداً. يبقى السؤال: إلى متى ستستمر الكلية في العمل؟

أمراض أخرى إلى جانب الفشل الكلوي

ريتشارد سليمان هو أميركي يبلغ من العمر 62 عاماً، ومصاب بالسكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم، وهما من المسببات الرئيسية لمرض الكلى المزمن. اضطر لإجراء عمليات غسيل الكلى سبع سنوات قبل أن يخضع لأول عملية زرع كلية بشرية عام 2018. لكن بعد 5 سنوات بدأت علامات الفشل بالظهور عام 2023، فاستأنف عمليات غسيل الكلى مرتين أسبوعياً، ولعدة ساعات في الجلسة الواحدة.

علاوة على ذلك، كان المريض بحاجة إلى مزيد من التدخلات لإزالة الجلطات من الأوعية التي تغذّي الكلى، نتيجة أمراض الأوعية الدموية والسكري وارتفاع ضغط الدم. في المجمل احتاج سليمان إلى ما بين 30 و40 إجراءً علاجياً للبقاء على قيد الحياة.

في إحدى المراحل قال سليمان: "لا أعتقد أنني أستطيع الاستمرار على هذا النحو". وبينما كانت حالته الصحية والنفسية تزداد سوءاً، اقترح عليه طبيب الكلى في مستشفى ماساتشوستس وينفريد ويليامز (Winfred Williams) الخضوع لزراعة كلية خنزير معدّلة وراثياً. وافق سليمان، وقال في بيان أصدره مستشفى ماساتشوستس العام: "رأيت أن ذلك ليس فقط وسيلة لمساعدتي، بل وسيلة لمدّ آلاف الأشخاص الذين يحتاجون إلى عملية زرع الأعضاء للبقاء على قيد الحياة بالأمل".

تفاؤل حذر

على الرغم من أن زراعة الأعضاء من كائنات غير بشرية تُعدُّ الحل المحتمل الأفضل حتى الآن لمشكلة الحاجة إلى الأعضاء حول العالم، فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم توافق عليها حتى الآن، لأنها لا تزال تنطوي على مخاطر كبيرة، حيث سبقت عملية زرع كلية الخنزير هذه عمليات مماثلة أخرى. بما في ذلك:

زراعة قلب خنزير معدّل وراثياً لمريضين، إلّا أن الأول توفي بعد شهرين بسبب مضاعفات الإصابة بفيروس الخنازير المضخم للخلايا، بينما توفي الثاني بعد 6 أسابيع بسبب رفض الجسم للقلب.
ربط كلية مؤقتاً بجسم متبرع ميت دماغياً.
زرع كليتين مزدوجتين لمريض ميت دماغياً.
نقل كلية شمبانزي أول مرة إلى امرأة مصابة بفشل كلوي عام 1964، واستطاعت أن تعيش بهذه الكلية فترة 9 أشهر.

لكن عملية زرع كلية الخنزير لريتشارد سليمان تمت ضمن إطار برنامج الاستخدام الرحيم التابع لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، الذي يُتيح للمرضى الذين يعانون حالات خطيرة ومهددة للحياة باستخدام العلاجات التجريبية عندما لا يتوفر أي علاج آخر.

على الرغم من أن عملية سليمان فريدة من نوعها، فإن حالته لم تكن نادرة، إذ يتراوح عدد المصابين بالفشل الكلوي في المملكة السعودية بين 90 - 110 أشخاص لكل مليون نسمة، في حين بلغ 250 إصابة لكل مليون في الولايات المتحدة، ونحو 300 ألف لكل مليون في دول آسيا.