بعكس المعروف حول استخدام الأقمشة كعازل للصوت ومعيق لانتقاله، أصبح بالإمكان اليوم استخدام "نسيج صوتي" لالتقاط الأصوات من حولنا وداخلنا، فقد طور مهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالتعاون مع مدرسة رود آيلاند للتصميم نسيجاً صوتياً يحول الأصوات من أمواج صوتية إلى كهربائية، تماماً كالطريقة التي تعمل بها آذاننا، مع المحافظة على الخصائص التقليدية للقماش كالقابلية للغسيل والانحناء في الغسالات بعد الغسل لعشر مرات.
يقول المؤلف الرئيسي للبحث وي يان، والأستاذ المساعد في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة: "عند ارتداء ملابس النسيج الصوتي، يمكن التحدث من خلالها للرد على المكالمات الهاتفية والتواصل مع الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذا النسيج أن يتفاعل بشكل غير محسوس مع جلد الإنسان، ما يمكّن مرتديه من مراقبة قلبه والحالة التنفسية بطريقة مريحة وغير محسوسة ومستمرة".
مستوحىً من الأذن البشرية: الطريقة التي يستشعر النسيج بها الأصوات
وفقاً للدراسة التي نُشرت في دورية "نيتشر" يمكن للنسيج الصوتي الجديد العمل كما الميكرفون في الهواتف المحمولة، والتقاط الأصوات من حولنا من المكتبات وحتى ضجيج ازدحام الشوارع.
في الأذن البشرية، يستقبل صيوان الأذن الخارجي الأمواج الصوتية، وينقلها عبر قناة الأذن إلى طبلة الأذن. في طبلة الأذن، يوجد ألياف حلقية مرنة من الكولاجين تهتز مع الموجات الصوتية اهتزازات ميكانيكية. تنتقل هذه الاهتزازات الميكانيكية إلى أصغر ثلاثة عظام في الجسم، هي المطرقة والسندان والركاب. تتحرك العظام الثلاث لتضخم الموجات الصوتية وتنقلها إلى "الحلزون" في الأذن الداخلية، حيث تلتقط النهايات العصبية السمعية الاهتزازات وتحولها إلى إشارات كهربائية ليفسرها الدماغ.
بشكل مشابه للأذن ومستوحى من طبلة الأذن، ابتكر العلماء نسيجاً مرناً من مادة "كهروضغطية"، وهي مواد تُنتج تياراً كهربائياً لدى تعرضها لضغط ميكانيكي. يمكن للنسيج الصوتي التقاط الأصوات والانحناء أو الاهتزاز معها، كما تهتز ألياف طبلة الأذن، ثم تحويل هذه الاهتزازات الميكانيكية إلى إشارات كهربائية.
يقول يويل فينك، عالم المواد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "اتضح أن طبلة الأذن مصنوعة من الألياف. تلعب هذه الألياف دوراً في السمع، وتتشابك كما الأقمشة التي ينسجها الناس".
اقرأ أيضاً: الأجهزة القابلة للارتداء تقيس مدى التعرُّض للأشعة، لكن هل يمكنها وقايتنا من سرطان الجلد؟
كيف يعمل النسيج الصوتي؟
للحصول على "الأذن القماشية" القادرة على التقاط الأصوات على المقياس النانوي، كان لا بد للمصممين من تطوير نوعين من الألياف هي:
- ألياف صلبة قادرة على تحويل الصوت الوارد إلى اهتزازات بكفاءة عالية، وتُصنع من ألياف "توارون" الصناعية والمقاومة للحرارة.
- ألياف مفردة مصنعة من مواد كهروضغطية، تلتقط الاهتزازات وتحولها إلى إشارات كهربائية.
تُرسل الإشارات الكهربائية عبر دارة كهربائية مصغرة إلى جهاز صغير لقراءة الإشارات وتسجيلها.
اقرأ أيضاً: التكنولوجيا القابلة للارتداء: أكثر من مجرد اكسسوارات إلكترونية
المواد الكهروضغطية واستخداماتها
لطالما كانت المواد الكهروضغطية المُفضلة لمجال واسع من التطبيقات، كالاستشعار عن بعد، ومراقبة وظائف الجسم وحتى مراقبة سلامة مواد الطائرات، إلا أن استخدامها يبقى محدوداً بسبب الفولتية المحدودة التي تنتجها.
في دراسة سابقة أجراها فريق بحثي في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا، بالتعاون مع المدرسة السويدية للمنسوجات في السويد، ونُشرت في دورية "نيتشر بارتنر" (Nature Partner Journal Flexible Electronics)، ابتكر الباحثون نسيجاً مرناً ومولداً للطاقة بالاعتماد على المواد الكهروضغطية، لتحويل الطاقة الحركية إلى كهربائية. اختبر الفريق قدرة النسيج من خلال تصميم حقيبة للكتب، وتوصلوا إلى زيادة كمية الطاقة الناتجة بزيادة وزن وحجم الكتب، فمع كل 3 كيلو غرامات من الكتب ينتج 4 ميكرو واط وهو ما يكفي لإضاءة مصباح ليد بشكل متقطع. توقع الباحثون إمكانية تطوير النسيج لتوليد طاقة كافية لنقل الإشارات اللاسلكية.
اقرأ أيضاً: يوماً ما، قد تتمكن الملابس الرياضية المبللة بالعرق من تشغيل الأجهزة الإلكترونية
ما استخدامات النسيج الصوتي؟
تخيل أن يردك اتصال هاتفي وتجيب عليه من قميصك، هذه واحدة من التطبيقات المحتملة للنسيج الصوتي، بالإضافة لمجموعة واسعة من الاستخدامات، على سبيل المثال:
- مراقبة ضربات القلب والتنبيه لأية مشاكل قلبية من خلال ملاحظة قدرته على استشعار أدنى تغيير في وتيرة الضربات. كذلك الأمر بالنسبة للنساء الحوامل، حيث أصبح بإمكانهن مراقبة ضربات قلب الجنين من خلال الملابس المحاكة بالنسيج الصوتي.
- لمن يمتلك مشاكل ضعف في السمع، يمكن لألياف النسيج الصوتي التقاط أضعف الأصوات وتحديد الاتجاه الذي جاء منه الصوت. حيث اختبر الباحثون حساسية قطعة قماشية من نسيج صوتي محاكة على ظهر قميص من خلال التصفيق بأيديهم من عدة زوايا، فاستطاع النسيج تحديد اتجاه الصوت من على بعد 3 أمتار.
- الكشف عن أية تشققات أو تصدعات في المباني من خلال إضافته إلى جدرانها والإنصات لها.
- كذلك في المركبات الفضائية، يمكن دمج النسيج الصوتي في بناء المركبة لمراقبة تراكم الغبار الفضائي على سطحها.
- يمكن تطبيقها في شبكات ذكية لمراقبة حركة الأسماك في المحيطات.
إذاً، النسيج الصوتي ليس مجرد إكسسوار جديد، هي تقنية ذكية جديدة تنضوي تحت تصنيف الأجهزة القابلة للارتداء، وتفتح المجال لتطبيقات واسعة في المستقبل القريب، وتمنح الموضة اتجاهاً جديداً.