من أكثر القضايا إثارة للجدل في عالم النحل، قضية تغذية النحل بالمحاليل السكرية؛ إذ تختلف الآراء كثيراً فيما إذا كان تقديم هذه المحاليل أمراً حكيماً أم لا، حيث يرفض بعض مربي النحل إطعامه، في حين يشعر البعض الآخر بضرورة تغذيته عندما تستدعي الظروف ذلك.
في الواقع، لا يحتاج النحل فعلياً إلى المحاليل السكرية، لكنه يحتاج إلى الطعام حينما لا يكون الطعام الحقيقي موجوداً، بل وفي بعض الأحيان، قد يصبح إطعام النحل قضية حياة أو موت. لكن، قد يكون إعداد تلك المحاليل بطريقة خاطئة أو بنسب غير صحيحة أمراً يضر أكثر مما ينفع. لذلك، إليك متى ينبغي تغذية النحل بالمحاليل السكرية، وتركيز السكر المناسب حسب كل فصل من العام، وطريقة تحضيرها، والإضافات التي قد تُحسّن منها.
هل ينبغي تغذية النحل بالمحاليل السكرية أم لا؟
نحل العسل على عكس الأنواع الأخرى من النحل لا يدخل في السبات الشتوي، بل يبقى نشيطاً في خلاياه، لذلك وخلال الأشهر الأكثر برودة من العام، يتجمع نحل العسل معاً للحصول على الدفء والبقاء على قيد الحياة، وذلك بالتغذي على العسل الذي كان يخزّنه منذ أسابيع. والآن وفي حال لم يكن رحيق الأزهار أو العسل متاحاً، ينبغي على النحّال أن يكون مستعداً لتقديم البدائل الغذائية اللازمة لتأسيس خلايا النحل أو الحفاظ على حياته من الموت جوعاً. فلو كان العالم مثالياً تتعاقب فيه الفصول بانتظام دون موجات برد قارس تلي ارتفاع درجات الحرارة في الربيع، وكانت أزهار النباتات البرية موجودة في كل مكان، وكان النحل يخزّن ما يكفي من العسل لأيام الشتاء الباردة، لما احتاج الأمر أن يقدم له الإنسان محاليل سكرية.
لكن وبما أن الإنسان قد انتزع النباتات البرية واستبدلها بمحاصيله الغذائية والكثير من المباني، وبما أن كثافة النحل في خلايا المناحل أعلى بكثير مما هي في البرية، وبما أن الجفاف ونوبات البرد والأمراض والآفات قد تقضي على أزهار المحاصيل التي يتغذى عليها النحل في أي وقت من العام، وبما أن النحّال قد يفرط في أخذ العسل من الخلية أكثر مما يتحمل النحل خسارته لضمان بقائه على قيد الحياة في الشتاء. فقد يجد النحل نفسه، نتيجة سبب أو أكثر، عالقاً في الخلايا دون طعام يواجه خطر الموت من الجوع. في هذه الحالة، يمكن منع موت النحل جوعاً من خلال ما يلي:
- نقل النحل إلى منطقة أخرى تحتوي على أزهار تنتج ما يكفي من الرحيق.
- تغذيته بالعسل الجاهز.
- تغذيته بالسكر الأبيض الجاف.
- تغذيته بالمحاليل السكرية المصنوعة من السكر الأبيض.
اقرأ ايضاً: دليل الشامل لتربية النحل
ما الحالات التي تستدعي تغذية النحل في (الصيف والخريف والشتاء)؟
ثمة عدد قليل من المناسبات التي تستدعي الحاجة إلى تغذية النحل بالمحاليل السكرية وهي تختلف من فصل إلى آخر، ومن هذه الحالات:
- تأسيس خلية نحل جديدة في بداية الربيع: عندها يمكن تثبيت سرب النحل لأول مرة أو عندما تكون المستعمرات صغيرة أو في طور التأسيس، يمكن حينها توفير غذاء تكميلي على شكل أقراص من العسل أو محاليل سكرية، وخصوصاً عند وجود بعض التحديات مثل وجود مشكلات مع الملكة، أو عند وجود نقص في الرحيق نتيجة عدم تفتح ما يكفي من الأزهار. بالتالي، قد تساعد تغذية النحل بالمحاليل السكرية على وضع المستعمرة الجديدة على المسار الصحيح.
- وجود كمية قليلة من الرحيق في الربيع والصيف: في حال كانت المنطقة التي وُضِع النحل فيها تعاني من ندرة الرحيق أو أن توفر الرحيق محصور خلال فترة زمنية محدودة، فقد يكون من المناسب إمداد الخلايا بالمحاليل السكرية حتى تتمكن من إنتاج ما يكفي من العسل اللازم لبقائها على قيد الحياة في فصل الشتاء.
- سوء الأحوال الجوية في فصليّ الربيع والصيف: مع قدوم الربيع وارتفاع درجات الحرارة، يبدأ النحل ببناء قرص العسل، ما يشجّع الملكة على وضع آلاف من البيوض يومياً لتحقيق أقصى استفادة من موسم الأزهار، وبمجرد أن تبدأ تربية الحضنة، يمكن للمستعمرة أن تستنفد موارد العسل وحبوب اللقاح المخزنة بسرعة كبيرة. وهنا قد تسبب تقلبات الأحوال الجوية مثل موجات البرد أو المنخفضات الماطرة حبس النحل في خلاياه دون ما يكفيه من الغذاء، وقد يموت جوعاً بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، قد يحدث في بعض الأحيان أن ترتفع درجات الحرارة مبكراً في الربيع قبل موعد إزهار النباتات، ومرة أخرى يكون لدى النحال الكثير من الأفواه الجائعة لكن دون طعام.
- ضعف الخلايا أو قلة المخزون الغذائي: إذا كانت خلية النحل جديدة أو ضعيفة، أو قام النحّال بحصاد كمية من العسل أكبر من اللازم بحيث لا يتبقى للنحل ما يكفي ليتغذى عليه، فسوف يحتاج النحل للمساعدة في تخزين الطعام لفصلي الخريف والشتاء. لذلك، ومع حلول منتصف الصيف إلى أواخره، يجب أن يتحقق النحال من إمدادات العسل بانتظام لمعرفة فيما إذا كان المخزون الغذائي كافياً أم لا، فإذا لم يكن كذلك، ينبغي إطعام المستعمرة بالمحاليل السكرية حتى تصنع ما يكفي.
متى ينبغي التوقف عن تغذية النحل بالمحاليل السكرية؟
من المهم معرفة المدة التي يجب أن تطعم النحل خلالها، لكن لا يمكن القول إن هذا اليوم من الشهر الفلاني هو الموعد المناسب للتوقف عن تغذية النحل بالمحلول السكري. في الواقع، تقع مسؤولية مراقبة الخلايا وفهم ما إذا كان المحلول السكري ضرورياً أم لا على عاتق النحّال. بشكل عام، في فصل الربيع، وبمجرد أن يصبح الرحيق متاحاً بشكل طبيعي يصبح الوقت مناسباً للتوقف عن إطعام النحل، وقد يكون من الجيد الانتظار حتى تقوم المستعمرة بإنشاء الأمشاط وتبدأ بملئها بالعسل.
أما في فصل الخريف، فينبغي أثناء القيام بعمليات الفحص الروتينية للخلية مراقبة كمية العسل التي تم تخزينها، فإذا كان لدى النحل ما يكفي من أمشاط العسل (مشط العسل هو العسل الموجود في خلايا الشمع والمسمى أيضاً قرص العسل) في الإطارات لفصل الشتاء، فينبغي التوقف عن تغذية النحل.
أما في فصل الشتاء، فينبغي التوقف عن تغذية النحل بالمحاليل السكرية، لأنها تسبب إضافة الكثير من الرطوبة إلى المستعمرة، ما يصعِّب على النحل تبخير الرطوبة الزائدة على نحو يضمن تخزين المحلول على المدى الطويل، لذلك يُنصح غالباً بإيقاف التغذية السائلة عندما تصل درجة الحرارة إلى 10 درجات مئوية خلال النهار، والتحول إلى التغذية الجافة مثل أقراص وفطائر السكر.
ما تركيز السكر المناسب في كل فصل؟
يختلف تركيز المحلول باختلاف الفصل، ففي الربيع وبداية الصيف، يُنظر إلى التغذية التكميلية على أنها إجراء لمساعدة النحل على الوقوف على أقدامه كي يبدأ في البحث عن الطعام وتحفيز الملكة على وضع البيض، فيُصنع المحلول السكري المناسب لفصل الربيع (والصيف في حال اقتضت الحاجة) وفق نسبة هي 1:1 وتعني (1 سكر:1 ماء)، يمكن أن يكون الخلط بالحجم (نفس الكوب) أو بالوزن.
أما في الأشهر الأولى من الخريف، فيكون دور التغذية التكميلية هي منح النحل وقتاً كافياً لتخمير المحلول وتحويله إلى احتياطي من العسل اللازم لفصل الشتاء، خصوصاً عند نقص موارد الأزهار، ويكون تركيز المحلول السكري هو 1:2 وتعني (2 سكر: 1 ماء).
أمّا طريقة التحضير فهي على النحو التالي:
- يسخن الماء إلى درجة الغليان أو ما قبلها بقليل.
- يُرفع الماء عن مصدر الحرارة ويُضاف السكر ويُحرك جيداً لتذويب كل بلورات السكر. يجب عدم غلي المزيج أبداً بعد إضافة السكر، لأنه قد يتكرمل ويصبح غير قابل للهضم جزئياً وساماً للنحل.
- يمكن إضافة قطرة أو قطرتين من الزيوت الأساسية مثل النعناع أو عشبة الليمون، ما قد يساعد على منع نمو العفن، ويعمل كمكمل غذائي للنحل.
- ترك المحلول حتى يبرد ثم وضعه في وحدة التغذية وتقديمه إلى النحل.
- يشار إلى أن نسبة الماء والسكر تقريبية، فإذا كانت كمية الماء أقل أو أكثر قليلاً مما ينبغي، فلا داعي للتخلص منه.
السكر يقلل من جودة العسل
عند تغذية النحل بالمحاليل السكرية، يقوم النحل بتقليل محتوى الماء في المحاليل وحفظه في الأمشاط وكأنه عسل ليتغذى عليه لاحقاً. لا يجوز استخلاص هذا السكر المتبقي في الأقراص مع محصول العسل التالي، لأن هذا السكر يقلل من جودة العسل الناتج، كما يصبح العسل المستخلص غير متوافق مع معايير الجودة المنصوص عليها في كثير من البلدان.